المريض المصرى.. والتديُّن الشكلى
مقالات مختارة | صلاح الغزالي حرب
الاربعاء ٣٠ اغسطس ٢٠١٧
من خلال ممارستى الطبية الطويلة، التى زادت على الأربعين عاماً، أستطيع القول بأن هناك قصوراً واضحاً فى الثقافة الطبية والثقافة الدينية فى آن واحد لدى قطاعات كبيرة من المصريين من مختلف الفئات والطبقات، بل أكاد أجزم بأن هذا قد يكون أحد أهم الأسباب لتأخير تشخيص الأمراض المزمنة، وفى مقدمتها مرض السكر، وأيضاً من أسباب زيادة حدة المضاعفات الخطيرة لهذه الأمراض.
والأمثلة كثيرة:
أولاً: عدم الاعتراف بالمرض
كثيرون هم من يرفضون الاعتراف بمرضهم، ويتحايلون بشتى الطرق لإثبات أنهم أصحَّاء.. بل يصل الأمر إلى حد إنكار أى شكوى أو عرض أو حتى تاريخ عائلى للمرض.. وقد عانيت شخصياً كثيراً من هذا الأمر حين قررت افتتاح وحدة للفحص الشامل، وفحص مريض السكر، والمقبلين على الزواج فى مستشفى معهد ناصر منذ أكثر من عشرين عاماً.. وهو أول مركز من نوعه فى مصر، فقد قابلتنى عبارات مثل: «خليها مستورة»!!، «خليها على الله»!!، و«ليه نكشف المستور؟!»، و«أنا خايف يكون فيه حاجة وحشة»!!، وفى معظم هذه الحالات يأتى ذكر الله سبحانه وتعالى كثيراً فى غير موضعه، فقد نسى أو تناسى هؤلاء أن الله أخبرنا فى القرآن الكريم بهذا الأمر فى أكثر من موضع، فقال سبحانه: «ونبلوكم بالشر والخير فتنة»، وقال: «ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين»، وهى آيات تكشف بوضوح أن الإنسان طوال حياته معرض للاختبار، سواء كان ذلك شراً أم خيراً.. والمتوقع من المؤمن الحقيقى أن يشكر على الخير، ويصبر على الشر.. وليس له أن يرفض ما قدَّر الله.
ثانياً: التواكل
«ربنا يستر» كلمة طيبة فى حد ذاتها ولكنى سمعتها آلاف المرات من مرضى مقصِّرين فى التشخيص، وفى متابعة العلاج، وفى سماع نصائح الطبيب.. ناسين أو متناسين أن الله سبحانه أمرنا بالأخذ بالأسباب وطالبنا بالاجتهاد فى طلب المشورة وعدم التهاون أو التقصير فى الصحة التى وهبنا إياها.. حيث قال: «وأن ليس للإنسان إلا ما سعى»، والسعى هنا يعنى الأخذ بالأسباب للحصول على ما تريد، وتجنب ما تكره. وقد عاصرت الكثير من الحالات التى تدهورت بشكل خطير نتيجة هذا الفهم الخاطئ للدين والدنيا.
ثالثاً: عدم احترام العلم
من المتناقضات الصارخة أن الإسلام يحث وبقوة على العلم، والعمل، والأمان، والإتقان، والأخذ بالأسباب، كما يأمرنا بالتفكُّر، والتدبُّر، والنظر فى آيات الله فى الكون من حولنا.. ولكن كثيراً من المسلمين يسيرون فى عكس هذا الاتجاه.. نحو كراهية العلم، ورفض الدنيا، والالتجاء إلى تجار الأعشاب، وبائعى الوهم، وخرافة ما يسمى «الطب النبوى».. الذى يتكسب منه تجار الدين الملايين مستغلين ضعف الثقافة الدينية، والصحية.. وقد عاينت بنفسى الكثير من الأمثلة التى لجأت إلىَّ بعد هذه التجربة المريرة وقد زادت حالتهم الصحية سوءاً.. وأصابتهم المضاعفات الخطيرة. وأخطر ما فى هذا الموضوع استغلال بعض الأطباء من ضعاف النفوس هذه الحالة لبيع الوهم، واستنزاف الأموال تحت غطاء دينى زائف.
رابعاً: النقاب
ليس من حقى أن أتدخل فيما ترتديه النساء، ولكن من ناحية أخرى أرفض تماماً الكشف على المنتقبات إذا رفضن الكشف عن وجوههن والانصياع للكشف الطبى السليم. والحقيقة أننى لم أتعرض لهذا الموقف إلا فى مرات قليلة، حيث رفضت مناقشة الأمر، واعتذرت عن عدم إجراء الكشف.. وبهذه المناسبة فإننى أدعو زملائى وتلاميذى أن يصروا على إجراء الكشف الذى تعلموه فى كلية الطب، ووفقاً للمعايير العملية الدولية المتعارف عليها.. بغير مناقشة.. فما أكثر حالات تضخم الغدة الدرقية التى شاهدتها فى مراحل متقدمة.. فقط نتيجة إهمال الطبيب الكشف على العنق. وتبقى كلمة أوجهها للمريض المصرى: لا يوجد إنسان على وجه الأرض لم يتعرض لأحد الاختبارات الإلهية فى حياته.. فتقبَّل ما أراده الله لك بقلب واثق فى رحمة الله، واسلك كل الطرق التى كفلها العلم الحديث للتغلب على محن المرض وابتعد عن تجار الدين وبائعى الوهم.
نقلا عن المصري اليوم