الأقباط متحدون - اُحكمْ يَا رَبُ للمَظلوُمين
  • ٠١:٥٦
  • الثلاثاء , ٢٨ فبراير ٢٠١٧
English version

اُحكمْ يَا رَبُ للمَظلوُمين

القمص. أثناسيوس فهمي جورج

تأملات كنسية

١٧: ٠٥ م +02:00 EET

الثلاثاء ٢٨ فبراير ٢٠١٧

اُحكمْ يَا رَبُ للمَظلوُمين
اُحكمْ يَا رَبُ للمَظلوُمين

بقلم: القمص أثناسيوس فهمي جورج
في اللغة، الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه... أي جعله غير مرئي، وكأنك ألقيت الظلام عليه. المظلومون يجمعهم الظلام الذي يلغي وجودهم وينفيهم. لهذا نستبطن من قتل قايين لأخيه هابيل، أن القاتل لم يشأ له الوجود، وأن القاتل لم يقبل هابيل فألغاه وقتله ولم يَخشَ الله في ظلمه، ظانًا أن الله
غائب وأنه غير موجود بينما هو حي ويجازي الذين يطلبونه كل حين، لذلك كان قايين أول إنسان تحل عليه اللعنة البشرية وتطارده على وجه الأرض، فصار مختفيًا عن وجه الله، خارجًا عن ستره وحمايته

الظالم صورته تبلىَ ومسكنه في الهاوية ويتضور في مشاجرات الضلال، مملوءًا من النفاق والسخط والعداوة، مشحونًا من الرياء الذي به يدمر نفسه... قد يظن الظالم أن جريمته تهرب من أمام عيني الله، لكن رعاية الله لا تغفل. قد يظن أنه أفلت من القانون الوقتي، إلا أنه لن ينجو من قصاص القانون السرمدي... الظالم يُخفي وجود المظلوم، لكنه لا يقدر أن يكتم صوته الصارخ، أو أن يلغي حضوره أمام الله الخالق، فصوت دم النفوس المظلومة صارخة إلى الله من الأرض. صوت صراخها من أجل الحق، شاهدة وشهيدة للحق، حتى يقضي السيد القدوس والحق... تبقى صرخاتها تدوّي فوق حدود الزمان والمكان، فوق حدود الأرض والأوقات، فللدم ولأنين المسحوقين صوت مُكبَّر عالٍ يصِل من الأرض إلى السماء، ولا يستطيع الظالمون أن يكتموا أنفاسهم أو أن يُلجموا ألسنتهم لأنها متحدة بالشاهد الأمين الإله الحق من الإله الحق... أصوات يغيِّبها الموت لكن لا يحبسها القبر، فكل دم سُفك من أجل الشهادة التي كانت عندهم إنما يَعبُر عبر مركز بَصختنا، الدم الذي هو الكلمة الحي والدائم إلى الأبد.

المظلوم الأول هو الظالم نفسه، فالظالمون يظلمون أنفسهم قبل أن يظلموا مظلوميهم، لكن الظالم والمظلوم سيقفان أما منبر القضاء الإلهي العادل، عند يدي الديان الوحيد عندما يدين سرائر الناس، وعندما يفحص كل ظلم ومذلة وشكوى واحتجاج، فما أبعد أحكام الله عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء، ومُخيف هو الوقوع بين يدي الديان العادل.

الظالمون يقتلون ويفترون على عبيد الله الأبرياء ويصنعون شرورهم وكأن الله لا يرى ولا يسمع ولا يعرف، بل ويصنعون شرورهم هذه بإسم الله ولحسابه، وكأنهم يقرِّبون قربانًا لله، وحاشا لله ان يكون ظالمًا أو سفّاكًا للدماء، لأنه بسبب هؤلاء القتلة الظالمين صارت اللعنة تطاردهم على الأرض التي فتحت فاهها لتقبل دماء المظلومين... بينما تشهد دماء المؤمنين على اضطهاد السالكين حسب الجسد والضلال (أولاد الناس) للسالكين حسب الروح والحق (أولاد الله).

وفخر المسيحية في تسامحها الذي يرفعها فوق أية ديانة أخرى وأي مكيال اجتماعي آخر مهما عَلتْ مقدرته، عندما يصب العدو غضبه ونقمته على المسيحي، والمسيحي يصب محبته ومسامحته وصفحه على رأس العدو، فيخرج العدو من المعركة رابحًا أركان العالم، أما المسيحي ما كان له ربح قد حسبه خسارة ونفاية من أجل اسم المسيح. إن أعداءنا مُمعنون في العداوة بلا سبب، عدونا صاحب بأس وسلطان وقسوة... قتّال للناس منذ البدء، كذاب وأبو الكذاب... يعمل في أبناء المعصية... يسلب وينهب... يكره ويفجِّر... يكذب ويقتل... لكن هذه العداوة الدموية والمظالم والسعايات تسوقنا لأن نعمل ونصلي وأن نصلي ونعمل، وأن نفعل الممكن لكي يفعل الله المستحيل، طالبين الرحمة والمعونة من حيث تأتي معونتنا، فلا نضرب خيمتنا على الطريق ولا ندق أوتادنا في أرض الشقاء... فبينما نحن لا حَوْل لنا، تكون فرصتنا الأكيدة لغلبة العالم بذبيحة إيماننا وبطلب حكم القضاء الإلهي العادل، حسب منطوق قانون من يُمهل ولا يُهمل... عندئذ يُجري ويتمجد عدله في الأشرار من أجل الدماء الزكية التي سفكوها.