نحو إصلاح الخريطة الحزبية
يوسف سيدهم
السبت ٢٨ اكتوبر ٢٠١٧
بقلم: يوسف سيدهم
إلحاقا لما أثرته الأسبوع الماضي في معرض فتح ملف ترشح الرئيس السيسي لفترة رئاسة ثانية, من حتمية العمل علي إعادة ترتيب الخريطة الحزبية لخلق كيانات قوية قادرة علي التواصل والتفاعل مع الجماهير وإفراز شخصيات وطنية سياسية مؤهلة لتسلم السلطة وتداولها, بدأت وطني في طرح هذا التوجه ورصد مختلف رؤي التيارات السياسية والأحزاب بشأنه… فبالرغم من أن ذلك التوجه جاء متوافقا مع دعوة الرئيس السيسي نفسه التي أوردتها في مقال الأسبوع الماضي والتي عولت عليها في أن تكون أحد أهم إنجازاته في فترة رئاسته الثانية, إلا أنني لا أتصور أن يكون السيسي هو المحرك الأوحد لإصلاح الخريطة الحزبية, بل يتحتم أن يعتبرها كل مهتم بأمر هذا الوطن ومستقبله أحد محاور العمل السياسي منذ الآن.
لذلك شعرت بقدر كبير من الارتياح لما رصدته وطني ونشرته في عددها الماضي تحت عنوان التجمع يسعي لتشكيل تكتل يضم الأحزاب اليسارية واعتبرت أن تلك المبادرة إذا نجحت يمكن أن تشكل إنجازا هائلا يحتذي نحو علاج التخمة الحزبية التي تعاني منها الساحة السياسية, فنري مبادرات مماثلة لتشكيل تكتل أحزاب الوسط وتكتل أحزاب اليمين, بالإضافة إلي أية تكتلات تجمع الأحزاب المتشابهة والمتوافقة في برامجها وتوجهاتها وقناعاتها السياسية والوطنية.
إنني إذ أتحدث عن معاناتنا من تخمة حزبية لست أقصد تخمة الامتلاء والثراء مضمونا لكني أقصد تخمة التعدد والتشرذم شكلا, فبناء علي إطلاق الدستور في مادته رقم (74) حق المواطنين في تشكيل الأحزاب بمجرد الإخطار تراكم وتزاحم 93 حزبا علي خريطة مصر الحزبية طبقا لما أفاد به رئيس لجنة شئون الأحزاب -و104 أحزاب طبقا لما أفاد به د.علي عبدالعال رئيس مجلس النواب- وهي أحزاب أقلها عريق وله جذور في العمل السياسي ويمتلك عضوية كبيرة للمواطنين علي قوائمه ويزاول نشاطات فاعلة من خلال برامج معلنة, بينما أكثرها أحزاب هامشية غير مؤثرة يطلق عليها تارة كرتونية وتارة أخري ورقية في إشارة إلي هشاشتها وتبعثرها وعدم جديتها في جذب الجماهير إلي عضويتها أو صياغة برامج وتوجهات تتميز بها في الساحة السياسية أو تتنافس من خلالها فوق المنابر الانتخابية.
هذه التعددية الشكلية لا تمثل رصيدا إيجابيا مضافا علي العمل السياسي بل هي في الحقيقة تعكس رصيدا سلبيا مخصوما من العمل الوطني, وأنا أظن إنها إنما جاءت نتيجة اشتياق الكافة إلي ممارسة حق تم إطلاقه بعد طول تضييقه وهو حق تشكيل الأحزاب بمجرد الإخطار ودون وضع أية ضوابط لضمان الجدية والفاعلية من جانب المشرع, أو حتي دون النص علي حق لجنة شئون الأحزاب -المنوط بها الموافقة علي إخطارات تشكيل الأحزاب- في المراجعة الدورية كل بضع سنوات لأوضاع الأحزاب التي وافقت عليها للتحقق من مستويات العضوية بها والمشاركة الفاعلة لها في الخريطة السياسية.
ولعلي أذكر هنا ما فعلته مصر أسوة بذلك في مجال إصلاح نظامها المصرفي منذ نحو عقدين من الزمان عندما تلاحظ للخبراء كثرة تأسيس البنوك المصرية وفروع البنوك الأجنبية والتي شكلت في غالبيتها كيانات صغيرة تتنافس في مجالات الأعمال المصرفية المباشرة دون الإسهام الحقيقي في التنمية الاقتصادية وتمويل المشروعات الواعدة, فكان أن صدرت التشريعات التي ألزمت جميع تلك البنوك بزيادة رؤوس أموالها أو الاندماج فيما بينها خلال مهلة زمنية محددة لخلق كيانات بنكية ومصرفية قوية قادرة علي المشاركة والمنافسة مع البنوك والمصارف العريقة علي الساحة… وبالفعل تحقق ذلك وكسبت مصر من ورائه رصيدا قويا مضافا إلي حقلها المصرفي.
إننا في أمس الحاجة لأن نحذو حذو ذلك لإصلاح حالة التشرذم الحزبي التي نعاني منها, وطبيعي أن تكون البداية في الدعوة الطوعية الاختيارية لسائر الأحزاب في أن تتلاقي وتصطف في مجموعات ذات التوجه المشترك سياسيا وبرامجيا ونشاطا, وهنا يبرز معيار التصنيف المبدئي لكتل اليمين والوسط واليسار مع ترك الباب مواربا لتشكيل كتل أخري تحت مسميات مغايرة, لكن في جميع الأحوال يلزم التوافق علي الاحتكام إلي تفرد التوجه السياسي وتحقيق حد أدني مقبول
للعضوية من أجل اكتساب الشرعية وحق الانضمام إلي الخريطة الحزبية.
إن إصلاح الخريطة الحزبية أمر حتمي لم يعد في مقدورنا السكوت عليه أو إرجاؤه وهو يمثل نقلة نوعية خطيرة للعمل الحزبي من مرحلة المراهقة إلي مرحلة النضج, علاوة علي أنه يمهد الطريق ويطمئن المصريين إلي إمكان تفعيل الدستور الذي رسخوا فيها إرادتهم نحو تداول السلطة عوضا عن ديمومة السلطة.