الأقباط متحدون - الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد؟ (10) سنوات القلق.. الدخول العربى والإنقطاع المعرفى الثانى
  • ٠٠:٠٥
  • السبت , ١٢ مايو ٢٠١٨
English version

الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد؟ (10) سنوات القلق.. الدخول العربى والإنقطاع المعرفى الثانى

كمال زاخر موسى

مساحة رأي

١٤: ٠٣ م +02:00 EET

السبت ١٢ مايو ٢٠١٨

الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد؟ (10) سنوات القلق.. الدخول العربى والإنقطاع المعرفى الثانى
الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد؟ (10) سنوات القلق.. الدخول العربى والإنقطاع المعرفى الثانى

أجدنى بحاجة إلى التأكيد على أن سطورى لا تتناول "الإسلام" الدين، وإنما تقترب من المرحلة التاريخية التى عاشتها مصر، وتحديداً الأقباط والكنيسة، بعد قدوم العرب فى القرن السابع الميلادى. حتى لا نختطف الى دوامات جدل لا محل لها.

وهى حاجة تولدها حالة التربص التى تسيطر على دوائر الحوار، إن وجدت، والتى صارت معها أعصاب كثيرة فوق الجلد، تحت تأثير الربط القسرى بين العرب والإسلام، إلى حد اعتبار تحليل ما يرتبط بالأول تعريض بالثانى، ومع التراجع المعرفى انخفض سقف الطرح الموضوعى، وتم تقديس التاريخ، وصار الطرح العام أقصر الطرق إلى ساحات المحاكم، ليقبع صاحبه خلف الأسوار، إزدراءً وإنكاراً لما هو متفق عليه فى تاريخ ملتبس.

•    أن مصر لها ثقافتها وحضارتها وكيانها قبل القدوم العربى، وقد تأثرت بالضرورة به، وأن صار لسانها عربياً، ومن ثم صارت الثقافة العربية رافداً كبيراً فى تكوينها الثقافى، والتحولات الحضارية، بفعل تلاقح الثقافات والحضارات. إلا أن الثقافة المصرية تظل متواصلة مع طبقات الثقافات التى تكونها، حتى إلى الثقافة المصرية القديمة، والثقافة اليونانية سواء بفعل انتمائها المتوسطى، أو بفعل الحقبة الرومانية، بحكم التاريخ، وقبل هذا وبعده الثقافة الأفريقية بحكم الجغرافيا. لكنها تبقى مصرية الحضارة والفكر بنكهات متعددة، تضفى عليها الكثير بفعل ثراء التنوع والتعدد المنصهر فى بوتقتها.

لكننا لا نستطيع أن نجهل أن الحاضر المعاش ولد من رحم الأمس، وأن التاريخ سلسلة ممتدة من التفاعلات المعقدة، وليست كلها "طوباوية" أو "مثالية" وليست كلها "شريرة" بطيعة الحال، بل هى فى مجملها صراع قوىَ، يصبغ المنتصر الأحداث بصبغته، ويسجل مؤرخوه تاريخه كما يراه ولحسابه، لكن وثائق ومخطوطات وشهادات معاصريه، موالاة ومعارضة وحلفاء وخصوم، وآثار زمنه قد تكفل تقديم قراءات أخرى للأحداث، وبقدر التوافر على دراسة التاريخ من مصادر متعددة تكون الموضوعية فى التحليل وفهم ما كان.

•    بحسب عديد من الدارسين لم يأت العرب إلى مصر، فتحاً أو غزواً، بغرض نشر الإسلام، ولم يتعاملوا مع طبيعتها وثقافتها وحالها وناسها من منطلقات دينية، ولعل هذا يفسر بقاء المصريين خارج دوائره لثلاثة قرون وربما أكثر، فقد كانت طبيعة المرحلة تدفع العرب للخروج من وادى الرمال وضيق الحياة فيه إلى رحابة البلاد التى تفيض ارضها بالخير بفعل النهر والأرض السمراء، وكانت المرويات عنها والتى يحملها التجار بعد عودتهم من رحلاتهم ، تثير خيال عرب الجزيرة، فتنامى حلم اخضاعها لسيطرتهم، وكانت اللحظة مواتية، وقد انهكتها الصراعات بين محتل عتى، وبين الجراح التى اثخنت جسدها بجروح غائرة، جراء فرض قيادات دينية مذهبية مغايرة بقرارات امبراطورية عليها، فصار على رأسها بطريرك خلقيدونى تعقب البطريرك السكندرى ونفاه، أو لعله هرب من بطشه، الى صحارى وادى النطرون واعتقل اساقفته وعين بدلاً منهم اساقفة خلقيدونيون، ومد سلطانه على كنائس الكرازة، وجمع بين السلطتين المدنية والدينية ليصير بطريركاً وحاكماً، والذى يعرفه التاريخ بـ "المقوقس" التى تعنى عظيم القبط، وهو البطريرك سيرس أو ساويرس.

•    ما بين القرنين العاشر والحادى عشر يحدث التحول فى عقيدة الأغلبية، ليصر الأقباط المسيحيون أقلية، ويصير لسانهم عربياً، ويبقوا زماناً غير قليل يتأرجحون بين القبطية اللغة الغابرة والعربية اللغة المفروضة، يسعون لفهمها قبل ان ينجحوا فى إجادتها، ولعل من يذهب الى الكنائس الأثرية بمصر القديمة يجد أثر ذلك على السطور العربية التى تحملها الأيقونات، وقد كتبت بذهنية قبطية، لم تكن تعرف التشكيل فصارت "الضمة" "واواً"، و "الفتحة" "ألفاً".

كان من نتيجة ذلك أن صار لدينا جيلاً وربما أجيال تعانى من الإنقطاع المعرفى اللاهوتى تحديداً، تتناقل صلواتها عبر التعليم الشفاهى، ويحسب لها إحتفاظها بمنظومة ليتورجيتها، مجموع الطقوس والصلوات، حتى وإن تناقلتها بغير إدراك لمضامينها، وكانت سر بقاء المسيحية فى مصر.

ويلخص الأب متى المسكين المشهد فى كلمات موجزة  "واستيقظ الأقباط وإذا بهم قد نسوا لغتهم الأصلية، فباتت كل مخطوطاتهم التى ملأت خزانات الكتب فى البيوت والكنائس والأديرة ـ مئات الألوف المكتوبة باليونانية والقبطية ـ بلا قيمة ولا معنى ولا أثر، كحجر رشيد الملقى على شاطئ البحر ينتظر من يترجمه لأولادها، لذلك كانوا يُفرِّطون فى بيعها لسارقى المخطوطات من الأجانب."    

•    ويثير أحد الباحثين قضية الترجمة اللاحقة وتأثرها بالمصطلحات العربية السائدة، فى استخدام كلمات، تصور المترجم أنها تعطى المعنى المقصود فى الأصل اليونانى، بينما أخذتنا الى دوائر مثيرة للجدل، وتحتاج الى بحث المتخصصين وتناولها بما تستحق من اهتمام، وقد حجبت أسم الباحث حتى لا نُختطف الى جدل مشخصن، صار عنوان ما يدور من مواجهات الآن، يقول :

[التأثير اللغوى نراه فى استبدال كلمة (خدمة) بكلمة (عبادة)، وصارت الصلاة ليست خدمة الثالوث لنا، بل عبادتنا نحن للثالوث، والأخطر هو تحول كلمة (حق) فى أسفار العهدين القديم والجديد إلى (بر وعدل)، ومنها دخل الى قاموس اللاهوت النظرى (العدل الإلهى)، وتظهر اختلالات الترجمة فى ميمر العبد المملوك والذى كان يُقرأ يوم الجمعة العظيمة، ويحمل أخطاء لاهوتية فادحة، وقد انتبهت الكنيسة لهذا فمنعت قراءته. وينسحب الأمر إلى تسلل كلمة (القصاص) التى لم ترد فى أى نص يونانى أو قبطى، وبعض الكلمات فى الترجمة المتداولة للكتاب المقدس تحتاج إلى ضبط على اصولها اليونانية ...].

ويبدو أنه قد إقترب من أحد أهم أسباب المواجهات الحالية بين الفرقاء، فقد اعتمد فريق منهم على ما توفر لديه من ترجمات عبر لغة وسيطة عن اليونانية لم تتأثر فقط بمشكلات النقل بين اللغات ولكنها تأثرت أيضاً بذهنية المترجم وما وقر فيها من مفاهيم، باختلاف انتماءاته المذهبية والدينية أيضاً.

•    ومن تأثير المناخ السائد فى شرقنا العربى نرصد الإهتمام باحتفالات "القيامة" أكثر من "الميلاد"، بينما الغرب يولى احتفالات "الميلاد" نصيباً أوفر من احتفالات "القيامة"، وليس فى الأمر تفضيلاً "لاهوتياً" فى الحالين، لكن الشرق يذهب للتأكيد على ألوهية المسيح فى مواجهة إلحاح لا ينقطع من خارج المسيحية على انكار هذا، وغير بعيد يتزايد عندنا التعليم بضعف الإنسان وهشاشته على حساب ثقافة الإنتصار والغلبة، ومتوالية السقوط والقيام، واعتبار عكس ذلك تنويعات على الكبرياء والغرور الذى يقود للسقوط، ويتدعم هذا بمرويات فلكلورية عن قديسين لم يتيقنوا من خلاصهم حتى بعد انطلاقهم من الأرض، حتى وضعوا اقدامهم فى "السماء"، كما تتحدث الحكاية عن القديس مقاريوس وحواره مع الشيطان (!!).

بينما نجد الغرب متحرراً من هذا الضغط لا يتوقف عن التغنى بإنسانية الله وتجسده، مؤكداً على مكتسبات "الإنسان" التى صارت له فى "المسيح الإنسان" "الإله المتجسد"، والذى لولا تجسده وإنسانيته الكاملة لبقى الإنسان فى الظلمة وتحت حكم الناموس والموت. وقد ترجمته الكنيسة فى تسبحتها "هو أخذ الذى لنا وأعطانا الذى له نسبحه ونمجده ونزيده علواً" (ثيئوطوكية الجمعة).وينعكس هذا على تحول حدث الميلاد إلى احتفال يغطى تفاصيل يومه وحياته بشكل لافت ومثير فيما نراه من احتفالات "الكريسماس"، والتى تجاوزت كونها احتفالات دينية.

ما بين التعليم على خلفية "لاهوت الحياة" والتعليم المنطلق من "ثقافة الموت" تدور رحى المواجهات التى اندلعت بين الفرقاء مؤخراً.

•    لذلك يمكننا بعد طوافنا الممتد بحثاً عن إجابة لسؤال "الكنيسة : صراع أم مخاض ميلاد؟" أن نقول، بغير التفات إلى ضجيج مصطنع، أننا ازاء مخاض ميلاد، نسترد معه مفاهيم ايماننا وفق تسليم الإنجيل وخبرة الكنيسة، ويحتاج لكى يطلق صرخة الحياة ويعلن عن اكتمال ميلاده أن نواجه اختلالات مؤسساتنا التعليمية "الكنسية" وفق القواعد الأكاديمية اللاهوتية، والتى اشرنا إليها مراراً فى طرحنا.
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
ولكن هل للمخاض من دلالات؟
هذا ما سنتناوله فى المقالات القادمة

الكلمات المتعلقة