الأقباط متحدون - هل تنجح مصر فى فك غموض سياسات ترامب تجاه الشرق الأوسط؟!
  • ١٥:١٠
  • السبت , ٢٨ يناير ٢٠١٧
English version

هل تنجح مصر فى فك غموض سياسات ترامب تجاه الشرق الأوسط؟!

مقالات مختارة | منى مكرم عبيد

٢٨: ٠٧ ص +02:00 EET

السبت ٢٨ يناير ٢٠١٧

منى مكرم عبيد
منى مكرم عبيد

خلال متابعة حفل تنصيب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، توقفت أمام صورة تناقلتها وسائل الإعلام، ألا وهى حجم الحشود المتابعة بالساحة الوطنية أمام الكابيتول لحفل تنصيب ترامب ومقارنتها بحفل تنصيب باراك أوباما فى 2009، حيث تظهر المقارنة امتلاء الساحة مع أوباما بينما نصفها فارغ مع ترامب، بالتزامن مع قيام عدد من الملثمين بتحطيم واجهات المحال بواشنطن للتعبير عن رفضهم عهد ترامب، وربما من المفارقة أيضا أنه جاء بعد ولاية باراك أوباما الذى وصل للبيت الأبيض، وسط آمال كثيرة بتغيير الأوضاع الاقتصادية، مع وعود بعدم انغماس الولايات المتحدة فى قضايا وأزمات خارجية تستنزف ثروات البلاد، ولكنه غادر السلطة دون تحقيق وعوده، مع تدنى شعبيته التى كانت كبيرة ليس فى الولايات المتحدة فحسب وإنما فى سائر العالم، وتحميله مسؤولية كثير من الأزمات، وبخاصة أزمات الشرق الأوسط، وثورات الربيع العربى، فهل يحقق ترامب المفاجأة ويعمل على زيادة شعبيته على عكس الصورة الحالية المأخوذة عنه؟!

حتى الآن يتبع ترامب سياسة غير تدخلية فى القضايا الدولية كما كان ينتوى أوباما أن يفعل، ولكن هل يستمر موقفه المتشدد من البرنامج النووى الإيرانى فى ضوء التزام واشنطن مع عدد من العواصم الغربية فى اتفاق دولى؟ ربما يتخذ قرارات أخرى من شأنها التخلص من التزامات إدارة أوباما بشأن اتفاقية تغير المناخ، لتوفير فرص عمل والاهتمام بقطاع النفط والغاز الأمريكى، وربما يعمل على تغيير برنامج «أوباما كير»، وإنما القضايا الدولية موقفها غير واضح، خاصة أنه لن يكون رئيسا تقليديا.

ترامب رجل أعمال وليس دبلوماسيا، لذا يستخدم أدوات بعينها فى التعامل مع التحديات التى تواجهه، فلا أحد يستهين بتصريحاته بشأن دعوته للحلفاء بزيادة المساهمة فى الدفاع عن أنفسهم، وهى الرسالة التى قدمها للخليج واليابان وعدد من الأوروبيين، فمعظم الأمريكيين لا يرضون عن المساهمات التى يقدمها الحلفاء للحفاظ على وجود الولايات المتحدة بالخارج لحمايتهم، كذلك هناك حالة سخط بشأن قيام واشنطن بمهام أكثر مما ينبغى بالخارج، وهو ما يصب فى خدمة المصالح المحلية للمجتمع الأمريكى بما يتماشى مع رؤية ترامب حتى الآن.

وثمة تقارب فى الأفكار والتصريحات بين ترامب والرئيس أندرو جاكسون فى حملته الانتخابية عام 1828، حيث مالت أفكاره تجاه سياسة عدم التسامح والتهور، وكانت لشخصيته لمسة لدى الأمريكان، وأهمية أن يكون نصب أعين الرئيس مصالح الأمريكيين، وتجنب الانغماس والتورط فى مشكلات الدول الأخرى، وإذا حاول أحد تهديد بلادهم فلابد لواشنطن أن ترد بالقوة المدمرة، وهى نفس ملامح سياسات ترامب من حيث انحيازه للداخل الأمريكى، ولعل قراره الأخير بشأن بناء جدار حدودى مع المكسيك ومنع إصدار تأشيرات دخول أو قبول طلبات لجوء من بعض بلدان الشرق الأوسط يؤكد أنه ماضٍ فى تنفيذ وعوده الانتخابية، وأنه من الأفضل عدم الاستهانة بكل ما وعد به والتفكير فى التعامل معه، حتى لا تحدث ويعتبرها البعض مفاجأة فيما بعد.

لاشك فى أن العالم دخل عهد دونالد ترامب، وهى فترة رئاسية لن تكون كلاسيكية بل مليئة بالمطبات والمخاطر، وأعتقد أن الاتصال الأخير بين ترامب والرئيس السيسى يكشف عن احترامه للرؤية المصرية لمكافحة الإرهاب، خاصة أن ترامب أكد أكثر من مرة إصراره على مكافحة التطرف، وبيان البيت الأبيض بشأن رغبة واشنطن فى فتح آفاق للتعاون البناء بين البلدين، وهو ما يصب فى إنهاء جفاء خلّفته إدارة أوباما، يكلل بزيارة السيسى لواشنطن فى القريب العاجل.

ولكن لى وقفة هنا.. ماذا فى جعبة مصر الآن وما تملكه من كروت فاعلة لاستخدامها فى الأزمات الإقليمية والدولية؟ فمصر فى وضع حرج اقتصاديا، وغير فاعلة فى ملفات سياسية إقليمية ودولية، وبسبب ثورات الربيع العربى انغلقت على ذاتها لحل الأزمات الداخلية، فأنا مازلت غير راضية عن الدور المصرى فى الأزمة السورية، حيث إنها لم تنحز لمواقف موسكو ولا الرياض، ولم تطرح رؤية خاصة بها لحل الأزمة، ما جعلها غير فاعلة، وجعل الدبلوماسية المصرية تبدو فى أضعف حالاتها.

ماذا لو اعتمد ترامب على الحلفاء والأصدقاء فى التصدى للتنظيمات الإرهابية، وطُلب من مصر التدخل العسكرى فى سوريا وليبيا لمكافحة داعش وغيره من الجماعات الإرهابية؟.. ماذا لو أصر ترامب على تنفيذ وعوده الانتخابية بنقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس؟.. هل تملك مصر سيناريوهات للتعامل مع المواقف؟.. هل هناك أطروحات يمكن أن تقدمها كبدائل لخلخلة الأزمات، أم يستمر تعاملنا مع الأزمات بنوع من العشوائية والتضارب كما حدث إبان قرار وقف الاستيطان بمجلس الأمن؟!

أقول ذلك لأنه لن يقدم لنا أحد مساعدات بلا مقابل، وإذا كنا غير فاعلين إقليميا ودوليا فلن ينظر لنا أحد، وقبل أن ننتظر اهتماما من هنا أو هناك علينا أن نكون أكثر دقة فى معرفة ماذا يمكن أن تقدمه مصر للآخرين قبل أن تطلب منهم.

* أستاذ العلوم السياسية وبرلمانية سابقة
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع