الأقباط متحدون - فاتن حمامة
  • ٠٣:٠٧
  • الاثنين , ٢٣ يناير ٢٠١٧
English version

فاتن حمامة

مقالات مختارة | مفيد فوزي

٠١: ٠٨ ص +02:00 EET

الاثنين ٢٣ يناير ٢٠١٧

مفيد فوزي
مفيد فوزي

مثلما يخطف صوت أم كلثوم أذنك وينقلك بعيداً فوق السحاب ويضيع المجداف والملاح، ومثلما تلعب فيروز على أوتار القلوب وتعبر بهم على جسر شدوها الشجنى إلى شطآن الخير والجمال، تأتى فاتن حمامة أيقونة الفن الجاد الملتزم الصارم الحنون لتسكن وجدان المصريين بالصورة والأداء السهل الممتنع وتصبح أفلامها ونسا ومحبة ضد جفاف «الشجر والبشر». فاتن حمامة التى ناصرت نون النسوة ولم تسقط قط فى فخ الحريم، فاتن حمامة أفضل «قصائد» السينما المصرية جمالاً وإيقاعاً وموسيقى، فاتن حمامة أهم وثائق ملف المرأة المصرية تاريخاً وتسلسلاً وتطوراً وتمردا على طقوس شاخت وعادات راحت. فاتن حمامة التى لم تخرج فى مظاهرة ولكنها تظاهرت بفنها فى «ميدان تحرير» القضايا المصرية، كل فيلم هتف بسقوط موروث عفن أو سلوك عطن ورددت الملايين وراءها الهتاف.. فاتن حمامة «امرأة فى ذاكرة المصريين» و«مخزون» راق من سينما نظيفة، اهتمت بالمضمون لا بالتوابل.

■ ■ ■

فى يناير من سنة فاتت، ودعتنا فاتن حمامة، والحق يقال خرجت من بيتها للغداء مع زوجها ولم تعد ذلك النهار الحزين إلى مقعدها المفضل وسريرها، وقبل أن تصل إلى مستشفى دار الفؤاد كانت بصقت على دنيانا وفارقت الحياة، ووجد الأستاذ الدكتور محمد عبدالوهاب آخر أزواج فاتن حمامة نفسه وحيداً رغم الأهل والأصدقاء فقد كانت «تونة» هى كل ديناه، كانت عصاه التى يتكئ عليها والعقل الذى يستشير، والتحذير الأمين والحرص الشفاف، كانت تصف لى عز الدين ذو الفقار والد ابنتها نادية «إنه مخرج رومانسى حساس داخل الاستديو» وتصف عمر الشريف والد ابنها طارق «كان مغلبنى» وتصف محمد عبدالوهاب بأنه «إنسان متحضر وخلوق» لم تكن فاتن حمامة- عظيمة الفن- تؤمن كثيراً بزواج المهنة الواحدة «يدخلها مشاعر بشرية كالغيرة والتنافس ودرجات النجاح»، كان مجتمع «فاتن» من الأطباء وزوجاتهم وكم كانت «تجد نفسها وسط مجتمع راق»، كانت فاتن كالأرض تحتاج إلى ماء الحوار وحققت لها صحبة د. عبدالوهاب هذه المتعة فى خريف عمرها وإن اعتبرته ربيعا ذهب قبل الأوان، فاتن ود.عبدالوهاب صنعا زمنا من التفاهم والصداقة الزوجية.

■ ■ ■

من سنة فى مثل أيام يناير، ودعتنا فاتن وبقى فنها، ودعتنا الأيقونة بشكل مفاجئ وبقى ما يقترب من ما مائتى فيلم طوال رحلة العمر السينمائى، كانت أفلام فاتن مثل أغنيات أم كلثوم هدية فى المواسم، كانت تحتشد لفكرة الفيلم وكان التردد سيدها من أجل الإتقان المذهل، صرخ مرة فى أذنى المخرج الكبير حسين كمال مخرج إمبراطورية ميم، أحد أفلامها المهمة «الست دى هتودينى الأمراض العقلية فى العباسية» فلما استوضحته الأمر قال «التردد هيقتلنى»، ولما انتهى الفيلم وكان لنجاحه دوى همس فى أذنى «إمبراطورية ميم فيلم من بطولة تردد فاتن حمامة». كانت فاتن الفنانة حريصة على أن الناس «تصدق وتقتنع بالحدوتة» منذ صباح نهار الفن الساطع المشمس الجميل بظهور فاتن بنت أحمد أفندى حمامة فى فيلم «يوم سعيد» إلى «يوم حلو ويوم مر» وهى تمتطى حصان التردد لتصل إلى المصداقية وكانت تعشق الانصهار فى الشخصية التى تعيشها مع «وجود رئة للتنفس».

هذه اللوحة النادرة من معايشة شخصيات جسدتها أيقونة السينما فاتن حمامة ستظل مضاءة بأفلام: أريد حلاً، لا تطفئ الشمس، الطريق المسدود، دعاء الكروان، ليلة القبض على فاطمة، بين الأطلال، الحرام، أفواه وأرانب، الأستاذة فاطمة، الخيط الرفيع، أرض الأحلام، ومسلسل وجه القمر وضمير أبلة حكمت.

حقا كانت فاتن حمامة بنت المنصورة «ممثلة بضمير» وكانت «الكروان» فى فضاء السينما المصرية وظلت «وجه القمر» لموكب كبير من فنانات المحروسة، كان «يوم سعيد» يوم أطلت الطفلة فاتن علينا عام 1940، وكأن القدر كان يخبئ لنا موهبة نافذة كالسهم فى الوجدان المصرى، أعطت ولم تبخل على وطنها بجهد السنين ورسوخ الأيام، كانت فاتن حمامة «رصاصة فى قلب الضحالة الفنية»، معها بكينا وضحكنا وفرحنا، معها رأينا أنفسنا فى مرايا ذاتنا.

■ ■ ■

كانت فاتن حمامة صديقة استثنائية، كان احترامى يسبق إعجابى ولعلها سمعت صهيل حزنى بعد أن فارقت دنيانا. كنت أراها عبر حوارات تقاسمناها، وكانت تبوح لى خارج التسجيل، ما يظل حبيس صدرى، كنت أراها «كف السينما المصرية» وفهرسها الفاتن، خصوصية فاتن فى «الشخصية والتاريخ وأصالة امرأة ونبوغ موهبة وتنوع عطاء» كل هذا العطر فى جو من الروقان، كانت تكره كل ألوان الصخب ولهذا ظلت بعيدة عن التجمعات الحاشدة إلا فيما ندر، هى التى أوصت قبل الغياب ألا يقيموا لها سرادق عزاء ورغم ذلك كان فى كل بيت من بيوت المصريين سرادق يبكى فيه عشاق فنها من كل الأعمار.. كان إعصاراً من الحب والدموع من أجل «سيدة قصر» الفن فاتن حمامة.

■ ■ ■

فاتن حمامة..

1- كان لها قناعات سياسية تختلف أحياناً مع هوى الدولة لكنها قناعات تصف؟؟؟؟؟؟؟؟؟ مصر.

2- لم تكن متكبرة بل تملك كبرياء بقامة نخلة مصرية ضارعة الأغصان.

3- كانت جائزتها الحقيقية جمهورها الذى أحبها بننى عينيه.

4- كانت جوزائية مثلى فإذا اطمأنت لإنسان باحت له بما لا يباح.

5- كانت تحترم الثوابت وتحارب بفنها التخلف فى كل أنماطه.

6- كانت تعبر عن «سينما الإنسان» المعاناة والعذابات والمسكوت عنه.

7- كانت- مثل عبدالوهاب- فنانة للناس لأ للأنظمة السياسية والأحزاب.

8- كان لها تقليد «تورتة مع الشاى» كل أربعاء يحضره العظيم مصطفى أمين والمستنير أحمد بهاء الدين وكنت أحضرها على استيحاء كصديق لا أصل لقامات هؤلاء، وأكتفى بالصمت والفرجة على «الأستاذة فاتن» وهى تملأ المكان بحضورها الطاغى.

■ ■ ■

كان بإمكان الناس أن يروا فاتن حمامة تحكى عن «أيام فى حياتها» عبر حوار طويل طويل معها عبر مشروع متفق عليه وسأجرى الحوار بين مكتبها الصغير ومقعدها بجوار مدفئة وحديقة صغيرة تتريض فيها، كان المفروض أن تكون البداية قبل الرحيل بشهرين لولا أن جسدها خذلها، فقد كانت تردد لى «أنا تعبت»، خسرنا وثيقة هامة بصوت صاحبتها قبل قيامها برحلة اللاعودة.

ماتت فاتن حمامة بعد صراع طويل من أجل الفن والإبداع ودفنت فى قلوب وصدور المصريين.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع