حكايتي مع النظام
فاروق عطية
الأحد ١٨ فبراير ٢٠١٨
فاروق عطية
6- عبدالفتاح السيسي
أزعم أنني ضمن العشرات من الكتاب الذين عارضوا حكم مبارك واستمراره في السلطة أكثر من ثلاثين عاما وأراد أن يورث الحكم لإبنه جمال من بعده، ولاقيت كما لاقي الكثيرين مثلي المزيد من العنت جراء ذلك، كما كنت أطن أننا "كل من عارض الديكتاتورية في شرقنا الأوسخ" قد شاركنا في وضع اللبنة الأولي لثورة 25 يناير التي أطلق عليها ثورة الربيع العربي، ولكنني اكتشفت بعد فوات الأوان وبعد أن امتطاها الإخوان المسممين أننا وقعنا في خدعة وأننا كنا أداة القوي للكبري التي تريد تشكيل الشرق الأوسط الجديد، فكتبت مقالي بعنوان "يا صديقي كلنا مغفلون". وبعدما اكتشف الشعب مدي سيطرة الإخوان علي الحكم ومحاولاتهم الدءوبة لأخونة كل مفاصل الدولة، بدأ التذمر والمعارضة والإضرابات ضد حكم تجار الدين، وظهر عبد الفتاح السيسي الذي طالب الشعب بالتفويض للقضاء علي حكم الأشرار، وخرج 33 مليون مصري إلي الشوارع والميادين للتفويض، وظننت وبعض الظن إثم أن الله قد قيض لنا السيسي ليكون المخلّص، وتوسمت فيه أنه صنو لأحموسي الذي خلص مصر من حكم الرعاة الهكسوس، وكتبت مقالا بعنولن "أحموسيسي" أطلقت فيه إسم أحموسيسي علي السيسي. ثم اكتشفت أن ثورة 30 يونيو أيضا مسيّرة ومخططة من الدولة العميقة للتخلص من آثار ثورة 25 يناير وممن اعتلاها، وإعادة حكم جنرالات الجيش الذي اُبتلينا به منذ 23 يوليو 1952، فكتبت مقالي بعنوان "إفتكرناه أحموسي طلع فرعون". ومن يرغب بقراءة هذه المقالات أقدم هذا الرابط وبه مئات المقالات:
انقر هنا
وتولي السيسي مقاليد الحكم، وبعد مرور عام علي حكمه كتبت مقالا بعنوان "الأقباط والسيسي في عامه الأول"شكرت فيه السيد الرئيس عما قام به من إنجازات داخلية وخارجية وذكّرته بما يعانيه إقباط مصر المسيحيين من عنت فاق في سنته الأولي ما عاناه الأقباط في حكمي مبارك ومرسي مجتمعين، وطالبته بإعادة النظر في موقفه المؤيد للسلفين الذين يفوق مكرهم وبشاعتهم ما كان يتحلي به الإخوان، وأن يكون موقفه منهم واضحا وجليا. ورابط هذا المقال:
وبعد مرور عامين من حكمه كتبت مقال آخر بعنوان "يا خوفي يا بدران ثاني مرة"ذكرت فيه مدي فرحة المصريين خاصة المسيحيون منهم برئيسهم الذي وضعوا فيه كل ثقتهم وآمالهم بعودة الديموقراطية وبداية حكم علماني رشيد يعيد لمصر مكانها المرموق بين الأمم، وبعد مرور منتصف مدة رياسته لم تتحقق أي آمال بل زاد الإحباط إحباطا. كانت وعوده بتحسين أحوال الاقتصاد المصري تعكس مطالب وثقة الشعب المصري في الرئيس المُخلّص، ولكن الواقع الأليم أظهر النكوص عن هذه الوعود أوالعجز عن تحقيقها. فقد انتهجت حكومتي إبراهبم محلب وشريف إسماعيل من بعده نفس سياسات الأنظمة الماضية في اتباع سياسة الاقتراض، بل والإكثار منها؛ بدعوى النهوض بالاقتصاد المصري، الذي ما زال وسيظل يعاني. كما عددت أنواع القروض وكمياتها التي حصلت عليها مصر من البنك الدولي ومن السعودية والإمارات وكيف أنفقت. وذكرت قيمة الدولار الأمريكي حين تولي سدة الحكم وكم صارت قيمته الآن وإمكانية تصاعده أكثر فأكثر. وذكرت المشاريع التي ضخّمت السلطة في جدواها الاقتصادية كتفريعة قناة السويس.
وخلال عامه الثاني، شهدت مصر انتخاب برلمان جديد موالٍ للرئيس مليئ بالطبالين والزمارين لا هم لهم غير تأييد الرئيس ومحاربة كل من يعارضه. كما شهد ملف الحريات السياسية والإعلامية تدهورا مستمرا، إلى جانب تستر النظام على ملف الفساد الحكومي المتزايد. كما تدهورت بشدة أوضاع الحريات خاصة الدينية، فبالرغم من إظهار السيسي تعاطفا وتسامحا كبيرا للأقياط المسيجيين بزيارته للكاتدرائية ثلاث مرات خلال عامين إلا أن مشاكل الأقباط ما زالت علي وتيرتها بل ازدادت سوءا باعتماده علي السلفيين والجلسات العرفية، والإدارة المحلية العاجزة والمتواطئة مع المتطرفين. وكانت النتيجة الحتمية ازدياد مطرد وممنهج لقتل المسيحيين وحرق ديارهم وممتلكاتهم وتهجير الأُسَر قسرا من قراهم، ووصل الأمر لحد السفالة وتعرية النساء والطواف بهن عاريات. كما تدهورت حرية الرأي ونصبت المحاكمات الكيدية وأعدت الزنزانات لكل من يجاهر برأي مخالف، وكان أبرز ضحايا حرية الرأي إسلام البحيري وفاطمة ناعوت والدور الأن علي إبراهيم عيسي والقرموطي. وكانت كارثة الكوارث التنازل المخزي لجزء عزيز من الوطن متمثلا في جزيزتي تيران وصنافير لعصابة آل سعود وتجنيد وسائل الميديا الموجهة من الدولة لمحاربة كل من يقول بأن الجزيزتين مصريتين ومكافأة كل من يُقِر بسعوديتيهما وأصبح للأسف الدفاع عن تراب الوطن في عهد السيسي خيانة والتنازل وطنية. ورغم ذلك لم أفقد الأمل في وطنيته وإمكانية تراجعه بشجاعة وحكمة وانحياز لرأي جموع الشعب المصرّ علي مصرية الجزيرتين ، موقنا أن تراجعه عن استئناف حكم المحكمة الدستورية سيوقف الانقسام الحادث ويعيد وحدة المصريين. وهاكم رابط المقال:
نحن وإن كنا نعارض بعض من سياسات السيسي ونراها خاطئة، ليس معني ذلك أننا نعاديه أو نكرهه. نحن لا ننسي له فضل تخليص الوطن من الإخوان المسممين، وفي نفس الوقت نشجب إرتمائه في أحضان السلفيين أو علي الأقل السكوت عما يقومون به من أفعال تمزّق نسيج الوحدة الوطنية كما أنها تقلل من شعبيته كرئيس لكل ابناء الوطن. ونري أن من حقه الاستمرار في الحكم فترة ثانية لتكملة ما بدأه من إصلاحات ومشاريع (المشروع القومي للطرق، ومشروع تطوير هضبة الجلالة، ومشروع الـ 1.5 مليون فدّان، ومشروع المليون وحدة سكنيّة، والمشروع القوميّ للكهرباء، ومشروع تطوير العشوائيات...إلخ) طبقا للدستور بطريقة ديموقراطية حقيقية، ونأمل في فترته الثانية والأخير حسب الدستور، أن يكون خلالها قد وعي الدرس وتخلص من حاجته الأنية لتأييد السلفيين له بما لهم من نسبة لا بأس بها، ويبادر بالتخلص من عبئهم ويخلّص الشعب من سمومهم وإجرامهم.
ولكن للأسف كل ما تم من خطايا بالقضاء علي كل من سولت له نفسه الدخول في معترك الترشيح للرياسة يؤكد البعد عن الديموقراطية تماما، ولا يمكننا الجزم بأن ما تم كان بأوامر منه أو تم بواسطة المحيطين به، وفي كلتا الحالتين يقع الوزر عليه شخصيا لعدم معارضته لما حدث، وذلك قد أضاف المزيد من رصيده السالب المتناقص شعبيا. في هذا الخضم من تناقص الشعبية يتقدّم السيسي لترشيح نفسه للفترة الثانية بالانتخابات التي ستُجرى في مارس المقبل. أعلن كل من الفريق المتقاعد أحمد شفيق والفريق المقال سامي عنّان الدخول في معترك المنافسة، فمنع كلٌّ بطريقة جلفة ومهينة من الترشّح. الاثنان، قياديّان سابقان في الجيش وشريكان في "شرعيّة يوليو" العسكريّة إبّان عهدها المباركيّ، ولهما الحق في الترشيح وللشعب حرية الاختيار دستوريا، كما تم الاعتداء علي القاضي هشام جنينة الذي تردّد أنّه سيترشّح إلى جانب عنان كنائب له، قُبض عليه سلبقا وأُغرق بالدعاوى قبل أن يتدبّره "مجهولون" أشبعوه لكماً وركلاً.
ليس العسكريين فقط من أحاطتهم الشبهات وجلافة التعامل، اتضح أن المدنيّين أيضاً غير متاحٍ لهم أن ينافسوا، لا سيّما إذا كانوا كالمحامي خالد علي الذي ارتبط اسمه بالدفاع في قضايا حقوق الإنسان، والوقوف صلبا مدافعا عن حق مصر في جزيرتي تيران وصنافير اللتان اقرّت المحكمة الدستورية مصريتيهما، وضُرب بهذا الحكم عرض الحائط وتم تسليمهما بليل لمن لا يستحق ولا يمتلك، وحيل بينه وبين استكمال النسب المبالع فيها من التوكيلات بطرق أقل ما يوصف بها أنها إجرامية.
أمام هذا المأزق، كان لا بدّ من مرشّح يلعب لعبة المنافسة مع السيسي ككمبارس. اليد التي تنشط في الظلام امتدّت إلى حزب الوفد، أقنعت رئيسه السيّد البدوي بالترشّح. كان التقدير الضمنيّ أنّ الأحزاب القديمة قد شاخت وماتت، وأقدمُها بالطبع حزب الوفد الذي فقد ظلّهً. هذا ما قد يُغريهم بالعودة إلى الحياة ولو لساعات من الاستعراض الانتخابيّ الهزلي. لكن الوفد برهن أنّه مازال يملك بعضاً من الوعي الذي لم ينقرض من قيادته، التي رفضت ترشيح رئيسه لمجرّد إكمال الديكور بالكادر السياسي.
في نهاية المطاف وقعت القرعة على موسى مصطفى موسى، رئيس "حزب الغد". موسى هذا غير معروف بالكثير، لكنّه معروف بأنّه "مناصر قويّ للسيسي"، وقد نُسب إليه قوله إنّ السيسي "مَن أقنعني بالترشّح" وأنه لا يعلم من أين أتت آلاف التوكيلات، وأنه سوف يعطي صوته للسيسي. وبعد دخوله المعترك نشرت الصحف له العديد من الخطايا منها أنه لا يحمل مؤهلا عاليا وأن شهادة بكالوريوس الهندسة التي يحملها مزورة وأن عليه العديد من قضايا إصدار شيكات بدون رصيد، ولا ندري حتي كتابة هذه السطور ماذا سيكون الموقف حياله.