حالة خاصة
نسيم عبيد عوض
السبت ٢٨ اكتوبر ٢٠١٧
بقلم نسيم عبيد عوض
يقرأ صباح يوم الأحد الثالث من شهر بابة‘ فى جميع الكنائس القبطية فى مصر والعالم كله‘ فصل من بشارة الإنجيل للقديس متى البشير اصحاح 12 : 22- 28 ‘ ويبدأهذاالفصل هكذا:
" حينئذ أحضر إليه مجنون أعمى وأخرس. فشفاه حتى ان الأعمى الأخرس تكلم وأبصر." فلنعش فى كلمة الله الحية الفعالة ونتأمل فيها بنعمته التى يمنحها لنا:
قيل " حينئذ " لماذا؟
لأن الرب فى يوم السبت ذهب مع تلاميذه بين الزروع ‘ولما جاع التلاميذ ابتدأوا يقطفون سنابل ويأكلون ‘ فجاء اعتراض الفريسيون على ان هذا لا يصح فعله فى يوم السبت ‘ فجاءهم رد السيد المسيح :
1- " انى أريد رحمة لا ذبيحة. ولو علمتم هذا لما حكمتم على الابرياء .
2- فان ابن الانسان هو رب السبت أيضا. "مت12: 7و8. ثم فى مجمعهم إذا بانسان يده يابسة فسألوه من هل يحل الإبراء فى السبوت؟ لكى يشتكوا عليه‘ فرد عليهم ان الانسان كم هو أفضل من الخروف ( لأنهم كانوا يحللون لأنفسهم إنقاذ خروف سقط فى حفرة يوم السبت) إذا يحل فعل الخير فى السبوت ‘ ثم قال للإنسان مد يدك. فمدها فعادت صحيحة كالأخرى."مت12: 12و13. وهنا تشاور عليه الفريسيون لكى يهلكوه . فلما علم يسوع انصرف من هناك .ولكن تبعته جموع كثيرة فشفاهم جميعا..من جميع أمراضهم واسقامهم.. إلهنا يجول يصنع خيرا ومن القابه الشافى .. فهو من قال لتلميذى يوحنا " تعالوا وانظروا‘ العمؤ يبصرون والعرج يمشون والبرص يسمعون والموتى يقومون والمساكين يبشرون." مت11: 5‘ وهى نفس النبوة التى قيلت على فم اشعياء النبى " قولوا لخائفى القلوب تشددوا لا تخافوا .هوذا الهكم . هو يأتى ويخلصكم. (حينئذ ) تتفتح يون العمى وآذان الصم تتفتح. (حينئذ) يقفز الاعرج كالأبل ويترنم لسان الأخرس. لانه قد انفجرت فى البرية مياه وانهار فى القفر."اس35: 1-6.
حينئذ أحضر اليه مجنون أعمى وأخرس :
وأول مانتأمل هنا انه أحضر للرب بمعرفة آخرين كما هو حال المفلوج الذى حمله الأربعة وأحضروه أمام السيد المسيح ‘ فنتعلم أن نكون مثل هؤلاء الآخرين نخدم غيرنا ‘ نعطى لمحبة الآخرين معنى البذل والتضحية التى يطالبنا بها ربنا ‘ نحضر المحتاجين لشفاء الجسد والروح لعرش الرحمة والمعونة ‘ توجد نفوس بعيدة عن الله ولا تفكر فى التقدم أو الرجوع له ‘ فهل نقدم لهم يد المعونة ونصلى أولا من أجلهم ‘ونقربهم الى الله لتعمل نعمته فيهم ‘ حتى يقول الرب من أجل إيمان هؤلاء الآخرين يشفيه روحيا وجسديا.(طلبة البار تقتدر فى فعلها" كقول القديس يوحنا " أن رأى احد أخاه يخطئ خطية ليست للموت يطلب فيعطيه حياة."1يو5: 16. وهكذا أيضا علمنا القديس يعقوب الرسول" أيها الأخوة ان ضل أحد بينكم عن الحق فرده أحد. فليعلم ان من رد خاطئا عن ضلال طريقه يخلص نفسا من الموت ويستر كثرة من الخطايا ..يع5: 19و20‘ فالآخرين الذين أحضروا هذا المجنون الأعمى والأخرس تكبدوا أتعابا شاقة حتى يستطيعون السيطرة علية وإحضارة أمام رب المجد يسوع ‘ هؤلاء تحلوا بالإيمان والمحبة والرحمة والحنان ‘ الإيمان والثقة فى شفاء الرب له ‘ والحنان الذى دفعهم للجهاد حتى تخلص هذه النفس وتشفى روحيا وجسديا .
مجنون..أعمى .. وأخرس: هذه صورة أى انسان منا قد استولى عليه شيطان الخطية :
1- - فيغلق ويعمى عينيه :
حتى لا يبصر ولا ينظر نعمة وبركات الله ‘ولا يبصرعدل ومراحم الله‘ وحتى لا ينظر بشاعة خطيته ويعميه حتى لا يرى نتائج تصرفاته وأعمال خطيته ‘ يغلق عينيه عن طريق الخلاص فيظل سجينا فى شبكة الشيطان يوجهه كيفما شاء ‘ انسان يصبح عضوا فى مملكة الشيطان ‘ لأن الإنسان الذى لا يسخدم عينيه لقراءة كلمة الله هو انسان أعمى ولو كان مبصرا كقول الحكيم" الحكيم عيناه فى رأسه وأما الجاهل فيسلك فى الظلام.جا2: 14" ولعلنا قد فهمنا من ان العمى المقصود هنا نتيجة عمل شيطان الخطية ليس البصر بالعينين الخارجيه ولكنها العينان الداخلية أو البصيرة الروحية ‘ لأن هناك من لهم العينين تبصران وهم فى الحقيقة عميان ولهؤلاء قال لهم الرب يسوع" لو كنتم عميانا لما كانت لكم خطية . ولكن الآن تقولون اننا نبصر فخطيتكم باقية."يو9: 41. ولنا قديسين كثيرون كانوا عميان البصر ولكنهم كانوا يحلقون فى السماويات مع الله والملائكة والقديسين ومنهم من عاش مع كلمة الله وعلم بها كثيرين ‘ ولعلنا نذكر القديس كليمندس الأسكندرى الذى كان رئيسا لمدرسة الاسكندرية المسيحية .
2- شيطان الخطيه يصم أذن الانسان:
حتى لا يسمع كلمة الله ‘ حتى لا يسمع انذارات روح الله فى داخله‘ وحتى لا يتمتع بسماع صلوات ووعظات خدام الكلمة من أجله‘ ولذلك دائما مايخاطب الكتاب" من له أذنان للسمع فليسمع" الأذن الداخليه الروحية التى تتقبل كلمة الله فتعيش فيها وداخلها وتعمل بها بل وتعظ بها الآخرين.
3- تخرس الخطية لسان الانسان:
حتى لا يحتج على عمل الخطية ويتمرد عليها فيقع تحت سطوة الشيطان وسيطرته ‘ بل ويكون مطيعا له حيث يقوده ‘ وتخرس الخطية اللسان حتى لا يسبح بحمد الله ويقدم له الشكر والعرفان ‘ ويحمد الله على نعمته وعطاياه ‘ حتى لا يرفع صوته ويتوسل لله لطلب مراحمه .
4- الجنون :
فهو قمة سيطرة الشيطان على الخاطئ ‘ يقيدة بسلاسل الخطية ويجره بها الى قاعها ‘ وأيضا أمام جنونة يقيد بسلاسل حتى لا يؤذى الآخرين وبالتالى إتقاء شره وخطرة وأذاه بدل أن يقدم المعونة للآخرين . الإنسان الخاطئ تجره خطاياه الى سلسلة من الخطايا المتعددة التى تبعده عن الحياة الحرة الكريمة بل يعيش فى مملكة الشيطان التى حرره الله منها‘ وقول الرب " كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم."تك 6: 5 ولهذا أغرق الله هؤلاء الأشرار فى الطوفان حتى يطهر الأرض منهم ولكن هيهات . فقال القديس بولس الرسول لتلميذه تيطس" كل شيئ طاهر للطاهرين ‘ وأما النجسين وغير المؤمنين فليس شيئ طاهر بل قد
تنجس ذهنهم أيضا وضميرهم.تيطس1:15.
والخاطئ هو حالة خاصة أمام الله ‘ كالمجنون الأعمى والأخرس او المفلوج وغيره ‘ بخطياه يعزل نفسه عن شركة المؤمنين فى الحياة الطاهرة والمقدسة‘ ولذلك يعلمنا القديس بولس الرسول " إعزلوا الخبيث من بينكم لأنه لا شركة للنور مع الظلمة ولا إتفاق للبر مع الإثم ولا الله مع بليعال.1كو5: 13. وعزلة جنون الخطية لا تعزلنا وتحرمنا من شركة المؤمنين على الأرض فقط بل عن شركة القديسين فى السماء بل وتحرمنا رؤية ملكوت الله ومن الحياة الأبدية التى وعدنا بها الله . ولعل مثل الابن الضال الذى قاده جنون محبة العالم وشهواته الى خروجه عن طاعة أبيه وحرمته من روحانية النفس الطاهرة ورمته الى الدنس والنجاسة ‘ ولما رجع الى نفسه رأى أن حياته فى الخطية كانت جنونا ‘ وعلى الفور عاد الى أبيه يقول له أخطأت الى السماءوقدامك ‘ والأب الحنون يحب ان يرجع الخاطئ الى التوبة ‘والجميع يخلصون والى معرفة الحق يقبلون.
وحتى لا نكون مثل هذا الخاطئ المجنون الأعمى والأخرس:
علينا أن نطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح مكملين قداستنا فى مخافة الله.لأنه طريق واحد للخلاص‘ لأن الله لا يسر بموت الخاطئ مثلما أن يرجع ويتوب فيحيا ‘ لأن هذا هو إرادة الله.فهو الذى" يقدر ان يخلص الى التمام الذين يتقدمون به الى الله. عب7: 25.
هو الوحيد الذى يخلص من الدينونة بما يمنحه من غفران الخطايا فى استحقاق دمه الكريم الذى أحبنا ويغسلنا به وجعلنا ملوكا وكهنة لله أبيه."رؤ1:5و6.
هل نسأل ان تمتد تلك اليد وأصابعها الشافيه القادرة العطوفة التى إمتدت الى ذلك البائس فأبرئته ‘ أن تمتد الى قلوبنا فتمسها وتشفيها من كل شر وشبه شر‘ وتنقيها بالتوبة الخالصة ‘ فنعاين الله ونقبله بروحه القدوس داخلنا ليقودنا فى موكب نصرته لحياتنا الأبدية معه فى السموات. أمين.