الأقباط متحدون - صراع مفتوح
  • ٠٨:٥١
  • السبت , ٢٩ ابريل ٢٠١٧
English version

صراع مفتوح

سعيد السنى

مساحة رأي

٠٣: ١١ ص +02:00 EET

السبت ٢٩ ابريل ٢٠١٧

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

سعيد السني
بات في حكم المؤكد أننا مقبلون على «صراع مفتوح»، لا يعلم مداه إلا الله، يُشكل خطرًا شديدًا على «البلاد»، التي هي تأكيدًا وقولًا واحدًا، ليست في حاجة إلى مثل هذه الصراعات المقيتة التي تهدد كيانها وبنيانها القانوني.. فلم يكن ملائمًا تصديق رئيس الجمهورية على قانون «تعيين رؤساء الهيئات القضائية» وإصداره ونشره بالجريدة الرسمية بهذا التعجل، عقب ساعات من إقراره بالبرلمان، ليصير ساريًا، تحديًا للهيئات القضائية التي أعلنت رفضها للقانون، وتجاهلًا للمآخذ والمخالفات الدستورية التي رصدها وعدّدها قسم التشريع بمجلس الدولة، في تقريره المرسل إلى البرلمان، بحكم اختصاصه الموكول إليه دستوريًا بمراجعة مشروعات القوانين قبل إقرارها برلمانيًا، لإظهار ما بها من عيوب دستورية.

إن موافقة «البرلمان» بهذه الطريقة المسرحية، البهلوانية، يوم الأربعاء الماضي، وإقراره القانون، قد تكون أمرًا مفهومًا، من زاوية أن البرلمان تابع للسلطة التنفيذية ويسهر على راحتها، ويلبي أوامرها، ويحقق أحلامها، ناسيًا أن دوره الأساسي هو تمثيل «الشعب»، وأن يكون صوتًا له وسندًا فيما يبتغيه من حياة كريمة وديمقراطية وحرية وعدالة.. بينما «الدكتور علي عبدالعال وبرلمانه» اختاروا أن يكونوا عونًا للحاكم، إخلالًا بالتوازن بين السلطات، وبما أدخل في وجدان وروع الناس أنهم لا يملكون من أمر أنفسهم شيئًا، وأنهم لا ينطقون عن الهوى، وإنما بوحي من أجهزة نافذة، لها رؤيتها (الأمنية غالبًا)، التي مهما كانت وجاهتها، فإنها في هذه القضية تحديدًا، خانها الصواب وجانبها التوفيق، إذ هي رؤية تتجاهل أبعاد الأزمة الكبيرة والضخمة التي يُمكن أن تنجم عن مثل هذا الصراع بين سلطات الدولة الثلاث، ورد فعل القضاة، حين تصطف السلطتان التنفيذية والتشريعية معًا في مواجهة السلطة القضائية، تغولًا عليها وتدخلًا في شؤونها، لفرض إرادة أهل الحُكم عليها، بإسناد عملية اختيار وتعيين رؤساء الهيئات القضائية (محكمة النقض، ومجلس الدولة، والنيابة الإدارية، وقضايا الدولة)، إلى رئيس الجمهورية وبإرادته المنفردة، دون قيود إلا مراعاة أن يكون المُختار واحدًا من أقدم سبعة مستشارين بالهيئة المعنية.

لقد أظهر قسم التشريع بمجلس الدولة، في تقريره، أن اختيار رئيس الجمهورية لرؤساء الهيئات القضائية «يُهدِر مبدأ الفصل بين السلطات»، المنصوص عليه بالدستور، و«يُسلط السلطة التنفيذية على القضائية».. كما أنه يخالف المادة 186 بالدستور، والتي تنص على أن «القضاة مستقلون»، وتشدد على أهمية حيدتهم، وذلك كله منعًا لتعارض المصالح، حفاظًا على «مبدأ استقلال القضاء»، الذي فسرته المحكمة الدستورية العليا بأنه يعني أن «تنظيم العدالة وإدارتها وثيق الصلة بالحرية وصون الحقوق على اختلافها، وأن هذا الاستقلال عاصم من التدخل في أعمال السلطة القضائية، أو التأثير عليها أو تحريفها أو الإخلال بمقوماتها، باعتبارها الموكول إليها القرار النهائي في شأن حقوق المتخاصمين وحرياتهم ورد العدوان عنهم».

إجمالًا، فإن هذا القانون يُخاصم الدستور ويعتدي عليه، ويتغول على السلطة القضائية، ويمس بحقوق المتقاضين والمتنازعين، والمتهمين الذين يحق لهم دستوريًا الاطمئنان إلى «قاضيهم»، وتجرده ونزاهته، وحيدته بعيدًا عن مظلة السلطة التنفيذية.. هذه الأمور كلها ينال منها أن يكون رؤساء محكمة النقض ومجلس الدولة والنيابة الإدارية مُعينين ومُختارين من رئيس الجمهورية، الذي هو رأس السلطة التنفيذية.. فيما الدستور والمواثيق الدولية تجعل هذا الاختيار شأنًا قضائيًا خالصًا صونًا لحقوق المواطن وحرياته التي ستكون هي الضحية في هذه الحالة.

لا يفوتنا التنويه إلى مخاطر هذا القانون على سمعة مصر وقضائها دوليًّا، بما يلقيه ظلالًا من الشك وغيابًا للمصداقية والعدالة في أحكامه، لا سيمًا أن العالم أصبح معنيًا بالحقوق والحريات، ويتخذ منها كمينًا للدول، ووسيلة للضغط عليها وإخضاعها.. ناهيك عما يترتب على هذه السمعة من تراجع لفرص الاستثمار الأجنبي، كون المساس باستقلال القضاء ينال من دولة القانون المبتغاة.

إن هذا القانون، وبغض النظر عن أهدافه الخفية، يخصم من مكانة مصر الدولية، ويسهم في تقزيمها، وله عواقب وخيمة، ومن الأسلم التراجع عنه والخروج من هذا المأزق الذي انحشرنا فيه بيد البرلمان، درءًا للفتنة وحقنًا لصراع غير محمود بين السلطات، سنكون كلنا خاسرين فيه.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع