… وأيضا تعامل الحكومة مع ملف تحريك أسعار الوقود كارثي !!!
يوسف سيدهم
١١:
١٢
م +02:00 EET
الأحد ٩ يوليو ٢٠١٧
بقلم: يوسف سيدهم
قبل الخوض في قضية الساعة وهي زيادة أسعار الوقود التي أعلنت بشكل مفاجئ الخميس 29 يونية الماضي, دعوني أقول إنني لست رافضا أو محتجا علي هذه الزيادات ولست حانقا علي توقيت تطبيقها بل إنني أيضا لست مغيبا عن حتمية اتخاذ الإجراءات التي تستهدف تخفيف العبء عن اقتصاد الدولة برفع الدعم تدريجيا عن السلع الأساسية بما فيها من تحميل الفئات القادرة وإعادة توجيه ذلك الدعم لتمويل الإصلاحات الواجبة في مجالات التعليم والصحة والإسكان وغيرها من مجالات رفع مستوي معيشة الشعب.
أما وقد سجلت ذلك -لئلا يساء تفسير ما سيتبع- أقول إن المسلك السياسي الذي دأبت عليه الحكومة في سيناريوهات رفع الأسعار بات مفتقرا إلي الحصافة والشفافية ويدعو إلي الشفقة والرثاء, بل ويستحق ما يفجره من موجات الاحتجاج والغضب الشعبي وما يصاحبها من تداعيات الاستخفاف والسخرية… ذلك لأن الحكومة لاتزال تتنكر لمسئوليتها السياسية في إعلام وإعداد الشعب مسبقا لتقبل القرارات الواجب اتخاذها لإصلاح المسار الاقتصادي, وفي الوقت الذي تمطر الشعب بالتصريحات الجوفاء حول الشجاعة والمصارحة, نجدها وكأنها تخشي المواجهة وتتستر وراء التصريحات المخدرة التي تزعم طمأنة الشعب ضد احتمالات زيادة الأسعار, بينما هي تبيت النية لعكس ذلك, ولا تدرك مغبة هذا المسلك الذي يستنفر الناس ويجعلهم يشعرون أنه يتم خداعهم.
فما معني أن يتصدر الصفحة الأولي في صحيفة الأهرام بتاريخ 29 يونية الماضي -يوم تطبيق زيادات أسعار الوقود- خبر عنوانه: لا تحريك لأسعار الوقود حتي الآن؟!!… الخبر منسوب لوزير البترول المهندس طارق الملا الذي صرح بأنه لم يتحدد موعد لتحريك أسعار الوقود حتي تاريخه, وأن برنامج رفع الدعم عن الطاقة مدته خمس سنوات وتم إقراره من قبل الحكومة ومجلس النواب… الأغرب من هذا كله أن تصريح وزير البترول جاء عقب لقائه المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء مساء الأربعاء 28 يونية..!!!… فهل يعقل أن كلا من وزير البترول ورئيس الوزراء لا يعلمان قرارات رفع أسعار الوقود التي فوجئ بها الشعب صباح الخميس وتناولتها جميع وسائل الإعلام؟!!!…
هل يعقل أن رئيس الوزراء كان يعلم ووزير البترول لا يعلم؟!!… إننا نتحدث عن فارق توقيت لا يتجاوز 12 ساعة بين نفي وزير البترول النية لتحريك أسعار الوقود وبين بدء تطبيق الزيادات!!… إن هذا لو صح لهو مدعاة لأحد أمرين لا ثالث لهما: إما أن يتقدم وزير البترول باستقالته احتجاجا علي عدم علمه بالقرارات, أو أن يقيله رئيس الوزراء احتجاجا علي تصريحاته التي لا تتمشي مع سياسة وقرارات مجلس الوزراء… لكن الغريب أن شيئا من ذلك لم يحدث, ولم تكلف الحكومة نفسها عناء تفسير تلك المفارقة للشعب أو حتي تعتذر عنها… كل ما أمطرتنا به الحكومة كان الإسهاب في شرح التبريرات الاقتصادية التي تحتم اتخاذ تلك القرارات… لكن المشكلة أن التبريرات جاءت متأخرة بشكل يفتقر إلي الحس السياسي ولا يعبأ بالاستهانة بالشعب الذي بوغت بالقرارات!!!
الاعتذار الوحيد جاء بشكل غير مباشر من صحيفة الأهرام التي أدركت أنها وهي الصوت الرسمي للدولة قد تم الزج بها في سيناريو خداع قرائها بنشرها تصريح وزير البترول, فما كان منها إلا أن بادرت صباح الجمعة 30 يونية بنشر برواز بعنوان: اعتذار نيابة عن الحكومة.. جاء فيه:.. يبدو لنا في الأهرام أن من بين المسئولين من يصر علي تحميل الصحافة مسئولية أخطائهم وترددهم في اتخاذ القرارات, وإذا كنا نأسف لذلك الموقف من وزير البترول نؤكد أننا لم نندفع إلي نشر أخبار غير مدققة من مصادرها الأصلية… ويجب أن تقع مسئولية التصريحات غير المسئولة أو حتي غير الصحيحة علي من صرح بها وليس علي من نشرها… ومع ذلك فإن الأهرام يتقدم بالاعتذار نيابة عن الحكومة!!!.
إذا المشكلة ليست في حتمية تحريك أسعار الوقود… المشكلة في التعامل السياسي مع مسار رفع الدعم… وواجب الحكومة أن تعد الشعب مسبقا قبل صدور تلك القرارات بفترة كافية وبشفافية كاملة… إن كل التفسيرات والاجتهادات والتبريرات والأرقام التي تفضلت بها الحكومة صباح 30 يونية في محاولة لامتصاص غضب الشعب واحتجاجه, في حد ذاتها صادقة ومقنعة, لكن الكارثة أن الحكومة لا تدرك أنها قدمتها بعد الهنا بسنة!!!