فهمي حسين .. الفن والحياة
د. أحمد الخميسي
٣٩:
١٢
م +02:00 EET
الخميس ٩ نوفمبر ٢٠١٧
د. أحمد الخميسي
عن هيئة الكتاب صدرت أعمال الكاتب الكبير الراحل فهمي حسين القصصية، وهي ثلاث مجموعات: " أصل السبب"، و" حكايات ليست غريبة" و" علاقة بسيطة". قصص فهمي حسين بدأت في الظهور على صفحات جريدة " المصري" الناطقة بلسان حزب الوفد المعبر عن الحركة الوطنية قبل ثورة يوليو1952، ثم في مجلات وصحف أخرى. وإجمالا تكاد معظم القصص تتناول قضية الفلاح والأرض، تلك التي عالجها من قبل عبد الرحمن الشرقاوي باقتدار في روايته "الأرض"، ثم فجرها يوسف إدريس في " الحرام"، و" العيب"، وغيرهما. وقد كانت قضية الفلاح قضية مركزية في حياة ذلك الجيل في مجتمع زراعي اقطاعي بلغت نسبة المعدمين فيه من جملة السكان ثمانين بالمئة حسب د.رؤوف عباس. من هنا كان التركيز على معركة تحرير الفلاح وتقديمه بصفته البطل الأول في الأدب. وقد كان فهمي حسين فلاحا بسيطا ولد عام 1934بقرية بني حسين بمنيا القمح، وتفتحت عيناه على أوجاع الفلاحين وحياتهم، وظل مخلصا للتعبير عنهم حتى بعدما أنهى تعليمه وانتقل للقاهرة. وفي معظم قصص المجموعات الثلاث تتصدر القرية المشهد بصفتها المكان الرئيسي، وتتصدر هموم الفلاحين القصة أحيانا بنبرة ضاحكة وأحيانا بنبرة حزينة مؤلمة. في قصة " مشكلة عبد العال" من مجموعة " أصل السبب" يطرح الكاتب المبدع القضية كالتالي: في مجتمعنا هذا لا يستطيع الانسان أن يجمع بين الكرامة ولقمة الخبز، وإما كرامة مع الجوع، أو خبز بلا كبرياء. في القصة سنقرأ بسطوع مأساة الفلاح المصري كلها: الفقر، والبقرة الوحيدة التي تصبح عنده أغلى من كل شيء، لأنها مصدر ثروته الضئيلة ولقمة عيالهالوحيدة،
وسنقرأ : الجهل والاعتقاد في ضرورة الثأر، ووضع المرأة التي يحلف عليها الرجل بالطلاق بل ويضربها فتنصاع وتبكي في زاوية الدار. لقد قام شخص مجهول بقتل والد عبد العال، ويشتبه عبد العال في أحدهم مجرد شبهة لا يستطيع بناء عليها أن يأخذ بثأره منه. في تلك الأثناء يعرض عليه أحدهم أن يكلف شخصا آخر بقتل المشتبه فيه ولكن لأجل ذلك مطلوب ثلاثون جنيها. من أين؟ فقط عن طريق بيع البقرة الوحيدة. تلطم زوجة عبد العال، تسترحمه، لكنه يجد نفسه أمام المعضلة : هل يحتفظ بالبقرة فيضمن خبز أولاده ويفرط في كرامته كرجل قتلوا أباه ولم يثأر له؟ أم يثأر لوالده ويميت أطفاله جوعا؟!. نعم . لا يستطيع الانسان في بلدنا أن يجمع بين الكرامة والخبز. هكذا يضع فهمي حسين القضية، ويثور على هذا المجتمع الذي تصل فيه البطالة إلي نحو خمسين بالمئة، ويصاب فيه خمسون بالمئة من المصريين بالبلهارسيا من دون علاج، لهذا ما إن تقوم ثورة يوليو حتى ينضم إلي مبادئها، وحركتها، وعندما تقع النكسة يترك القلم والقصة ويحمل السلاح مقاتلا في الاسماعيلية دفاعا عن وطنه، وفيما بعد يلتحق بصفوف الثورة الفلسطينية، لا يفارقه خلال مسيرته شعوره العميق بالتضافر بين الموقف الوطني والأدبي. وحينما تقرأ قصص فهمي حسين، أو أي عمل أدبي آخر، بعد أكثر من نصف قرن من صدوره ، يصبح السؤال هو: هل صمد العمل للزمن؟ هل مازال العمل قادرا على إمتاع القاريء فنيا؟ أم أنه فقد سحره؟. كل قصص فهمي حسين تجيب بصوت واحد أن
أعماله باقية، وعذبة، وتنطق كل سطورها بحرارة وصدق الكاتب، وتنطق أيضا بإدراكه العميق لمقتضيات فن القصة القصيرة، وتطويرها، وتلك كانت مهمة الرعيل الثاني من كتاب القصة بعد الآباء الكبار: يحيي حقي، وطاهر لاشين، والأخوين عيسى وشحاته عبيد، وغيرهم. وقد ضم الجيل الثاني أسماء لامعة مثل عبد الشرقاوي، وعبد الرحمن الخميسي، ومحمود بدوي، وسعد مكاوي، حتى ظهور عبقري القصة الحديثة يوسف إدريس. في إطار الجيل الثاني قام فهمي حسين بدوره كمبدع كبير حين خلص القصة من أطياف الرومانسية والأوهام السحرية فيما يتعلق بصورة الفلاح والريف وقضية الأرض ويسمعنا صرخة فلاح حقيقي : " حتة أرض" هي كل أمانيه لكي يحيا. كتاب وأدباء تلك المرحلة التي نبت منها فهمي حسين كانوا – كما يقول د. غالي شكري- في دراسة عن الكاتب: " يميلون في الأغلب نحو الراديكالية". نحن إذا أمام ثلاث مجموعات قصصية بديعة ، حية، وناطقة بأوضاع الفلاحين، وإزاء كاتب " ملتزم" بالمعنى الذي كان طه حسين يفهم به الالتزام، وهو الاختيار الحر للموقف، ثم كاتب قام بدور كبير في تطوير القصة القصيرة المصرية ليس فقط بفضل موهبته الساطعة بل وبفضل حرارة شعوره بما يكتبه. في 2004 ودع فهمي حسين الحياة على سريره في قريته التي ولد بها وبين الفلاحين الذين أخلص لهم. هكذا رحل الحكاء لكن بقيت لنا حكاياته.
وسنقرأ : الجهل والاعتقاد في ضرورة الثأر، ووضع المرأة التي يحلف عليها الرجل بالطلاق بل ويضربها فتنصاع وتبكي في زاوية الدار. لقد قام شخص مجهول بقتل والد عبد العال، ويشتبه عبد العال في أحدهم مجرد شبهة لا يستطيع بناء عليها أن يأخذ بثأره منه. في تلك الأثناء يعرض عليه أحدهم أن يكلف شخصا آخر بقتل المشتبه فيه ولكن لأجل ذلك مطلوب ثلاثون جنيها. من أين؟ فقط عن طريق بيع البقرة الوحيدة. تلطم زوجة عبد العال، تسترحمه، لكنه يجد نفسه أمام المعضلة : هل يحتفظ بالبقرة فيضمن خبز أولاده ويفرط في كرامته كرجل قتلوا أباه ولم يثأر له؟ أم يثأر لوالده ويميت أطفاله جوعا؟!. نعم . لا يستطيع الانسان في بلدنا أن يجمع بين الكرامة والخبز. هكذا يضع فهمي حسين القضية، ويثور على هذا المجتمع الذي تصل فيه البطالة إلي نحو خمسين بالمئة، ويصاب فيه خمسون بالمئة من المصريين بالبلهارسيا من دون علاج، لهذا ما إن تقوم ثورة يوليو حتى ينضم إلي مبادئها، وحركتها، وعندما تقع النكسة يترك القلم والقصة ويحمل السلاح مقاتلا في الاسماعيلية دفاعا عن وطنه، وفيما بعد يلتحق بصفوف الثورة الفلسطينية، لا يفارقه خلال مسيرته شعوره العميق بالتضافر بين الموقف الوطني والأدبي. وحينما تقرأ قصص فهمي حسين، أو أي عمل أدبي آخر، بعد أكثر من نصف قرن من صدوره ، يصبح السؤال هو: هل صمد العمل للزمن؟ هل مازال العمل قادرا على إمتاع القاريء فنيا؟ أم أنه فقد سحره؟. كل قصص فهمي حسين تجيب بصوت واحد أن
أعماله باقية، وعذبة، وتنطق كل سطورها بحرارة وصدق الكاتب، وتنطق أيضا بإدراكه العميق لمقتضيات فن القصة القصيرة، وتطويرها، وتلك كانت مهمة الرعيل الثاني من كتاب القصة بعد الآباء الكبار: يحيي حقي، وطاهر لاشين، والأخوين عيسى وشحاته عبيد، وغيرهم. وقد ضم الجيل الثاني أسماء لامعة مثل عبد الشرقاوي، وعبد الرحمن الخميسي، ومحمود بدوي، وسعد مكاوي، حتى ظهور عبقري القصة الحديثة يوسف إدريس. في إطار الجيل الثاني قام فهمي حسين بدوره كمبدع كبير حين خلص القصة من أطياف الرومانسية والأوهام السحرية فيما يتعلق بصورة الفلاح والريف وقضية الأرض ويسمعنا صرخة فلاح حقيقي : " حتة أرض" هي كل أمانيه لكي يحيا. كتاب وأدباء تلك المرحلة التي نبت منها فهمي حسين كانوا – كما يقول د. غالي شكري- في دراسة عن الكاتب: " يميلون في الأغلب نحو الراديكالية". نحن إذا أمام ثلاث مجموعات قصصية بديعة ، حية، وناطقة بأوضاع الفلاحين، وإزاء كاتب " ملتزم" بالمعنى الذي كان طه حسين يفهم به الالتزام، وهو الاختيار الحر للموقف، ثم كاتب قام بدور كبير في تطوير القصة القصيرة المصرية ليس فقط بفضل موهبته الساطعة بل وبفضل حرارة شعوره بما يكتبه. في 2004 ودع فهمي حسين الحياة على سريره في قريته التي ولد بها وبين الفلاحين الذين أخلص لهم. هكذا رحل الحكاء لكن بقيت لنا حكاياته.