رعبتنا يا فضيلة الإمام
مقالات مختارة | سحر الجعارة
الاثنين ٣٠ يناير ٢٠١٧
لا يخفى الرئيس عبدالفتاح السيسى محبته لفضيلة الإمام الأكبر د.«أحمد الطيب»، شيخ الأزهر، ولا يزال يراهن على الأزهر فى «الثورة الدينية» أو ما سمى بتجديد «الخطاب الدينى».. فهل عجزت كل «أجهزة الدولة» عن توصيل معلومات للرئيس حول سيطرة «الإخوان» على الأزهر من الداخل، والاختراق الوهابى لمعظم رجاله؟!.
كم تمنيت أن أرى الأزهر بعينى الرئيس، أن أكون منحازة لعلمائه، مؤمنة بأنهم يحاربون التطرف والإرهاب.. بينما هم -فى الواقع- يهيئون له التربة، ويمنحونه الحصانة أحياناً: (رفض شيخ الأزهر تكفير «داعش»، فيما ظل يهاجم الشيعة والعلويين)!.
فى يناير الحالى، قال الدكتور «الطيب» لشباب «بورما»: (درسنا أن البوذية دين إنسانية فى المقام الأول، وأن بوذا كان من أكبر الشخصيات التاريخية الإنسانية، وكبار العلماء يصفون رسالته بأنها دين رحمة)!.
الإمام الذى يعترف بأن «البوذية دين» هو نفسه من يطارد رجاله المثقفين والمبدعين وكل من يجرؤ على الاقتراب من ملف تنقية التراث والرد على الأفكار المتطرفة: (سجن «إسلام بحيرى» نموذجاً).
لقد تصدى رجال «الطيب» داخل «مجلس النواب» لمشروع قانون بإلغاء الفقرة «و» من المادة ٩٨ من قانون العقوبات، التى تتعلق بعقوبة «ازدراء الأديان» الذى تقدمت به النائبة الدكتورة «آمنة نصير»، ونجحوا فى إجهاضه.. لتثبت «دولة الأزهر» أنها أقوى من الدولة، وأن فكرة «تقديس الرمز» حلت محل «عبادة الفراعنة» من «البخارى» إلى «الطيب»!.
فى يوليو 2015 أصدر الرئيس قراراً بقانون رقم ٨٩ لسنة 2015 بشأن حالات إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم، ثم وافق عليه «مجلس النواب» خلال جلساته الأولى.. لكن شيخ الأزهر احتفظ بحصانته الأبدية بموجب المادة السابعة من الدستور، التى تتضمن نصاً: (شيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء).. وبالتالى تحولت الهيئة إلى ما يشبه «ملالى إيران».
ونجح «ملالى الأزهر» فى معركة «خطبة الجمعة» على وزارة الأوقاف، لينتشر الدعاة الأزهريون للاستحواذ على «المساجد»، وخلق مجتمع مستلب يسلم عقله ووجدانه لمَن يحدثه عن معجزات «السلف الصالح».
كما رفض «الطيب» محاسبة وعاظ الأزهر على انتماءاتهم السياسية، فى الوقت الذى أصدر فيه وزير الأوقاف د. «مختار جمعة» قراراً بشأن خطباء المساجد وتقليص وجود المنتمين منهم للإخوان.. وكلها مواقف معلنة لا ينكرها شيخ الأزهر، بل ربما يفخر بها.
(إنت تعبتنى يا فضيلة الإمام).. جملة عتاب ودود من رئيس الدولة لشيخ الأزهر، فهل نفد صبر الرئيس؟.. أم أن «الطيب» لم يلب طموحات الرئيس وأصبح عائقاً دون تجديد الخطاب الدينى؟.
د. «الطيب» بطبيعته ليس ثائراً، ليثور على علماء الأزهر ولجانه، ومعاهده وكلياته، وينسف منظومة التعليم الأزهرى التى تحرض على الإرهاب: (أقصى ما تم إنجازه فى تنقية المناهج الأزهرية هو حذف باب الجهاد من المرحلة الإعدادية وترحيله إلى المرحلة الثانوية)!.
والرئيس لا يرغب فى تصديق الأفكار التى يعتنقها الإمام الأكبر، وأن قناعاته الأصلية تقدس كتب التراث، (بكل ما فيها من خرافات وتناقض مع القرآن الكريم)، وأنه المسئول عن تحويل «البخارى ومسلم» إلى «تابوهات مقدسة»، كل من ينتقدها تلاحقه لعنة «كتائب الحسبة» التى تتحلق حول «الطيب».
لقد نشر الكاتب «أحمد الخطيب» مؤخراً سلسلة مقالات فى جريدة «الوطن»، تكشف مخالفات مالية فى الأزهر، كما تكشف الأجنحة المتطرفة التى تخترق المؤسسة الدينية العريقة.. فانهالت البلاغات على مكتب النائب العام، ضد «محمود مسلم» رئيس التحرير، و«الخطيب».. هكذا يفهم شيخ الأزهر حرية الرأى والتعبير، وبدلاً من محاسبة رجاله وتنقية عباءة الأزهر، قرر تصفية الصحفيين: (اترعبنا يا فضيلة الإمام)!.
إنه الخلط المتعمد بين «الإمام الأكبر» و«الإسلام».. فكل من يتحدث عن المؤسسة الدينية وممارساتها يحفر قبره بيده، لأن سطوة الدين لا يحدها سقف، بينما سلطة السياسة ينظمها الدستور والقانون.
أنا لا أملك محاسبة شيخ الأزهر على انتمائه الفكرى، ولا أعرف شيئاً عن دور الأجهزة الرقابية فى الإشراف على المليار جنيه التى دفعتها السعودية لتجديد الأزهر، ولا أفتى فى علاقة «التمويل السعودى» بتجميد الخطاب الدينى ليتوافق مع الفكر السلفى الوهابى.. فقط أسأل: هل الأزهر بتركيبته الحالية يصلح لأن يكون منارة للوسطية، ونشر التسامح، ومحاربة التطرف والإرهاب، وقبول الآخر؟.
وهنا أتوقف عن الكلام المباح.. إن كان ما ذكرته مباحاً عند «محاكم التفتيش والتكفير».
نقلا عن الوطن