غلق الكنائس بمعرفة الأمن المصري
لطيف شاكر
الاثنين ٣٠ اكتوبر ٢٠١٧
لطيف شاكر
كانت حضارة مصر الفرعونية في مقدمة الحضارات التي احترمت الحقوق الإنسانية ، وطبقتها عبر عصورها المتعاقبة. لقد اختصر الفراعنة في بداية عصر الدولة القديمة مفهوم حقوق الإنسان في كلمة واحدة هي " ماعت" التي تعد من أقدم المصطلحات اللغوية ذات الدلالات المتعددة فهي تعني العدل والصدق والحق ، بل كانت تعني نقيضا لأي معنى غير أخلاقي بوجه عام (المؤرخ عبد العزيز جمال الدين)
كانت مصر دائما محط انظار العالم القديم لحضارتها الباسقة وكانت مشتهي كل الدول لوفرة الغذاء بها فاحتلها الفرس واليونان والرومان والبيزنطيين والعرب والعثمانيين واثرت فيهم وتأثرت بهم لكن تأثرهم بالعرب كان أكثر لطول فترة الاحتلالات العربية والاسلامية ولقسوة هذه الاحتلالات, صحيح اشترك العرب مع الاحتلالات الاخري في نهب خيرات مصر والتعنت مع اصحاب البلاد , لكن انفرد الاحتلال العربي بهدم الحضارة المصرية واحتلال الانسان القبطي فغيرت لسانه وهيئته وملابسه ومركبته ..الخ والزامه بقبول الوافد العربي ثلاث ايام في بيت القبطي وسط عائلته ولم تكن ثلاث ايام بل ربما ثلاث سنوات, وتعددت طرق تحصيل الاموال كالجزية والخراج والعشور والمكوس والاتاوة ...الخ الي ان باعوا اولادهم من كثرة العذاب لانهم كانوا يربطونهم في الطواحين ويضربونهم مثل الدواب وتمادت عليهم الايام وانتهوا الي الموت ,وكانت حركة الهرب من جانب الذين اثقلت كاهلهم الاعباء المالية والجزية ولم يرغبوا في اعتناق الاسلام , واضطهادهم دينيا وتدمير واحراق الكنائس والتشدد في ترميمها او تجديدها واعتبروا صاحب البلد ذميا اي في ذمتهم حتي الذين اسلموا لم يساوهم بهم بل اعتبروهم موالي اي تابعين وليس اصيل كالعرب القرشي وكانوا يستعلون علي المصري الاصيل
ومن حاول المناداة باحياء الجذور المصرية بعيدا عن الدين او اللسان العربي يتهم فورا بالخيانة للوطن لانه من وجهة نظر المحتل العربي يطالب بتغيير عربنة واسلمة مصر والرجوع بها الي عصر ماقبل الاحتلال العربي وكأن العرب المحتلون اصبحوا هم المصريون اصحاب البلاد ومن يخالفهم يتهم بخيانة مصر(تاريح مصر للمؤرخ عبد العزيز جمال الدين)
وكان العرب يمثلون في المجتمعات التي يغزونها ارستقراطية السيف والدم ويشغلون قمة الهرم الاجتماعي اما قاعدة الهرم فتتكون من الرقيق والذميين سكان البلاد الاصليون , وكان يقوم نتيجة لذلك تناقض طبقي بين العرب وغير العرب وبين المسلمين وغير المسلمين ,وكان المفروض ان يقف المسلمون الجدد وهم من غير العرب طبعا علي قدم المساواة الكاملة مع المسلمين الاصليين اي العرب, غير ان ذلك لم يتحقق قط اذ ظل العرب متمسكين بعروبتهم كعامل يحافظ علي بقاءهم كطبقة مغلقة تستحوذ علي كل الاموال ولايستطيع غيرهم ان يشاركوهم اياها. (د.عبدالله خورشيد في كتاب الهلال /اورق مصرية)
ومن القبائل العربية التي نزلت الي مصر واخص المنيا لانه موضوعنا الان :
اولا القبائل العدنانية
قبائل مضر ومنهم بنو مدركة وهم من سلالة مدركة بن الياس بن مضر بن بن عدنان ومنهم خزيمة كنانة واسد ولخم وجذام وعاملة وجميع هذه الفخوذ ترجع لهذيل وهم يقمون في بلدة طوخ الخيل بالصعيد تابعة لمحافظة المنيا
ثانيا قبيلة قريش وهاجرت من مكة وهاجرت منها بنو كنانة طلحة واقاموا بالاشمونين بالصعيد الادنى وكذلك بنو الليث جائوا مع الفتح العربي لمصر
واقاموا بالاشمونين التابعة لمركز ملوى بالمنيا
وأقصد بالقبائل العربية أولئك البدو الرحل الذين وفدوا على مصر من شبة جزيرة العرب بعد فتح عمرو بن العاص في فترات متفاوتة. ثم استقروا فيها إلى الآن أو قطنوها ولكن معظمهم حافظوا على عروبتهم وأنسابهم واحسابهم ولم يصاهروا أهل مصر.
وهناك أسر وعائلات تنتمي الي قبائل قد لاتكون حاضرة في مصر بشكل كبير والمنيا كانت علي مدار التاريخ مهبط لكثير من العائلات العربية والمغربية (البربر) بالاضافة الي أهلها الاصليين من القبط
وذكر الموقع اكثر من مائة قبيلة الغالبية العظمي منهم وافدون من ارض الحجاز ونزلوا في عهود مختلفة خلال الاحتلال العربي والاسلامي (راجع موقع النسابون العرب)
ومصر في نظرهم بقرة حلوب ولابد ان يحلبوها حتي القيح (ابن العاص) ومصر حفنة تراب (البنا) وطز في مصر (عاكف) والجزية علي الاقباط (مشهور) لاجنسية للمسلم غير عقيدته (قطب ) والتريخ المصري عفن (الشحات) وهدم الاهرامات لانها اصنام(مرجان)
وقد مارست القبائل العربية كل انواع العادات القبلية والاعراف العربية وكانت حياتهم اليومية امتداد لحياتهم الصحراوية البدوية مع نظرة التعالي للمصري الاصيل وعداءه لغير العربي المسلم ( يأكلها تمساح ولا يأخذها فلاح"المصري")
ولما كان اصحاب البلد الاقباط ( مسيحيون ومسلمون ) فقد صبت القبائل العربية جام غضبهم علي الجناح الضعبف وهم المسيحيون لحين الانتهاء منهم ثم يولوا وجوههم نحو المسلمين الغير عرب وخير مثال : حربهم الشعواء ضد مسلمين اليمن وايران والعراق وما يصنعه داعش في قتل المسيحيين والمسلمين والايزيدين افضل نموذج لكراهيتهم لكل ماهو غير العرب وهذه طبيعتهم .
ومن عاداتهم في حالة الخلاف بين القبائل يكون الجلسات العرفية هي الحكم ولها اشتراطات وقواعد وقد وجدوا في هذه الجلسات وسيلة لاضطهاد اقباط مصر المسيحيين وانحازت لهم الدولة خاصة الامن والجهات التنفيذية وان كان انحيازهم بسبب الدين نتيجة للتعليم الديني بعد حركة 52 .
والقضاء العرفى أعراف تحكم القبائل العربية والعائلات الكبيرة، تمزج بين أحكام الشريعة الإسلامية وما اتفق عليه التقليد السائد في مجتمع القبيلة والأعراب،
ويحل بديلاً عن القضاء الحكومي
و أكد الدكتور محمود كبيش، عميد كلية حقوق الأسبق، أن الجلسات العرفية لا يوجد سند قانوني لها، ولا يعتد بها قضائيًا علي أحكامه، وأن جلسات الصلح تلك التي تلجأ لها العائلات أو القبائل لها بعيدًا عن القانون، لا تمنع القضاء من نظر الدعاوى بها، في حال تقديم أي من طرفي النزاع بلاغًا، حيث إن القانون لا ينظر للأشخاص بحد ذاتهم وإنما للوقائع المجردة والأدلة الحية، لترسيخ مبادئ الدولة في تحقيق العدل والمساواة
وبعد جلسة عرفية في قرية القشيري بالمنيا انتهت الي غلق الكنيسة لدواعي الامن ومراعاة لمشاعر المسلمين المتشددين فضلا عن
غلق ستة كنائس آخري حتي تاريخ كتابة هذا المقال في محافظني المنيا وسوهاج , يؤكد اننا امام سلسلة تخاذل للمسئولين بدءا من عمدة القرية ومركز شرطة وصولا إلي السيد مدير الأمن ورجال المباحث والاجهزة الامنية المتعددة بالمحافظة، أما المحافظون هم رجال أمن يفتقدوا الخبرة والحس السياسي ولايبالوا باضطهاد الاقباط وغلق كنائسهم لانهم يحتمون الي الاسلاميين المتشددين ذو السطوة.
أما السادة النواب فقد اختفوا تماما لاصوت لهم او حس وفي استطاعتهم إخماد الفتنة باستقالة النواب المسيحيين احتجاجا علي غلق الكنائس لكنهم فضلوا
المكاسب المادية والاجتماعية
يؤكد الناشط اسحق ابراهيم : علي النيابة العامة استكمال الدعاوى الجنائية حتى لو عُقدت جلسة عرفية وتصالح الطرفان، لأنه يجب استكمال التحقيق والقبض
على المتهمين والمتورطين وتقديمهم للمحاكمة فى جرائم مثل الترويع واستخدام السلاح والحرق، لأنه لا يمكن التنازل عن حق المجتمع فيها
ورصدت الدراسة أنه منذ الثورة حتى نهاية عام 2014، وقع نحو 45 حادث اعتداء طائفى تم التعامل معها عن طريق الجلسات العرفية، وهذا الرقم لا يمثل جميع الحالات، حيث رصد الباحث وقوع ما يزيد على 150 حادثاً طائفياً من يناير 2011 حتى منتصف عام 2013، راح ضحيتها نحو 116 قتيلاً بخلاف مئات المصابين. وشهدت 13 محافظة جلسات صلح على خلفية توترات طائفية، معظمها فى الصعيد، حيث تضم القائمة معظم محافظات جنوب القاهرة، باستثناء محافظتى الوادى الجديد والبحر الأحمر، والتى يكثر فيها الوجود المسيحى بشكل ملحوظ مقارنة بمحافظات الدلتا والمحافظات الحدودية،
ويغلب عليها الطابع الريفى ووجود قبائل عربية، بما يشكل سلطة موازية لسلطة الدولة تشجع هذا الشكل لإنهاء المنازعات
وأرجعت الدراسة أسباب العنف الطائفى واللجوء للجلسات العرفية إلى ممارسة الشعائر الدينية، مثل افتتاح كنيسة جديدة، أو الصلاة فى أخرى قائمة، أو ترميم كنيسة أو مبنى خدمى قائم، أو الاعتراض على تركيب جرس، كما وقعت بعض الاعتداءات على خلفية منع مصلين من قرى لا توجد بها كنائس من الصلاة فى كنيسة القرية، أو وقف بناء منازل أقباط بحجة أن أصحابها سيحولونها إلى كنائس. وبلغ عدد حالات التوتر على هذه الخلفية خلال فترة الدراسة 14 حالة، بنسبة 31%، وجميعها كانت ضد الطرف المسيحى،
وربما تنتهى الأزمات الطائفية بمصالحات عرفية كما جرى فى المنيا وانتهي الي غلق الكنيسة .. ومرة أخرى نتعانق ونتبادل القبلات ونتسامر ونضحك ونفرض القواعد القبلية، وكأن مصر صارت نجعا صغيرا فى قلب الجبل، وليست دولة عريقة بحضارة مجيدة وثورة رائدة.
و يغيب القانون، وتحضر التقاليد والعادات (قاعدة عرب ) التى نرتد بها إلى عصر الجهالة والبداوة بلا رجعة والتضيق علي الاقباط واضطهادهم لتهجيرهم .. وفي سبيل الهدف المنشود ندوس على القانون بأحذيتنا، حتى يموت تلقائيا فى ضمائرنا، ثم نتباكى على النسيج الواحد والديمقراطية والحريات.