الأقباط متحدون | ثورة لإصلاح ضمير أمة
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٨:٢٥ | الاربعاء ٩ مارس ٢٠١١ | ٣٠ أمشير ١٧٢٧ ش | العدد ٢٣٢٧ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

ثورة لإصلاح ضمير أمة

الاربعاء ٩ مارس ٢٠١١ - ١٠: ٠٩ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: منير بشاى
عندما قامت ثورة 1952 كانت رؤية قائد الثورة اللواء محمد نجيب أن يبدأ ببناء أخلاق الأمة فاختار شعارًا لها: الاتحاد والنظام والعمل. ولكن هذا سرعان ما تغير باقصاء اللواء نجيب عن القيادة.  ونحن الآن بصدد ثورة شعبية جديدة قامت فى 25 يناير 2011. هذه الثورة إذا توقفت عند تغيير الأشخاص تصبح مجرد انقلاب للحكم.
الثورة الحقيقية تمتد إلى الجذور إلى تغيير المبادىء والضمير والأخلاق التى طغت على المجتمع وبناء الأمة على أساس أخلاقى سليم. هناك عادات أخلاقية تأصلت بين الناس ويجب إصلاحها مثل التعصب الدينى واالتسيب فى العمل وإهدار المال العام وعدم احترام المواعيد وإهمال حقوق الغير والتملق كمحاولة للوصول إلى الأهداف والذى أحيانًا يطلق عليه المجاملات.

المجاملات ظاهرة طغت على مجتمعاتنا الشرقية العربية وبالذات مجتمعنا المصرى. ويكفيك أن تنصت إلى لغة التخاطب بين الناس لتدرك كبف طغت المجاملات على  كلام الناس. وهى عادة تظهر فى عبارات الإطراء المبتذل والألقاب المزيفة التى نخلعها على الآخرين.
والمجاملات يمكن أن تكون مشروعة إذا كانت صادقة ومخلصة وتهدف لتضميد القلوب الجريحة وتشجيع النفوس المحطمة ومشاركة الآخرين آلامهم وأفراحهم. ولكن يمكن أيضًا للمجاملات أن تتطرف لتصبح خليطًا من الأكاذيب والمبالغات والرياء الممزوج بمعسول الكلام. وهذا النوع الثانى من المجاملات قد انتشر فى مجتمعاتنا حتى أصبح جزءًا لا يتجزأ من ثقافتنا. وهو عمل مرفوض خاصةً إذا كان هدفه تملق الآخر لتحقيق أغراض غير مشروعة.

ولكن فى المجتمعات الغربية لا نجد الناس يمارسون المجاملات (عمال على بطال) كما نفعل نحن. فالناس فى الغرب غالبًا يعنون ما يقولون ويقولون ما يعنون. فإذا ذهبت للطبيب وشك فى أن يكون عندك مرض السرطان، فانه يقولها لك صراحة، ولا يلجأ إلى حجب الأمر عنك أومحاولة مجاملتك باعطائك الطمأنينة الكاذبة. وإذا عرض أحدهم أن يعطيك شيئًا فهو يقصد فعلاً أن يعطيه لك وليس لمجرد المجاملة . وإذا عرضت أنت- كنوع من المجاملة- أن تعطيه شيئًا فانه يتوقع فعلاً أن تعطيه له. والناس عادة يخاطبون الآخر المألوف باسمه الأول المجرد من الألقاب كعلامة للصداقة. أما الغريب فيخاطبونه بلقبه الحقيقى ودون مبالغات. 
أذكر أن عادة المجاملات هذه كانت سببًا لمواقف محرجة لنا بعد وصولنا إلى أمريكا وإحتكاكنا بالمجتمع الأمريكى. فمثلاً فى العمل عندما كنا نجلس للغداء، كان منظر طعامنا الشرقى ورائحته الشهية يحظى بإعجاب الزملاء فيمتدحوه.  وكعادتنا الشرقية عندما يمتدح شخص الطعام الذى نأكله، كنا (نعزم) عليهم لمشاركتنا، ونفاجأ بأنهم يأخذون (العزومة) مأخذ الجد ويجلسوا معنا فعلاً للأكل. هذا بينما كنا نظن أنها مجرد مجاملة نتوقع أن يتقبلوها بالشكر دون تنفيذ فعلى. وبعدها تعلمنا أن (العزومات) الشكلية لا مكان لها فى هذه المجتعات، فنعرض عليهم المشاركة اذا كنا نقصد ذلك فعلاً.

والمجاملات تظهر كثيرًا فى العلاقات بين عنصرى الأمة فى مصر. فبعد كل كارثة تقع على الأقباط نجد فيضًا من مشاعر المواساة من الكثيرين. ولا أشك أن كثير من هذه المشاعر صادق ويستحق أن نقابله بالشكر والعرفان. وسوف أظل أتذكر ما عمله بعض أخوتنا المسلمين فى ضوء التهديدات على كنائسنا ليلة العيد وقرارهم أن يحضروا الكنيسة معنا، فإن عشنا عاشوا معنا وان متنا ماتوا معنا. ولكن المشكلة هل كل ما يحصل عليه الأقباط بالنسبة لهذه الكوارث هو مجرد المجاملات؟  وهل بعد المجاملات ستنسى الكارثة الأصلية وننتظر حتى تأتى كارثة جديدة؟  أم أن عواطف المجاملات النبيلة سوف تتبعها أعمالا نبيلة بمحاولة علاج جذور المشكلة وإتخاذ الاجراءات التى تمنع تكرارها؟

وأحيانًا تكون المجاملات كاذبة وغير أخلاقية تهدف إلى المراوغة والخداع  بالتظاهر بتفهم المشكلة والوعد بعمل اللازم لتصحيح الوضع. وتستمر الوعود وبعد ذلك يتضح أن كل هذا كان مجرد كلام كاذب لا أساس له من الصدق.
وأكبر مثال للمجاملات الخادعة هو ما وعدونا به على مدى عقود فيما يختص بإصدار قانون موحد لدور العبادة الإسلامية والمسيحية. والمعروف أن قضية بناء الكنائس سبب معظم المشاكل التى يعانى منها الأقباط فى مصر وهى غالبا الشرارة التى تسبب غالبية حوادث العنف ضد الأقباط. وقد قال الدكتور الفقى مرة أن قانون دور العبادة الموحد سيحل نصف مشاكل الأقباط. ولكن إنتظر الأقباط هذا القانون كثيرًا وكل ما كانوا يسمعونه وعودًا تتلوها وعود. ثم جاءت إشارة تقول أن القانون قد أرسل إلى مجلس الشعب لمناقشته وإقراره. ومضت دورة برلمانية تلتها أخرى ولم يكن هناك نقاش أو إقرار للقانون المزعوم.

 وأخيرًا صرّح الدكتور فتحى سرور رئيس مجلس الشعب أن مشروع القانون لم يصل لمجلس الشعب!!! وحدثت حيرة: أين ذهب القانون الذى ينتظره الأقباط على مدى سنين؟ ثم جاءتنا المفاجئة المؤلمة أن كل هذا الكلام كان كذبًا وضحكًا على الذقون وأنه لن يكون هناك قانونًا موحدًا ولا يحزنون. فقد صرّح لنا نفس الدكتور الفقى أن قانون دور العبادة الموحد لن يصدر وذلك لأن وزارة الأوقاف هى المسئولة عن بناء المساجد بينما وزارة الداخلية هى المسئولة عن بناء الكنائس..فكيف يمكن الجمع بين الاثنين؟  وأضاف أنه يجرى إعداد قانون خاص ببناء الكنائس وآخر لبناء المساجد. فبالنسبة للكنائس سيتم تقسيمها إلى ثلاثة أقسام حسب حجمها وحسب عدد الأقباط فى المنطقة. وبذلك فهو يؤكد وجود مبدأين كنّا نخشى إدراجهما فى أى قانون لبناء الكنائس وهو سيطرة جهاز الأمن على عملية بناء الكنائس ثم اشتراط حد أدنى من عدد الأقباط  لبناء الكنيسة. وهنا ستظهر على السطح مشكلة التعداد القبطى والذى يختلف جوهريا بين الأرقام التى تصدرها الدولة وبين الأرقام الحقيقية.
والآن نحن فى انتظار معرفة كيف ستتعامل الثورة الجديدة مع هذه القضايا وغيرها. هل سيستمر اسلوب الكذب والمراوغة على ما عليه؟ أم سيكون هناك تحول إلى الصدق فى المعاملات. أتمنى أن تتجه هذه الثورة إلى بناء أخلاق االمجتم واصلاح ضمير الأمة وتشجع الناس على نبذ عادة الرياء وحثهم على التعامل بالصدق. ويا ليت الدولة تعطينا مثلاً أعلى فى تعاملها بالصدق مع مواطنيها.
Mounir.bishay@sbcglobal.net




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :