(ناصر كيرلس) صداقة لا ينساها التاريخ
سامح جميل
الخميس ١٠ مايو ٢٠١٨
سامح جميل
ذكريات علاقة الرئيس الراحل الزعيم جمال عبد الناصر والبابا كيرلس السادس، (8 أغسطس 1902- 9 مارس 1971)، بابا الإسكندرية رقم 116، وبطريرك الكرازة المرقسية فى الفترة ما بين 10 مايو 1959 و9 مارس 1971. والذى يسجل التاريخ فى دفاتره لهما قصة من الصداقة ..
يقول الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل، فى كتابه «خريف الغضب» عن علاقة عبد الناصر والبابا كيرليس: كانت العلاقات بين جمال عبد الناصر وكيرلس السادس علاقات ممتازة؛ وكان بينهما إعجاب متبادل؛ وكان معروفًا أن البطريرك يستطيع مقابلة عبد الناصر فى أى وقت يشاء. وفى لقاء ودى خاص بين عبد الناصر والبابا كيرلس تم فى بداية سيامته بطريركا عام 1959 قال البابا كيرلس لعبد الناصر: إنى بعون الله سأعمل على تعليم أبنائى معرفة الله وحب الوطن ومعنى الأخوة الحقة ليشب الوطن وحدة قوية لديها الإيمان بالله والحب للوطن. ولعل أول مشكلة واجهت البابا كيرلس السادس مع بداية سيامته بطريركا هى رغبته فى بناء كاتدرائية جديدة فى أرض الأنبا رويس بالعباسية؛
ولم يكن لديه الاعتمادات المالية الكافية؛ ويروى الاستاذ محمد حسنين هيكل، أنه تلقى دعوة شخصية من البابا كيرلس للقائه؛ فتوجه إليه وبصحبته الأنبا صموئيل وكان يشغل منصب أسقف الخدمات العامة والاجتماعية، وفى هذا اللقاء فاتح البابا هيكل فى الموضوع وأبدى له حرجه من مفاتحة الرئيس فى الأمر مباشرة حتى لا تكون فيه إثارة أية حساسيات، وعندما فاتح هيكل الرئيس فى الأمر أبدى تفهما كاملا؛ فكان يرى أهمية وحقوق الأقباط فى النسيج المصرى الواحد؛ ثم إنه كان على وعى كامل بالمركز الممتاز للكنيسة القبطية ودورها الأساسى فى تاريخ مصر. وهكذا قرر أن تساهم الدولة بنصف مليون جنيه فى بناء الكاتدرائية الجديدة، نصفها يدفع نقدا ونصفها الآخر يدفع عينا بواسطة شركات المقاولات التابعة للقطاع العام، والتى يمكن أن يعهد إليها بعملية البناء. وبالفعل تم وضع حجر الأساس فى بناء الكاتدرائية فى 24 يوليو 1965 بحضور الرئيس عبد الناصر والبابا كيرلس السادس. حيث ألقى الرئيس عبد الناصر خطابا قال فيه: أيها الأخوة؛ يسرنى أن أشترك معكم اليوم فى إرساء حجر الأساس للكاتدرائية الجديدة. فحينما تقابلت أخيرا مع البابا فى منزلى؛ فاتحته فى بناء الكاتدرائية؛ وأن الحكومة مستعدة للمساهمة فى هذا الموضوع،
ولم يكن القصد من هذا فعلا المساهمة المادية، فالمساهمة المادية أمرها سهل ويسير؛ ولكننى كنت أقصد الناحية المعنوية. إن هذه الثورة قامت أصلا على المحبة؛ ولم تقم أبدا بأى حال من الأحوال على الكراهية والتعصب، هذه الثورة قامت وهى تدعو للمساواة؛ ولتكافؤ الفرص؛ والمحبة والمساوة؛ لأنه بالمحبة والمساواة؛ وتكافؤ الفرص نستطيع أن نبنى المجتمع الصحيح السليم الذى نريده والذى نادت به الأديان. ويروى لنا محمود فوزى فى كتابه «البابا كيرلس السادس وعبدالناصر» أن البابا كيرلس السادس زار الرئيس ذات يوم فى منزله؛ فجاء إليه أولاده. وكل منهم معه حصالته؛ ثم وقفوا أمامه؛ وقال له الرئيس «أنا علمت أولادى وفهمتهم إن اللى يتبرع لكنيسة زى اللى يتبرع لجامع، والأولاد لما عرفوا إنك بتبنى كاتدرائية صمموا على المساهمة فيها. وقالوا حنحوش قرشين؛ ولما ييجى البابا كيرلس حنقدمهم له، وأرجو ألا تكسفهم وخذ منهم تبرعاتهم» فأخرج البابا كيرلس منديله ووضعه على حجره ووضع أولاد عبدالناصر تبرعاتهم؛ ثم لفها وشكرهم وباركهم. وفى حفل افتتاح الكاتدرائية يوم الثلاثاء 25 يونيو 1968؛
حضر الزعيم جمال عبد الناصر والبابا كيرلس السادس والإمبراطور هيلاسلاسى إمبراطور إثيوبيا. ومن القصص الجميلة التى تروى عن هذا الحفل أنه أثناء صعود البابا والرئيس لسلالم الكاتدرائية؛ صدرت أنة ألم خفيفة من الرئيس الراحل؛ فالتفت إليه البابا وسأله: ما بالك يا سيادة الرئيس ولماذا تتألم؟ لعلنى أنا الذى يحق لى أن أتأوه؛ إذ مازلت أشعر بألم فى ساقى إثر الجلطة التى أصابتنى فى العام الماضى. فرد عليه الرئيس إننى أشعر بآلام فى ساقى أيضا؛ فرد عليه البابا ولماذا لم تخبرنا بذلك إننا كنا على استعداد لتأجيل الحفل حتى تتماثل سيادتكم للشفاء الكامل؛ فرد عليه الرئيس «لا بل أنا مسرور هكذا». وعندما توفى الرئيس عبد الناصر فى 28 سبتمبر 1970؛ أصدر قداسته بيانا جاء فيه «إن الحزن الذى يخيم ثقيلاً على أمتنا كلها؛ لانتقال الرئيس المحبوب والبطل المظفر جمال عبد الناصر؛ إلى عالم البقاء والخلود؛ أعظم من أن يعبر عنه أو ينطق به.
إن النبأ الأليم هز مشاعرنا جميعا ومشاعر الناس فى كل الشرق والغرب بصورة لم يسبق إليها. ونحن لا نستطيع أن نصدق أن هذا الرجل الذى تجسدت فيه آمال المصريين يمكن أن يموت. إن جمال لم يمت ولن يموت؛ إنه صنع فى نحو عشرين سنة من تاريخنا ما لم يصنعه أحد من قبله فى قرون. وسيظل تاريخ مصر وتاريخ الأمة العربية إلى عشرات الأجيال مرتبطا باسم البطل المناضل الشجاع؛ الذى أجبر الأعداء قبل الأصدقاء على أن يحترموه ويهابوه؛ ويشهدوا أنه الزعيم الذى لا يملك أن ينكر عليه عظمته وحكمته». ثم توجه إلى القصر الجمهورى بالقبة؛ وبصحبته وفد كنسى وتقابلوا مع أنور السادات مقدمين له واجب العزاء. وسجل قداسته كلمة فى سجل التشريفات بقصر القبة قال فيها: «يوم حزين على بلادنا وبلاد الشرق العربى؛ ما أعظم الخسارة التى لحقت بنا جميعا. إن اسم هذا البطل سوف يظل مرتبطا بتاريخ مصر والعرب وأفريقيا ودول عدم الانحياز؛ بل وبتاريخ الأسرة البشرية كلها».!!