الأقباط متحدون - الطبول والتطبيل
  • ١٨:٢٦
  • السبت , ١٤ يناير ٢٠١٧
English version

الطبول والتطبيل

مقالات مختارة | مفيد فوزي

٣٠: ٠٧ ص +02:00 EET

السبت ١٤ يناير ٢٠١٧

مفيد فوزي
مفيد فوزي

-1-
عندما كنت رئيسا لتحرير صباح الخير 8 سنوات، زمان مبارك، كنت «أقرأ» الكاريكاتير جيداً أكثر من الموضوعات والمقالات ولم تكن الفرجة على الرسم هى همى الأول بقدر ما كان «المغزى» الذى يرمى إليه الرسام ويضمره فى عقله وقلبه، وأنا من المؤمنين - كصحفى - أن رسام الكاريكاتير هو «كاتب بالريشة» ويتساوى تماماً مع الكاتب بالقلم، وربما كان الفنان الرسام صلاح الليثى مجهولاً للكثيرين، لكنى كنت أهتم بشدة برسومه ذات المغزى العميق إذا كانت خطوطه البسيطة تعبر عن قضايا معقدة وصعبة، لكن القدر لم يمهله كثيراً وحزنت عليه لأنه كان صاحب ريشة «مبصرة» تعرى القبح الرسمى فى الأداء الحكومى بلا خوف، وأتذكر أننى لم أناقشه فى رسم واحد وللدقة «فى رأى واحد» رغم سخط وزمجرة بعض كبار المسؤولين على رسومه الكاريكاتيرية، ولعلها أول مرة أبوح فيها عن واحد مهم من رسامى روز اليوسف، غيبه الموت عن الاهتمام الأمين بقضايا بلده.

أتذكر هذا وأنا أطالع بإعجاب وتقدير ما نشرته العزيزة الرسامة «دعاء العدل» فى المصرى اليوم الذى صاغته فى خطوط وهى تعبر عن رأيها فقد رسمت ضمن صفحات الرأى بعنوان «فضائيات» تليفزيونا مضاءة شاشته، وكتبت «لا مؤخذة يا ستى أصل نسيت التليفزيون مفتوح!»، أما ما سقط أو خرج من الشاشة فهو مجموعة هائلة من «الطبل ووجوه إعلامية!!» ويرمز ذلك إلى ما يسود الشاشات من التطبيل للنظام والرئيس. هذا رأى دعاء العدل ولا بد من احترامه واحترام عماد سيد أحمد المشرف على صفحات الرأى الذى سمح بنشره وسط أصحاب أعمدة الرأى، وبالطبع موافقة رئيس التحرير، ورأى «الشابة الموهوبة» دعاء العدل ينطوى على رفضها التام أن يتحول الكاتب إلى «مطبلاتى» وتمتلئ الشاشات بالطبل «جمع طبلة».

-2-
وبادئ ذى بدء لست من كورس النظام وفريق المداحين، وليس لى مطالب عند أى جهة ولست طامعاً فى منصب ولو كان شرفياً ورأيى مجرد ومنزه عن الهوى ولذلك التقطت فكرة دعاء العدل الموحية لى بهذا المقال: التطبيل!. وببساطة ودون فذكلة ولا اللجوء إلى ألفاظ غامضة ومصطلحات انكشارية فإن المعارضة فى أبسط تعريف لها هى «الاختلاف مع النظام حول قضية ما» والخلاف ضرورة سياسية لأن «المعارضة جزء لا يتجزأ من النظام ذاته» والمعارضة الحقة ليست مطارحات شعرية. ولكنها وجهات نظر تتميز بالعقلانية، والمعارضة فى النظم السياسية الديمقراطية من وسائلها وغاياتها الوصول بطرق سلمية للسلطة، والمعارضة يقترن بها الأحزاب وقد تتمثل المعارضة فى حزب واحد، ومن ثابت القول أن المعارضة السياسية فى مصر تعانى من الجمود الفكرى الحركى وضمور أصوات جادة، وتحت قبة البرلمان لا توجد معارضة حزبية منظمة ولكن هناك أصوات يتحمل أصحابها مسؤولية ما يقولون من آراء تختلف مع الحكومة، وبرلمان مصر الآن، لا أملك أن أقول إن داخله معارضة حزبية منظمة ومستنيرة، لأن المعارضة الحقة والموضوعية هى تفنيد رأى ومقابلته بالحجة، وهناك وسائل أخرى للمعارضة خارج أسوار البرلمان تتمثل فى الرسم الكاريكاتيرى الرافض لشىء ما، أو المقال الذى يختلف كاتبه مع منهج ما، والشاشة التى تستهجن بطريقتها رأيا ما. الخلاف مطلوب وصحى وسليم وصحيح ويعبر عن «عافية نظام» أما «تستيف الآراء» فهو الطامة الكبرى، إنه يصبح مجموعة من الطبول تدق بأصوات الصخب الردىء، ولعل أبلغ الأمثلة لتستيف الآراء قد جلب «النكسة» عام 67 وتحمل عبدالناصر بشجاعة لا مثل لها المسؤولية ويومها أعلن التنحى والعودة للشارع وعدم قبول أى منصب. إن تستيف الآراء معناه «الصوت الواحد» وهو العوار ذاته فى نظام يدعى الديمقراطية، ولعل الأنسب هو (مساحة) للتنفس تمارس فيها كل الأصوات الجادة رياضة الاختلاف فى الرأى واستنباط رأى ثالث أكثر صوابا، هنا تنثنى فكرة الطبول ذات الأصوات المتضخمة الدالة على التهليل لرأى خاطئ أو يخاصمه الصواب، ويا ويل بلد يسيطر عليه قرع الطبول فى مؤسساته السياسية.

-3-
عندما أقول إن الملايين التى أنفقت على إعلانات الشوارع والكبارى لمايا دياب وغيرها تكفى لإقامة كيان ماسبيرو الراقد فى غرفة الإنعاش، ولكن رأيا ما يرى أن ماسبيرو نظام قديم مهترئ ويعامل معاملة مبنى الحزب الوطنى القديم والمنحل، فهل هذا دق طبول للنظام؟.. وعندما أقول إن الأجور الضخمة لبرنامج شيرين وضيوفها وتدفعها أياد مصرية من خزانة مصرية، ولا أقصد بها الدولة، إنما هى فلوس من مصر، سواء كان المنتج فردا أم شركة أم جهة ما غير معلومة فهل هذا دق طبول للنظام؟. وعندما أقول تعويم الجنيه المصرى ساهم فى غرق طبقات معينة من المجتمع فى بحر الأسعار وحسنا ما فعله أسامة هيكل فى مدينة الإنتاج حين قام بتحريك المرتبات للعاملين والدولة تتفرج، فهل هذا دق طبول للنظام؟. إن التطبيل هو سمة النظم الديكتاتورية حيث الرأى الواحد وليس سواه، وحيث يعاقب من يخالفه بالطرد أو الحبس بعد محاكمة صورية، أو الاعتقال بهدف التأديب، وللتطبيل فرسانه الذين يجيدون فن الدق على الطبول، ما يسعد الحاكم ويطربه ويشنف آذانه وربما صار سخياً وكريماً فى العطاء للمطبلاتية، وربما كوفئ هؤلاء بالمناصب وبعدها ينتقلون للشارع يلهثون وراء كلمة إنصاف، لكن الحقيقة أن التطبيل الأعمى يضر الحاكم بالدرجة الأولى، ويجر شعبه المغلوب على أمره وراءه. ولا بد من التفريق الحاسم القاطع بين الإشادة والتطبيل. أن أشيد بعمل إنجاز محترم مثل التفكير المستقبلى بعاصمة إدارية جديدة ترفع عن القاهرة كاهلها الثقيل فى الزحام والسيارات ليس تطبيلا. أن أشيد بمشروعات مستقبلية على ضفاف قناة السويس ليس تطبيلاً. أن أشيد بهذا الكم الكبير من العمارات والشقق للدخول المتوسطة يسودها عدالة، ليس تطبيلاً. أن أشيد بجهود الرقابة الإدارية فى تتبع الفساد أينما كان ليس تطبيلاً. أن أشيد بإنسانية رئيس دولة استقبل فتاة غلبانة شقيانة فى رئاسة الجمهورية وجلس يستمع لها وكافأها بشقة وعربية احتراماً لكفاحها المستميت كل نهار.. ليس تطبيلاً.

-4-
هناك طرق لقياس رغبات أو احتجاجات الرأى العام بأساليب علمية ولكننا لم نلجأ إليها. نعرفها نظريا من الكتب والدراسات ولكننا لم «نفعلها» حتى الآن. ما زلنا نستمد الرأى والرؤية من الفيس بوك مرجعية الدول التى لم تنضج. والفيس بوك هو ساحة الحق قليلاً وساحة الباطل كثيراً. ولغة الفيس بوك قد تنحدر إلى الصفر، والرأى على صفحات الفيس بوك بالعدوى دون تمييز أو فهم أو استيعاب ولذلك وصفتها بالعدوى!. هذه المرجعية غير الدقيقة تصدر آراء غير دقيقة وربما مغالطة ومن هنا لا تكون مقياساً لرأى عام عاقل يعرف أبعاد أى خبر، من هنا أصبح التطبيل متهما مع أنه إشادة وتقييم. إن التقييم لأى إنجاز فعل حضارى مازال بيننا وبينه أشواط فنحن نكتفى بالرأى الشائع الرابح العاطفى، وأحكامنا عاطفية وقد توصف بالتطبيل لكن الواقع والعلم يكذبان هذا الزيف. الذى يقوم بتقييم تجربة ما ليس «مطبلاتى». والذى يعاتب وزيراً على رأيه المفتقد للصواب ليس «مطبلاتى»، والذى يشيد بإنجاز وزير مثل مصطفى مدبولى وزير الإسكان ليس «مطبلاتى»، والذى يحترم الحزم الأمنى فى أعياد مصر ليس «مطبلاتى»، والذى يشيد بالإفراج الرئاسى عن شباب محبوس ليس فى يده طبلة يصفق بها للرئيس. وعلى «المهولاتية» أن يمتنعوا عن الإدلاء بتهويلهم ما لا يستحق التهويل، وعلى «المسخناتية» أن يمتنعوا عن التسخين غير المبرر لحوادث عابرة، وعلى «المتشككين» أن يمتنعوا عن التشكيك فى إنجازات على الأرض، وهل وقوفى مع المشاريع القومية الكبيرة لمصر هو «تطبيل» للرئيس؟. وفى نفس الوقت هل انتقاد الغلاء السعران بعد تعويم الجنيه المصرى يعتبر انتقاصا من جهد الحكومة؟، وهل المطالبة بإعدام المجموعة الاقتصادية فى ميدان عام هى المطالبة الرصينة العاقلة والموضوعية أم هى طلب للشعوبية؟. لابد من التفريق والتمييز بين قول كلمة حق فى إنجاز على الأرض يدب فى العيون «مائة رصاصة» وبين باطل يراد به حق. حين يقال للصيادلة الداعين للإضراب «عيب» لأن المتضرر هو المريض، فهذه كلمة حق، وعندما يقال لإضراب جنود شرطة فى سيناء من أجل مشكلة إجازات «عيب» اختيار التوقيت، فليس هذا انتقاصا من الجهد الهائل لقوات الأمن فى سيناء التى تدفع ضرائب باهظة من الأرواح يستشهدون كل يوم. إن استثمار أخبار من هذا النوع تكدير وإحباط. يجب أن نتعلم «المهنية» على الشاشات أو على أوراق الصحف.

1- الإشادة بإنجاز ليست تطبيلاً.

2- انتقاد وضع ما أو سياسة ما، ليس انتقاصا من قيمتها.

3- مساحة «نقد» بموضوعية وبأدب رافد ضرورى يخدم مصر.

4- شتيمة الرموز بالأب والأم ليست من شيم المصرى الأصيل.

5- السخرية غير المقبولة من أداء وزير أو وصفه بالأسوأ صيغة تكديرية، غير بشرية وتفتقد الرشد وليست جدعنة أو نجومية.

6- أنا لم أشتم مخلوقا طوال عمرى على الشاشة أو على الورق فاكتسبت المصداقية ومازلت مؤمناً أن هناك فرقا بين إبداء الرأى والشتيمة إذ إننى أعتبر الشتائم «توابل إعلامية» فى هذا الزمن يبحث عنها هواة الشهرة وعنتر زمانه.

7- إن الوقوف الثابت غير الانفعالى مع السيسى رئيساً مخلصاً كمصرى، خادماً لهذا الشعب بتفان شديد، وغير متعصب مطلقاً وخلوقاً مع البسطاء، ويوصى بدواء ربما طعمه مر للشفاء العاجل- ضرورة قومية ومصيرية وإلا كان البديل انقضاضا للخفافيش المحلقة فى الظلام وتقف على عتبة المفاجآت لتقفز فوق سدة الحكم.

8- إن رئيس مصر لا يريد - فى تقديرى المتواضع - الرأى الواحد بل يريد رأيا مخالفا، بأدب ومعلومات، فربما استنبط رأيا ثالثا أكثر صوابا لكنه لا يبحث عن «التطبيل» بأسلوب إعلام عبدالناصر الذى كان طريقا للهزيمة أو النكسة على حد وصف هيكل.

9- فى أكثر من مرة يشير رئيس مصر إلى عدم اهتمام إعلام مصر بالإيجابيات والإزعاج بالسلبيات، وكأن مصر تقف فى المربع صفر ولا تتحرك.

-5-

خلاصة القول إن مصر الغد لا تريد طبولا ولكنها تريد إنصافاً لما يجرى فوق أرض الواقع المصرى، وأطرح أسئلة جريئة:

■ هل السيسى رئيس وطنى؟

الإجابة: مائة فى المائة.

■ هل الرئيس يعمل لصالح المهمشين؟

الإجابة: مائة فى المائة.

■ هل يستعين الرئيس بالمدنيين المرموقين؟

الإجابة: 50% هكذا أتصور.

■ هل المشاريع القومية يرضى عنها كل الناس؟

الإجابة: الرضاء بنسبة 30٪ هكذا أتصور بسبب قصور إعلامى.

■ هل الرئيس جاد فى تعليم حقيقى يحلم به؟

الإجابة: مائة فى المائة.

■ هل الرئيس يهتم بشريحة الشباب بوصفه الغد؟

الإجابة: مائة فى المائة، وإن كان الشباب يفتقد التجربة.

■ هل الرئيس مازال مستمعا لصوت النخبة؟

الإجابة: 40% هكذا أتصور.

■ هل حرب الرئيس على الفساد المتلازمة مع الإرهاب فى رأسه؟

الإجابة: مائة فى المائة.

■ هل مستشارو الرئيس من القوات المسلحة؟

الإجابة: 80٪ وهكذا أتصور «تقاليد الكتيبة».

■ هل تثق فى إنسانية وسماحة الرئيس فى قراراته؟

الإجابة: مائة فى المائة.

■ هل تثق فى موضوعية «الأجهزة المعاونة» السيادية؟

الإجابة: 85٪ أو هكذا أتصور.

■ هل زيارات الرئيس للكاتدرائية فى أعياد الأقباط سياسية؟

الإجابة: هى رسائل قوية للعالم وللمتشنجين من السلفيين.

■ هل إعلام مصر يساند السيسى فى البناء.

الإجابة: 40٪ وهكذا أتصور.

■ هل تحتاج مصر إلى مجلس «المائة عاقل» مثلما فى نيجيريا؟

الإجابة: 100%.

■ هل يستطيع إبراهيم عيسى أن «يؤلب» الشارع المصرى ببرنامجه؟

الإجابة: 10٪ ولذلك كان احتجاب صوته عوارا فى القرار.

■ هل أنت مع السيسى كقبطى؟

الإجابة: نعم، «كمصرى» يعتقد أنه سيناريو إلهى بعثه به الله لنحافظ عليه ونؤازره ونصوب بعض قراراته إن احتاجت إلى تصويب، ونحتج بحضارة إن جاءت قراراته مخالفة للعدالة. والطبول غير مرغوبة لإنقاذ الوطن من المصادفات والمصادمات التاريخية فليس مطلوباً أن نزين قبحا أو نخفى سرا أو نتحول إلى تابعين، والعالم صار يحترمنا ويدرك ما معنى مصر.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع