سعيد السني
صادم جداً إلى حد الذهول، ومُزعج، هو البيان الصادر عن مديرية أمن الشرقية، بشأن واقعة التحرش الجنسي، لـ«فتاة الزقازيق»، التي جرت مساء الخميس الماضي، بحي القومية وسط المدينة الشرقاوية، على يد مجموعة صغيرة من الشباب، غابت عقولهم وتحكمت غرائزهم، فتحولوا في لحظة إلى كلاب مسعورة، تحاول افتراس الفتاة ونهش جسدها، أمام المئات الذين وقفوا متفرجين، يُرصدون بكاميرات موبايلاتهم، في ذهول أو ربما سعادة غامرة، هذه «اللحظات» شديدة الصعوبة والإيلام للفتاة، التي من المؤكد أنها مرت عليها دهراً ثقيلاً من الزمان، قبل أن تتحرك شهامة وفروسية عُمَّال وصاحب كافيه، لإنقاذها من أيادي وأنياب هذه الوحوش الآدمية الضائعة، التي تفتحت عيونها على مجتمع متخبط، ضائع، تتبدل فيه الأولويات، وتتوارى فيه القيم السامية المرغوبة من إيثار ومحبة ومروءة ومودة ونجدة للغير واحترام للقانون، مقابل صعود وعلو قيم رديئة، مثل الأنانية، والبلطجة، والخسة والندالة، والفوضوية و«اخطف واجرى».
بيان أمن الشرقية، حول الواقعة، يكاد يُدين الضحية المجني عليها (فتاة الزقازيق)، ويُعَلق في رقبتها مسؤولية التحرش بها، بطريقة ملتوية غير مباشرة.. إذ قال البيان وكرر في أكثر من موضع بأن «الفتاة كانت ترتدي ملابس قصيرة جدًا»، و«عائدة من فرح مع صديق لها.. فشاهدها أحد الشباب قبل دخولها أحد الكافيهات، وتّحرشَ بها لفظيا، وجذبها من يدها، مُثيراً مجموعة شباب آخرين».. نسيَ هذا البيان الأمني العبقري، أن يتساءل مستنكراً: «إيه اللي وداها هناك؟!!» أو أن يعيد على مسامعنا مقولة «اللي عنده معزة يلمها»، التي دافع بها والد «الطفل عبدالرحمن»، عن اعتياد نجله تقبيل زميلته، في سجال بالفيديو مع والدة الطفلة، على جروب المدرسة بموقع واتساب.. هذا الأب، زاد قائلاً: «ابني يبوس اللي على مزاجه»، تأكيداً للفكرة الذكورية السيئة بأن الذكر حُر، يفعل ويتحرش، أو يشتهي كما يشاء، وأن الأنثى هي السبب، والمُغرية بالتحرش، على اعتبار أنها معزة أو دابة، يتعين على صاحبها أو ولي أمرها تقييدها وحبسها، وعدم تركها تخرج للشارع أو العمل أو التعليم أو التنزه أو ما شابه، فإن خرجت فعليها الخضوع للتحرش والاغتصاب عند اللزوم.
كاتب البيان البائس لمديرية أمن الشرقية، يبدو «سلفياً»، لا يختلف في رأيه كثيراً، عن الداعية السلفي سامح عبدالحميد، في مداخلته التليفزيونية مع الإعلامي وائل الإبراشي (برنامج العاشرة مساء فضائية دريم 2)، تعليقاً على قضية فتاة الزقازيق، مُحَمِلاً المسؤولية لـ«الفتاة المستفزة التي خالفت شرع الله في عدم ارتدائها الحجاب».. مضيفاً: «لو المجتمع ذئاب بشرية ما تلم نفسها»، ومتسائلاً: «إذا كانت ملابس فتاة الزقازيق بهذا الشكل، فماذا ترتدي في غرفة النوم؟، وكان عليها أن تستر نفسها»، ثم اختصر هذا كله بقوله:«إن فتاة الزقازيق بملابسها هذه، كأنها تقول للشباب هيت لك»، وربما أراد «فضيلته» القول بأن «الفتاة» بملابسها هذه، كأنها تنادي في الشباب والمارة: «هيت لكم.. هلُموا تّحرشوا بي واغتصبوني وانهشوا لحمي.. أرجوكم»!!.
هذه النظرة السلفية المتحجرة، تفترض أن «كل المرأة» عورة، ومكانها الطبيعي هو المنزل، كي تكون «إناءً»، لإفراغ شهوات الرجل، وبالتالي فإن خروجها هو الخطأ والجريمة.. لكنهم لا يقولون هذا صراحةً، وعند أي حادث اغتصاب أو تحرش يسارعون بإدانة المجني عليها، وليس الجاني.. ولم لا؟، وكبيرهم الدكتور ياسر برهامي، أباح للزوج الهروب، وترك زوجته لمغتصبيها، نجاةً بنفسه، وحفاظاً على حياته (!!).. «برهامي» ربما يستند في فتواه هذه إلى تعاليم شيخه تقي الدين أبوالعباس النميري الشهير بـ«ابن تيمية» (1236- 1328م)، الذي يرى أن «الزواج» هو عقد امتلاك للمرأة مقابل الطعام والكساء.
إن أفغانستان التي يتميز معظم سكانها بالتشدد الديني، تحتل المرتبة الأولى عالميا في التحرش الجنسي، بينما مصر تليها بالمركز الثاني.. ووفقاً لتقارير حكومية مصرية، فإن نسبة 64% من نساء مصر يتعرضن للتحرش الجنسي باللفظ أو بالفعل في الشوارع والميادين والمواصلات العامة، ومنهن نسبة 73%، «محجبات»، وفقاً لما تبين من دراسات تحليلية، أجراها «المركز المصري لحقوق المرأة»، بحسب مديرته نهاد أبو القمصان، وهو ما يعني براءة الملابس من جلب التحرش.
ليت وزارة الداخلية تهتم بتنبيه مديرية أمن الشرقية إلى هذا الخطأ الجسيم في بيانها عن فتاة الزقازيق، وتلوم كاتبه، وتُلفت نظره للاحتكام إلى «القانون»، والذي لا يمنع ولا يُحرِم ولا يُجّرِم الملابس القصيرة جداً.
نسأل الله السلامة لمصر.