حنان الرب
نسيم عبيد عوض
السبت ٤ نوفمبر ٢٠١٧
بقلم نسيم عبيد عوض
تتركز قراءات شهر بابة فى الكنيسة الأرثوذكسية حول موضوع واحد هو سلطان المخلص يسوع المسيح على النفس البشرية ‘وعملا بما أقره الرب عن نفسه "أنه جاء ليخلص ماقد هلك "‘ والذى هلك فى نفوس البشر بسقوط آدم فى خطية التعدى والمعصية ‘ هو هلاك العلاقة مع الله والموت الروحى الذى أمر به الله (موتا تموت). وقد أوضحت لنا هذه القراءات بترتيب القطمارس مايلى:
1- الأحد الأول : تطهير النفوس من الخطايا (مرقس 5: 1-12)فيقول للمفلوج يابنى مغفورة لك خطاياك ‘ وردا على تشكيك الكتبة اليهود وإعتقادهم أنه يجدف ‘قال لهم " أيما أيسر ان يقال للمفلوج مغفورة لك خطاياك . ام ان يقال قم واحمل سريرك وامش. ولكن لكى تعلموا أن لإبن الإنسان سلطانا على الأرض ان يغفر الخطايا .قال للمفلوج .لك أقول قم واحمل سريرك واذهب الى بيتك ."مر2: 9-11. ومغفرة خطايا هذا المفلوج جاءت نتيجة إيمان الأربعة الذين حملوه وبالطبع هو نفسه (كقول الكتاب (فلما رأى يسوع إيمانهم قال للمفلوج يابنى مغفورة خطاياك).
2- الأحد الثانى:إجتذاب النفوس البشرية للخلاص بقوة كلمة الرب يسوع (لو5: 1-11) فيقول لبطرس إبعد الى العمق والقوا شباككم للصيد ‘ ويرد بطرس " يامعلم قد تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئا ولكن على
( كلمتك ) القى الشبكة .ولما فعلوا ذلك امسكوا سمكا كثيرا جدافصارت شباكهم تتخرق."لو5: 5و6. عملا بقول الرب
" الروح هو الذى يحي .اما الجسد فلا يفيد شيئا .الكلام الذى اكلمكم به هو روح وحياة."يو6: 63.
3- الأحد الثالث: تطهير النفس البشرية من الشياطين (مت12: 22-28) وهذا تحقق بشفاء مجنون وأعمى وأخرس‘لأن الشيطان عندما يصيب انسان بالجنون يفقده عقله ليبعده عن معرفة الله والإيمان به‘ وعندما يعميه ليحرمه من النور الإلهى وعدم رؤية عظمة الله ومراحمه على البشرية كلها‘ وعندما يخرسه ليمنعه من الصلاة للرب ويحرمه من التسبيح والحمد لله ‘ ومن كل هذه شفاه الرب ليعيده الى حظيرة أولاده المؤمنين. وحتى عندما أعترض الفريسيين قال لهم " إن كنت أنا بروح الله أخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله." مت12: 28.
4-الأحد الرابع: إقامة إبن أرملة نايين "لو7: 11-17‘ وهو الأمر الذى يراه الناظر العادى أنه إقامة من الأموات وهذا حقيقى ‘ ولكن المعنى الأقوى لهذه المعجزة أنها كما قال الرب( الحق الحق أقول لكم أنه تأتى ساعة وهى الآن حين يسمع الأموات صمت ابن الله والسامعون يحيون ."يو5: 25‘ والقصد هنا الأموات بالخطية ‘لأن أجرة الخطيه هى موت‘ والذى أوضحها معلمنا بولس الرسول عندما صرخ
( إستيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضئ لك المسيح.)اف5: 14
أعداء الإنسان ثلاثة هم الشيطان والخطية والموت ‘ وفى قراءات شهر بابة تؤكد نصرة الرب يسوع على أعداء البشر سواء بمغفرته للخطايا أو بالإقامة من الموت وأيضا بسحق الشيطان وشفاء المرضى به‘ وكل هذه إنتصر عليها الرب على الصليب وأعطانا هذه النصرة لكى نحيا بها.
ومن إنجيل هذا الأحد المبارك(24 بابه) الاحد الرابع من بابة دعونا نتأمل فى بعض كلمات الحياة التى وردت بهذه القطعة من بشارة معلمنا لوقا إصحاح 7:
فلما رآها الرب تحنن عليها وقال لها لا تبكى: وكلمة الرب هنا جاءت للتعبير عن المسيا الرب ‘ليؤكد لليهود أنه هو من تنبأ عنه الكتاب ‘ وقد شرحها لهم القديس بطرس عندما قال لهم " فليعلم يقينا جميع بيت إسرائيل أن الله جعل يسوع هذا الذى صلبتموه أنتم ربا ومسيحا."أع2: 36.وقالها الرب بفمه الكريم صراحة عندما أرسل تلاميذه ليأتو له بجحش وابن آتان يدخل بهما أورشليم " وإن قال لكم أحد لماذا تفعلان هذا فقولا الرب محتاج إليه فللوقت يرسله الى هنا."مر11: 3.
وقول الوحى الإلهى "تحنن عليها" تأكيد عظيم على حنان الله الذى يملئ الكتاب المقدس ‘لأن الله فيه كل الحنان وهو الحب ذته وهو فيه كل الرحمه "هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية."يو3: 16. فى تطهير الأبرص الذى قال للرب إن أردت تقدر أن تطهرنى ‘فتحنن يسوع ومد يده ولمسه وقال له اريد فاطهر.مر1: 41‘ وأيضا فى معجزة السبعة خبزات والأربعة آلاف " فلما خرج يسوع رأى جمعا كثيرا فتحنن عليهم إذ كانوا كخراف بلا راعى."8: 2.
والدرس هنا أن الله لم يتجسد على الأرض لينزع عنا موت الجسد ‘ بل لتحطيم موت النفس ويرفعنا فوق سلطان الموت فنجتازه معه غالبين ومنتصرين‘ ولنبلغ اللقاء معه وجها لوجه الى الأبد‘ ونقول للموت أين شوكتك ياموت وأين غلبتك ياهاوية. الرب لم يعدنا بطرد موت الجسد عنا لأن هذا سيواجهه كل بشر ‘ وإنما إذ مات هو عنا ومعنا حول الموت الى جسر للعبور بنا الى الفردوس على إنتظار يوم الدينونة يوم الرب العظيم. الذى مات هو ابن الله بالجسد من أجل كل جسد كان أو سيكون ‘ وبموته بجسد بشريتنا داس الموت والغى سطوته علينا نحن المؤمنين‘وأصبح موتنا بالجسد هورقاد وإنتقال بالروح الى الفردوس‘ ولذلك يقول" إنى أنا حي فأنتم ستحيون ." يو14: 19 وأيضا " من آمن بى ولو مات فسيحيا .وكل من كان حيا (روحيا)وآمن بى فلن يموت الى الأبد."يو11: 25و26.
لا تبكى قالها الرب للإرملة ‘ وهو قاصد معناها لأنه سيمسح كل دمعه من عيونها برؤيتها إبنها قائما من الموت ‘ والله وحدة هو الذى يحول بكاءنا الى فرح حقيقى فيقول" ولكنى سأراكم ايضا فتفرح قلوبكم ولا ينزع احد فرحكم منكم.يو16: 22. البكاءيحرك مشاعر الرب ويؤلم أحشاؤه بلغة البشر ‘ ففى موت لعازر وعندما رأى حزن وبكاء وعويل الناس يقول الكتاب "وبكى يسوع" وقبلها "إنزعج بالروح واضطرب " عندما قال لا تبكى كان يعنى كلمته فمن غيره يستطيع أن يعزى أو يزيل علة البكاء ‘ ليس كما يقول انسان لآخر لا تبكى‘ ولكن السيد وحده القادر على أن يمسح كل دمعة من كل عين كما أوردها القديس يوحنا فى سفر الرؤيا عن الداخلين للفردوس" وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم ." لأنه الوحيد الذى يستطيع ان يحول الحزن الى فرح والبكاء الى السرور والبهجة.
الله هو "الذى لا يشاء موت الخاطئ مثل ما يرجع ويحيا‘ وهو الداعى الكل الى الخلاص لأجل الموعد بالخيرات المنتظره" :
1-فعندما أقام إبنة يايرس (مت9) رمز الى أنه حتى إذا إختفت الخطية داخل القلب فهو يراها ويذهب اليها فى عقر دارها ليخلص ويطهر من الخطايا ويقيم الإنسان من موت الحطية.
2-وفى أقامة الشاب ابن الأرملة (لو7) فيشير الى أنه ولو استفحلت الخطايا بالإنسان وخرجت به الى العلن أمام الناس يحمله ابليس علنا لينفيه بخطاياه ‘ سيجد المخلص على باب كل مدينة يقيمه ويرده للحياة فى الوقت والمكان والزمان المناسب.
3-وفى لعازر(يو11) حتى لو تحولت الخطايا فى الانسان الى إكتساب ووراثة حتى أنتنت وعفنت حياته فستجد المخلص الذى هو الحياة يقيمه ويخرجه الى نورالحياة الذى لن تدركه الظلمة.
وكما ان الميت حينما سمع صوت يسوع دبت فيه الحياة من جديد ‘ كذلك كل نفس خاطئة أن فكرت فى السماويات والدينونة فتبدأ على الفور بالإعتراف بالذنوب والخطايا وتطلب المغفرة من الله وتتوب عما سلف ‘ وتعيش حياة روحية يكون فيها فعل الروح القدس ظاهرا فيها ومرشدا لها. وفى هذا اليوم نرى
" هكذا يكون فرح فى السماء بخاطئ واحد يتوب اكثر من 99 بارا لا يحتاجون الى توبه ."لو15
لنصلى معا جميعا ان نعيش متيقظين ومسلحين بدرع الإيمان والمحبة وخوذة الرجاء فى حياة خلاص دائم وتوبة صادقة خالصة .أمين.