تطورات غريبة ومفاجئة ربما تكشف عن غموض العلاقة بين بوتين وترامب
ميشيل حنا حاج
الخميس ١ فبراير ٢٠١٨
ميشيل حنا الحاج
اتخذ الكونجرس الأميركي قرارا بفرض مزيد من العقوبات على روسيا الاتحادية. وشمل ذاك القرار فرض عقوبات كهذه على مائة وعشرة شخصيات روسية مقربة جدا للرئيس بوتين. وممن شملهم القرار كلا من رئيس وزراء روسيا ووزير خارجيتها، وهما الشخصيتان البارزتان في روسيا بعد الرئيس بوتين. وأرسل هذا القرار الى البيت الأبيض بانتظار توقيع الرئيس ترامب عليه. لكن الرئيس الأميركي لم يوقعه، معلنا ارجاءه التوقيع عليه الى مرحلة لاحقة.
ولم يبد في حينه تأجيل الرئيس ترامب عملية التوقيع على القرار المذكور ليصبح نافذا فيشرع بالعمل به…أمرا مفاجئا أو لافتا للنظر، الى أن كشفت قناة “سي أن أن” وعدد من المحاورين على تلك الشبكة، ما مفاده أن أحد أقطاب العاملين في المخابرات الروسية، كان قد زار واشنطن سرا قبل أيام قليلة والتقى بعدد من المسؤولين، مما أدى للاستنتاج بأن زيارته قد لعبت دورا هاما في ارجاء الرئيس ترامب التوقيع على القرار المذكور، علما أن الزائر الغامض كان من المقربين جدا للرئيس بوتين، ويبدو كما قدر بعض المحللين، بأنه كان يحمل رسالة سرية من الرئيس بوتين للرئيس ترامب.
وكانت بعض الأنباء قد أشارت الى قيام كبير العاملين في المخابرات الروسية Evgenyevich Sergey وهو الملقب ب Naryshkin والخاضع للعقوبات الأميركية منذ عام 2014 ، بزيارة الى واشنطن والالتقاء بعدد من المسؤولين الأميركيين بما فيهم رئيس السي آي ايه Pompe ، لكن أحدا لم يستطع التأكيد ما اذا كان “”ناريشكن” هو الشخص المشار اليه، أم كانت هناك زيارة أخرى من روسي آخر لم يكشف هرهاعنها.
ولكن غموض الحادثة لم يقتصر على الزيارة الغريبة السرية لأحد كبار الشخصيات في روسيا، بل لعضو في أجهزة مخابراتها، فما كان أدهى من ذلك وأكثر غرابة، أن هذا المسؤول الروسي كان ممن يخضعون لعقوبات أميركية، فكيف به وهو ممن تشمله العقوبات الأميركية، يتمكن من القدوم، سرا أو علنا، الى الولايات المتحدة التي شملته سابقا ببعض عقوباتها.
وكان السناتور الدمقراطي Ben Cardin ممن عبروا عن دهشتهم لتلك الواقعة الغريبة، والتي قدر البعض أن الزيارة الغامضة للمسؤول الروسي مهما كانت صفته، كانت السبب المباشر وراء قيام الرئيس دونالد ترامب بتأجيل التوقيع على القرار الحديث جدا الصادر عن الكونجرس بمباركة عدد كبير من اعضائه، اذ باركه الدمقراطيون قبل الجمهوريين، في وقت لم يتردد فيه الرئيس ترامب ولو لدقيقة واحدة، في التوقيع على قرار سابق وقديم جدا للكونجرس، يقضي بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، علما أنه قرار مر عليه ثلاثة رؤساء جمهورية سابقين، دون أن يجروء أي منهم من التوقيع عليه.
فما الذي ميز اذن القرار الحديث وبأكثرية تكاد تبلغ الاجماع، ودفع ترامب بالتالي للامتناع عن التوقيع عليه، أو في حد أدنى ارجأ التوقيع عليه؟ فهل تضمنت رسالة بوتين السرية الغامضة والتي لم يكشف عنها، تحذيرا من بوتين للرئيس ترامب من عواقب توقيعه على قرار يفرض عقوبات على مائة وعشرة شخصيات روسية بارزة منها الشخصية الثانية في الاتحاد الروسي، أي رئيس الوزراء ديمتريف، والشخصية الثالثة أي وزير الخارجية لافروف. فهل كانت هناك مناشدة من بوتين بعدم التوقيع، أم كانت مناشدة بلغت حد التحذير بل والانذار من عواقب اتخاذ خطوة كهذه؟
ويقدر بعض المحللين في اجتهاداتهم الخاصة، أن بوتين ربما أنذر الرئيس ترامب بأن توقيعه على ذاك القرار، قد يؤدي الى امتناع روسيا عن التدخل في الانتخابات النصفية القادمة، في مسعى منها لضمان احتفاظ الحزب الجمهوري بأكثريته في المجلسين، والحيلولة دون نجاح الحزب الدمقراطي في الهيمنة على المجلس، وبالتاي من توجيه الاتهام للرئيس ترامب كخطوة نحو عزله…
أم امتد حجم الانذار الروسي المبطن، الى التهديد بالتدخل المباشر في تحقيقات المحقق الخاص روبرت مولر الباحث في أمرين، أحدهما اعاقة ترامب لسير العدالة، وثانيهما وقد يكون أهمهما، احتمالات المساعدة الروسية الخفية التي قدمت لترامب، ومكنته من الفوز بمقعد الرئاسة فوزا زائفا لا يتناسق مع مفاهيم الدمقراطية الأميركية؟..
فهل كان هناك تهديد روسي مبطن بتزويد مولر بأدلة تعزز ما هو الأن في مرحلة مجرد الاشتباه غير اليقيني بعد، بوقوع مخالفة كهذه للمفاهيم الدمقراطية الأميركية….علما أن مجلس النواب الأميركي حيث الغالبية الكبرى للحزب الجمهوري، قد أعد مذكرتين رفعهما للبيت الأبيض طالبا الموافقة على نشرهما. والمذكرتان تنسبان لل “أف بي آي” التي ينتمي مولر الى بنيانها، بأنه يسيء استخدام السلطات الممنوحة له، كما تلمح الى وجود فساد في ذاك الجهاز الأمني، حيث يدعي الرئيس ترامب أن نائب رئيس الأف بي آي المستقيل حديثا، أي Andrew McCabe ، قد تلقى خمسمائة ألف دولار من هيلاري كلينتون، ملمحا بكونها رشوة مكشوفة.
وفي مسعى من الرئيس ترامب للتغطية على مجريات الأحداث المتسارعة، ومنها الغموض الذي رافق امتناعه عن التوقيع على قرار الكونجرس بفرض عقوبات على شخصيات روسية بارزة… حاول الرئيس الأميركي في الخطاب السنوي الذي ألقاه في يوم الاتحاد، تركيز الضوء على انجازاته الهامة ومنها، أولا قراره التاريخي بتخفيض نسبة الضرائب تخفيضا واضحا بلغ حد الثلث تقريبا، ولكن بالنسبة لأصحاب الدخول المرتفعة، وهم أقرانه من ملياردية الولايات المتحدة. وقد رافقه حقنة مورفين للطبقة الفقيرة والمتوسطة، وذلك باجراء تخفيض لكن زهيد على نسبة الضرائب التي يتم تقاضيها منهم…ومنها ثانيا توجهه لملاحقة المهاجرين غير الشرعيين الذين “يسرقون الوظائف من أيدي المواطنين الأصليين”، بتقبلهم للوظائف برواتب أدنى من تلك التي يتقاضاها المواطن الأصلي والحقيقي، مما يستدعي لا التعجيل فحسب بطرد المهاجرين غير الشرعيين، بل يقتضي أيضا بناء سور حاجز على امتداد الحدود مع المكسيك. ولكن الرد على ذلك التباهي، جاء من النائب الدمقراطي “جو كنيدي الثالث”، حفيد روبرت كينيدي، المدعي العام السابق، وشقيق الرئيس الراحل جون كنيدي.
ففي خطاب القاه كنيدي في ولاية ماساشوستس الواقعة في شرق الولايات المتحدة، على شواطىء المحيط الأطلسي، حيث حط أوائل المهاجرين الى أميركا على ساحل بلايموث، ومن هناك انطلقوا بعد عقود نحو غرب الولايات المتحدة. وكان النائب كنيدي يلقي خطاب الحزب الدمقراطي ردا على خطاب الرئيس الجمهوري بمناسبة يوم الاتحاد. وباختيار ماساشوستس موقعا لالقاء خطاب الرد، يبدو بأنه أريد باختيار ذاك الموقع (ماساشوستس)، تذكير ترامب بشكل غير مباشر، أن شعب الولايات المتحدة كله من المهاجرين. (فالأميركيون الحقيقيون هم الهنود الحمر، وربما أيضا سكان هاواي وآلاسكا)، أما الباقون فهم من سلالة المهاجرين. وما لم يقله “كنيدي” الصغير سنا، أن ترامب نفسه من أحفاد المهاجرين، وزوجته السيدة الأولى، مهاجرة قادمة من سلوفينيا. ولكن أبرز رد للنائب جون كنيدي الثالث، كان تعليقه على توجه ترامب لبناء السور العازل، وذلك بقوله: “اذا قام هو ببناء السور، فان جيلنا سوف يقوم بهدمه”.
الصراع في الولايات المتحدة اذن على أشده وخصوصا فيما يتعلق بالدور الروسي في الانتخابات الرئاسية. ومهما حاول ترامب ابعاد الأنظار عنه بعدم التعرض مؤخرا بالنقد لروسيا ولمواقفها، أو حتى بارجاء توقيع عقوبات جديدة على قيادات روسية هامة، بل وباستقبال الولايات المتحدة في عقر دارها، مندوبا روسيا هو ذاته خاضع للعقوبات الأميركية…فان الأزمة تبدو في تصاعد، ولا تبدو بأنها تقترب من الحل أو جلاء الغموض حول أسرارها، ناهيك عن اقنرابها من الاضمحلال.
كاتب ومحلل سياسي