الأقباط متحدون - الأب الأيقونة، والأيقونة!
  • ٢٢:٥٧
  • الأحد , ١٨ فبراير ٢٠١٨
English version

الأب الأيقونة، والأيقونة!

أندرو اشعياء

مساحة رأي

٢٦: ١١ ص +02:00 EET

الأحد ١٨ فبراير ٢٠١٨

الأب الأيقونة
الأب الأيقونة

  بقلم: أندرو أشعياء 

 
دقت الساعة الواحدة صباحًا؛ فتوهمت أنه لن يخرج اليوم كعادته بعدما تأخر! فمنذ ما تعرفت عليه وهو لا يلوذ إلا بالصمت. وهذة هي عادته أن لا يخرج إلا في منتصف الليل! يتمشى بين الجبال، ربما ليصلي أو ليزور أحد المتوحدين أو ربما يخرجُ مع الأباء السواح كما سمعت! ثم يعود عند دقات الجرس لبدء التسبحة. يدخل في وقار وهيبه ليسجد أمام الهيكل الأوسط، ثم أخذًا بركة الأيقونات، وخصوصًا أيقونة شهداء بيت لحم، التي أعتاد أن يقف أمامها كثيرًا، وأتذكر أنني مرة لمحته يبكي أمامها فتعجبت! 
 
ودون إطالة؛ في هذه الليله لحّ علئ فضولي أن أتتبع مسيرته، وبالفعل دون حياء خرجت ورائه أترصدُ خطواته في خوف وخجل.. لاحظته يمشي ناحية الدير الأثري ثم يأخذ ممرًا طويلًا مؤديًا الي طافوس الدير. وقف أمامه قليلًا؛ توقعت خلالها أنه يُنشد لحن "أبيكران" ثم إستكمل طريقه نحو عمق الصحراء .. كانت ليلة مُلبدة بالغيوم والرياح! وكأن الصخور تُركت وحيده تعاني البرد القارس فخرج هو ليُساندها!.. بعد فترة من مسيرته أخرج كُتيبًا ربما كان الأجبية؛ ثم وقف ليصلي، وبين حينٍ واخر يمشي قليلا ليقف قليلًا ايضًا مستمتعًا بمطانياته أو بتراتيله؛ ثم يعود لصلوات مزاميره وهكذا ..  فكرتُ سرًا ماذا لو إكتشف أنني أتتبع مسيرته بخفية؟! ولكنني لم أجد إجابة في ذهني لتُدافع عني! فدفعتني الجراءة ايضًا أن أُناديه، وأساله عن حياته! وإن زجرني فسأعود سريعًا، خصوصًا أن شدة الرياح وسقيع الليل كاد أن يؤلم جسدي.. 
 
أسرعت في خطواتي ورائه، ولكنه كان أسرع فهممت أن أُناديه في غير حياء قبل أن يصعد أعلى التبة، ولكن صعقتني المُفاجأة لأجد أطفال في ثيابٍ بيضٍ واقفة أعلى التبة، وما أن همَّ أن يصعد أعلاها فامسكوا بيديه يساعدوه حتى صعد فقبَلَهم وقبَلوه وسار بينهم حديث بسيط ثم جلسوا! 
 
في هذة اللحظات إنتابتني قشعريرة لم تكن من قبل! فجريت اختبئ تحت التبة في هدوء وخوف تحتبس فيهما انفاسي! إنتابني الذعر مفكرًا مَن هؤلاء وكم عددهم ومِن أين أتوا؟ افكارًا قاذفتني بشدة فلم أشعر بشدة الرياح منها بقدر ما أخذني الفضول ايضًا لأسمع حديثهم.. 
 
في البداية لم أستَطِعْ أن أُحدد عما يتكلمون من صوت واضطراب أنفاسي وشدة الرياح حتى هدأتُ لأسمع أحَّد الأطفال يتحدث للأب الشيخ بلهجة بريئه طفوليه مُفسرًا كم كان يومًا عصيبًا على بيت لحم؛ يوم استشهادهم؛ واصفًا هيرودس الجبار وكيف صنع حربًا معهم كأطفال ليقتل بينهم الملك!.. ففهمت أنهم هم ذاتهم اطفال بيت لحم! فدخلتني القشعريرة أكثر .. ثم استرسل الطفل - أقصد الشهيد القديس - موضحًا كم كان يومًا رهيبًا بكت فيه حقول إبراهيم بشَّدة لان البرد نزل فيها ونثر منها سنابلها!.. يومًا بكى فيه قطيع اسحق بشَّدةٍ لأن الذئب دخل ليفتك بالحملان البريئه.. يومًا بكى فيه بنات يعقوب لأن أبنائهم يٌقتلون.. حقًا راحيل تبكي على أولادها وهم غير موجودين؛ بل أن أرميا في الايحاءات سمع صوت بكاء عظيم في الرامة (أر 31: 15).. 
 
لقد ترك هيرودس جميع الملوك الموجودين في المنطقة وشن حربًا على الأطفال .. الأثيم شن حربًا وطعن فوج الملك الحقيقي ولم يستطعْ ادراك الهدف .. لقد كانت مصر وثنيه فذهب الختن الحقيقي ليدعوها اليه وليحطم أوثانها فقتل هيرودس احبائه قبل عودته!.. لقد طُعن المتكئون، وصاحب العرس غير موجود! لان يوسف نزل به الي مصر!.. لو وُجدَ لهيرودس شخص مثل غمالائيل ليحذره لقال له ايضًا "تنح عن هؤلاء واتركهم لانه إن كان هذا العمل من الناس فسوف ينقض وإن كان من الله فلا تقدر أن تنقضه لئلا توجد محاربًا لله..
 
 في هذا الحديث الملتهب هدأت الرياح، وساد صمتًا عجيبًا من قِبل الطبيعة وحتمًا لتسمع تسابيح أصواتهم وشهاداتهم مع الأب الشيخ.. الرمال سكنت الجبال لتعطي فرصة للقمر والنجوم أن يسمعا! الصخور تشققت لتبتلع داخلها كل ضجيج ورنين! أو ربما لتنصت لحديثهم الذي كان عن جنود هيرودس وكيف بللوا الأرض بالدم الذكي!  لقد رفعوا السيوف على أكناف الأمهات، وأفرغوها من ثمراتها التي كانت تحملها!.. سكبوا الجهلاء الدم البرئ في حضن الامهات حتى ماتوا حزنًا على موت اعزائهن! 
 
يوجد مَن قُطع رأسه وهو نائم في كنف أمه، ومن النوم أنتقل الي الموت بصمت بليغ!.. يوجد مَن أخذوه مِن ركبتي امه التي تحمله وسكبوا دمه بل وزالت انغامه الرقيقه!.. لقد مهدوا (الأطفال) له طريق الآلام وليس فحسب بل وأرسلهم الي المسبيين في النواحى السفلى ليبشروا بينهم بأنه ولد ليعتق العالم ويعتقهم .. قاطعهم الاب الشيخ في هذا ليسألهم عن مقابلاتهم مع المعمدان ونثنائيل اللذان نجا من يد هيرودس فقاطعنا جميعا صوت جرس الدير ليعلن موعد التسبحة فوعدوه بحديث آخر ومعهم يوحنا ونثنائل ايضًا، وإختفوا، فطفق هو يُردّد: "السلام والطوبى والفرح لكم يا مَن نلتم مجدًا وإكرامًا ودالة عظيمة عند المخلص... ويا مَن تكلمتم وأنتم لم تقدروا أن تنطقوا بعد؛ بل تكلمتم بدمائكم وتمنطقت أجسادكم بذبيحة أعضائكم الليّنة والغضّة؛ وقد هيأ الله من أفواهكم سُبحًا للملك الصالح؛ تمشون معه على جبل صهيون كيمام بلا عيب وكفراخ النسور المرتفعة إلى العُلا.. أيها الرب ربنا ما أعجب إسمك في الأرض كلها لأنه قد ارتفع عظم جلالك فوق السماء والأرض فمن افواه الاطفال هيأت سبحًا" .. 
 
اما أنا فحرصت كثيرًا أن أتتبعه في العودة متسللًا في هدوء حتى لا يدري، ثم عند طافوس الدير أخذت أنا طريق اخر مُسرعا قَبله للكنيسة التي دخلتها وقدماي ترتجف لأسجد أمام الهكيل ثم واقفًا مُستترًا اُلاحظه داخلًا في وقار كعادته ساجدًا مصليًا ثم واقفًا ولكن لفترة أكبر امام أيقونة مَن قابلهم .. أيقونة أطفال بيت لحم! .. 
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد