الأقباط متحدون - أنطوان سيدهم.. في قلب الوطن
أخر تحديث ٠٣:٠٨ | الجمعة ٢٧ مايو ٢٠١١ | ١٩ بشنس ١٧٢٧ ش | العدد ٢٤٠٦ السنة السادسة
إغلاق تصغير

"أنطوان سيدهم".. في قلب الوطن


بقلم: تريزة سمير
كنت أتمنى أن أراه... ورأيته.. كنت أتمنى أن أسمع ما يجول بخاطره.. وكان. فمن خلال مقالات الراحل "أنطوان سيدهم" رأيته.. أحببته.. تمنَّيت كثيرًا أن أعمل معه في جريدة "وطني"، هذه الجريدة التي وضع كل أحلامه فيها وبها، وأصبحت سرحًا عظيمًا.. كان يوم 2 مايو هو الذكرى السادسة عشر لرحيل "سيدهم"، ولكن سيظل معنا ولن يرحل عن قلوبنا لحظة واحدة.. فآراؤه الحرة نتعلم منها جميعًا، وستظل في أعماقنا.. فكم قدَّم لهذا الوطن الكثير من الحب والتضحية، وكم أخذ على عاتقة قضايا الأقباط واعتبرها جزءًا من كيانه.. تعالوا بنا لنعرف أكثر عن "أنطوان سيدهم"، وكيف كان يرى ويفكر ويحلِّل القضايا الكثيرة التي هي محل اهتمام من جميعنا لأنها جزء منا.

نبذة عن حياته
وُلد في مدنية "طنطا" في 3 مارس 1915، وتلقَّى تعليمه الأولي والثانوي بين مدينتي "الزقازيق" و"الإسكندرية "، ثم تخرَّج في كلية التجارة جامعة "فؤاد الأول" بـ"القاهرة".

عمل محاسبًا قانونيًا، حيث أسَّس مع زميله وشريكه المرحوم الأستاذ "عزمي رزق الله" في عام 1939مكتبًا للمحاسبة والمراجعة، وكان ذلك طليعة المكاتب المصرية التي تكسر احتكار الإنجليز والأجانب لممارسة هذه المهنة في "مصر".

على إثر حركة طرد الأجانب في أعقاب حرب "السويس" عام 1956– قام هو وبعض زملائه وأصدقائه من رجال الأعمال، بشراء أسهم وأصول شركة الكاتب المصري من مؤسسيها الأصليين الأجانب– وهي شركة تعمل في الأنظمة المكتبية والبنكية وما يتصل بها من أجهزة وآلات، علاوة على الحاسبات الإلكترونية والأجهزة المتقدمة للإدارة.

وقد تم انتخاب "سيدهم" رئيسًا لمجلس إدارة الشركة والعضو المنتدب بها وشغل هذا المنصب حتى وفاته.

اُنتخب عضوًا بمجلس الشعب المصري نائبًا عن دائرة "شبرا" عام 1984، حيث كان عضوًا في لجنة الشئون الاقتصادية في هذه الدورة.

كان "سيدهم" دائم الانشغال بقضايا "مصر" والكنيسة القبطية، ففكَّر في إصدار صحيفة تكون بمثابة الباب الذي يعبر فيه هو وزملاؤه الوطنيون عن آرائهم وأفكارهم، للتصدي للقضايا المطروحة على الساحة، علاوة على قيامهم بتقديم خدمة صحفية ذات مستوى راق متميِّز للقاريء في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأدبية والفنية والرياضية.. فجاهد كثيرًا في سبيل الحصول على حق امتياز إصدار الصحيفة، حتى حصل عليه أواخر عام 1958، وصدرت جريدة "وطني" أسبوعية تصدر صباح كل أحد.

آمن "سيدهم" بالعمل الاجتماعي بجانب الكفاح المهني، كما آمن بأهمية تنشئة النشء والشباب على الأصول التربوية السليمة، وتوفير المناخ الصحي المناسب لهم.

كرَّمته الدولة في حياته حينما منحه الرئيس "جمال عبد الناصر" نوط الامتياز في العمل الاجتماعي عام 1966.

ثم بعد وفاته مباشرة، في 22 مايو 1995، منحته الدولة وسام العلوم والفنون من الطبقة الثانية.

منحه الشعب المصري بأقباطه ومسلميه محبته واحترامه وتقديره، لدوره النضالي وجهاده الطويل.

"أنطون سيدهم" والوحدة الوطنية
اعتبر "أنطوان سيدهم" الوحدة الوطنية هي واحدة من أغلى قيم شعبنا ومفخرة من مفاخره العظيمة ورمز نضاله وركيزة مستقلبه.. ولما ألمَّ بهذه الوحدة صدع على يد قلة قليلة من أبناء الوطن ضللتها قوى الشر، وانساقت وراء الأفكار الهدامة التي لا تعرف سماحة الدين، فراحت تمزِّق نسيج الأمة في أحداث متلاحقة؛ انبرى صاحب الوطنية الصادقة والجُرأة الحقة يحذِّر من الاستهانة بالأحداث، وراح يشخِّص الداء ويصف الدواء لكل أوجاع "مصر" وأسقامها.. فالأخطار التي تحيق ببلادنا داهمة تأتي على الأخضر واليابس إن لم تستيقظ وتقوم بوأد الفتنة في مهدها .

رسالة "أنطوان سيدهم" إلى المصريين جميعًا
كانت رسالة "سيدهم" إلى المصريين قوية، فقال:
- على رجال الدين الإسلامي والمسيحي أن يتعاونوا كما تعاونوا دائمًا بعزيمة صادقة وإيمان عميق لوأد المحاولات الخبيثة لزعزعة الوطن ، ولتثبيت معاني الإخوة والمحبة والتعاون إزاء الخطر المشترك.
- على أجهزة الإعلام أن تعمل جاهدة ببرامج مخططة لتوعية الرأي العام جميعه ضد هذه المحاولات الخبيثة وتعبئة المواطنين لصيانة وحداتهم المقدسة.
- على رجال الأمن والإدارة واجب مقدس، وهو الوقوف بكل يقظة وحزم ضد كل من تسوِّل له نفسه أن يطعن وحدة غرسناها ورعيناها وزدنا عنها عبر القرون، وأن أي إهمال في هذا الواجب المقدس يدخل في الخيانة للوطن ومقدساته وحرماته.
- إن وحدتنا الوطنية التي صمدت عبر الدهور كانت مثلًا يحتذى للشعوب في أنحاء العالم، ومثار إعجاب سجَّله العديد من قادة "التحرير" والثورات وأقربهم زعيم الهند غاندي.
- لقد أهدينا للإنسانية حضارة قادتها إلى النور.. وأعطينا البشرية خيرًا وجمالًا وحقًا وقيمًا على رأسها وحدتنا الوطنية.. فما أجدرنا اليوم أن نواصل عطاءنا ونحافظ على وحدتنا، ووأد التيارات الرعناء التي تحاول أن تعصف بالغالي من قيم هذا الشعب وتقضي على مفاخره العظيمة ووحدته الوطنية رمز نضاله وركيزة مستقبله وطريق عزته ونهضته.

رأيه في الأحداث الطائفية التي تمر بها "مصر"
قالها "سيدهم" بصراحته المعهودة: "لو قامت الحكومة منذ بدء الأحداث الطائفية بالقبض على المحرِّضين والمنفذين لأحداث الفتنة ومعاقبتهم بأشد العقاب، لتوقَّفت هذه الأعمال المؤسفة، ولكن الحكومة تلكأت وتهاونت حتى انتشرت الأزمة.

ووسط الألم والأنين لما يلاقيه الأقباط من أحداث متلاحقة، دعا "سيدهم" في وداعة إلى أن يتحلَّى الأقباط بالهدوء والحكمة، قائلًا: "إن محبة إخواتنا المسلمين لإخوتهم الأقباط لا شك فيها.. فهم عظمنا ولحمنا ودماؤنا، وعلاقتنا بهم قوية لا يعتريها أي ضعف. أما هذه الفئة المعتدية فليسامحها الله وليهدها سواء السبيل"..

كتب "سيدهم" الكثير من المقالات التي تناول بها قضية الوحدة الوطنية، منها مقال للحفاظ على الوحدة الوطنية بعنوان "اقطعوا السبيل على المتلاعبين بالدين". وتناول وطنية الكنيسة القبطية خلال مقالاته، كما تناول جميع الأحداث الطائفية التي اجتاحت "مصر"، ولم يغفل الحديث عن حقوق الأقباط فتناول أيضًا حقهم في أجازات أعياد الأقباط.

"أنطوان سيدهم" والقضايا الدينية
جاءت في الصدارة المقالات التي تناولت معاناة الأقباط الشديدة، من عراقيل ومعوقات إنشاء دور العبادة الخاصة بهم، وترميمها، وهو ما يُعرف بـ"الخط الهمايوني".. فكانت أحد مقالاته بعنوان "امسحوا هذه الوصمة من جبين الوطن"، طالب فيها بإلغاء هذا القانون الجائر، ودعا الرئيس "السادات" لأن يرفع عن جبين الوطن هذه الوصمة التي لا يجوز أن تستمر في دولة متحضِّرة تؤمن بالحرية والمساواة. كما تناول مأساة قانون الأحوال الشخصية، والدستور الجديد، والشريعة الإسلامية.

الأقباط والحياة السياسية
تحدَّث "سيدهم" عن دور الأقباط في حكم "مصر"، فطوال هذه المدة فإن تمثيل الأقباط في المجالس النيابية- مع ما هو معروف بإنها مجالس تمثِّل الحاكم أكثر من الشعب- كان يسير حسب رغبة الحاكم سواء من حيث الكم أو من حيث الكيف، فتارة كان عددهم لا يتجاوز عدد أصابع اليدين، كما أنهم من حيث النوعية ففي الغالب ما كان يختارهم الحاكم من المطاوعين الذين كانوا أداة للتصفيق والهتاف له، سواء أصاب أم أخطأ، وفي النادر ما ظهر من بينهم أحد الشخصيات اللامعة.

وأكَّد "سيدهم" أن الأقباط يهمهم جدًا أن يشتركوا في خدمة بلدهم الحبيبة جنبًا إلى جنب مع إخوانهم المسلمين في جميع المؤسسات الدستورية، والمواقع الوطنية، متفانين ومضحين وباذلين كل جهد للوصول إلى الأهداف السامية التي يبتغيها الجميع لازدهار الوطن وتقدمه، ولكن إذا ما اُستبعدوا وأُهملوا، فإنهم يسكتون ويصمتون على هذا الغبن، علمًا بأن الماضي علمنا أن تعاون عنصري الأمة في تسيير أمور "مصر" أتى بالخير الكثير والازدهار الرائع لهذا الوطن الحبيب، وما الفترة من سنة 1919 إلى 1940 إلا خير دليل على ذلك، حين وصلت "مصر" إلى ديمقراطية مشرِّفة ومركز اقتصادي قوي وسليم، نتيجة لتضافر جهود المسلمين والأقباط معًا في العمل الجاد من أجل "مصر".

ما عرضناه هنا هو جزء بسيط جدًا من آراء وكتابات العظيم الراحل "أنطوان سيدهم" التي تدل على الكثير من الوطنية والحب والعطاء والفكر الذي كان نورًا في الماضي وسيستمر معنا في حاضرنا ومستقبلنا.. كنت أتمنى أن أراه لأقول له: "مازال الأقباط يعانون.. مازالوا يصرخون.. ولا مجيب.. لا أحد يسمع صراخهم ونواحهم إلا الله.. لعله يستجيب ويوفقهم في حاكم يكون أمينًا على الوطن".


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter