خطيئة جابر نصار!
مقالات مختارة | بقلم حمدي رزق
الخميس ١٥ ديسمبر ٢٠١٦
لقد جئت شيئاً إِدّاً، غلط جابر نصار أن حذف خانة الديانة من محررات جامعة القاهرة فى دولة تتعاطى الديانة فى كل محرراتها الرسمية، أقله تعرف الطالب المسيحى من الطالب المسلم، وتميز بينهما فى المحررات، هذا ما وجدنا عليه آباءنا.
نصار تخيل للحظة أنه فى دولة مدنية، وأن شعارها «الدين لله والوطن للجميع»، فقرر نسف التقليد القديم السقيم، ولكنه كان واهماً، أو متجاوزاً، وهذا من قبيل التجديف فى دستور البلاد، ويمس المادة المقدسة التى تعتمرها الدولة عمامة تتمايز بها بين الدول.
وأقله يحق عليه الاعتذار، ويستتاب أمام اللجنة الدينية فى البرلمان، ويستكتب إقراراً بعدم العود، ويسمع الكلام، قرار اللجنة الدينية درس لنصار ولكل من تسول له نفسه الحديث عن الدولة المدنية، أو تفعيل آلياتها، خانة الديانة صارت مقدسة لا تمس، وقرار نصار فيه افتئات واجتراء!.
الحمد لله أن اللجنة لم توص بإحالة نصار إلى النيابة بتهمة المساس بهيبة الدولة الدينية، والدعوة إلى الدولة المدنية، والخروج على دستور الدولة، وتأسيس جامعة على خلاف من الدستور والقانون، اكتفت اللجنة بإلغاء القرار، لا مبرر له ولا فائدة منه، فعلا مفيش فايدة، وتعود الخانة كالحية تسعى إلى محررات جامعة القاهرة، هى جامعة القاهرة على راسها ريشة.
عجباً وجدت اللجنة الدينية وقتاً مستقطعاً لنظر قرار رئيس جامعة القاهرة فى غمرة انشغالها بتجديد الخطاب الدينى، ومن فرط حرصها على تجليس خطاب الرئيس فى المولد، ألغت قرار نصار لأنه يؤسس لدولة مدنية المصريين فى رحابها سواء، ولا تفرق بين المواطنين فى خانة الديانة، هذا هو التطبيق البرلمانى لتجديد الخطاب الدينى!.
«نصار» للأسف يغرّد خارج السرب، من أنت حتى تنطح الصخر وحدك، حتما ستدمى رأسك ولن تصيبهم بالدوار، الدولة لابسة عمامة فولاذية، ما الفائدة، وما هو المبرر، خلصت القضايا حتى نحذف خانة الديانة، هذا من قبيل تفكه المثقفين، ناس فاضية، الوطن مشغول بحرب الإرهاب، مش ناقصة قرارات نصار، ما هكذا تورد الإبل يا أخى!.
«نصار» دخل مدخلاً ضيقاً، لجنة يترأسها رئيس جامعة الأزهر الذى حرقت الجامعة الأزهرية العريقة فى عهده، وبحضور وزير التعليم العالى الذى كان حاضراً والرئيس يزعق على تجديد الخطاب الدينى، لجنة تجتمع ودماء الكنيسة البطرسية لم تجف، ودموع المسيحيين مالحة.. تجتمع لتعاقب وتتعقب نصار.
لجنة تنتفض ليس لحصار المد الإرهابى المتشح بالدين، ولكن لحصار أول محاولة حقيقية فى زحزحة جبل الطائفية الذى ترزح تحت سفحه الدولة المصرية، وتجهض أول ولادة لأول تطبيق لعنوان الدولة المدنية، وتقطع الطريق على رجل اعتقد بمدنية الدولة وقرر تجليس مقرراتها على أرض الجامعة، ليكون عبرة لمن يفكر مجرد التفكير فى تحريك المياه فى البحيرة الأسنة.
رئيس اللجنة الدينية الدكتور أسامة العبد يعبر عن أفكاره التى استبطنها من خلال مسيرة تعليمه الدينى، ولكن ما بال الدكتور الشيحى وزير التعليم العالى هل يعبر هو الآخر عن أفكاره، أم أفكار حكومته، بماذا يفرق بيان اللجنة الدينية بشأن قرار نصار عن بيان الدعوة السلفية!.
لولا أن نصار جاء إلى منصبه منتخباً لتمت إقالته فى اللجنة، ويقيناً لن يبقى فى موقعه عاماً آخر بعد نهاية فترته الجامعية ليس لفشل ولكن لأنه من نجاح إلى نجاح، نجاح أكاديمى وعلمى وبحثى وتنموى، لم تعد الجامعة تتسول المرتبات، وودائعها بالمليارات.. عقاب الناجحين!.
انجح.. ولكن بعيداً عن الثوابت المرعية فى الدولة الدينية، «نصار» أعاد جامعة القاهرة إلى الحياة، وأضاء أنوار القبة، وغسل وجهها من القبح، وخلّصها من ربقة الإخوان والسلفيين، وأعادها إلى مكانها قبلة للفنون والآداب، من يؤم جامعة القاهرة الآن، أجب على السؤال، تعرف لماذا الهجمة الضارية على نصار؟!..
نقلا عن المصري اليوم