ميزوفونيا: هل يصيبكم بعض الأصوات كالقرمشة ورشف القهوة بالهستيريا؟
منوعات | رصيف 22
الثلاثاء ١٥ مايو ٢٠١٨
هل أنتم من الأشخاص الذين يتجنبون الذهاب إلى السينما بسبب قرمشة الـ"بوب كورن" أو يزعجكم الجلوس بالقرب من شخص يمضغ طعامه بشراهة ويصدر أصواتاً معيّنة أثناء تناول الحساء أو احتساء المشروبات؟ ربما يزعجكم صوت نقر الأصابع على لوحة المفاتيح؟
إذا كانت أبسط الأصوات تثير غضبكم وتصيبكم بالغثيان، لدرجة تجعلكم تتلافون مصدر الصوت أو تحاولون إيقافه، فهذا قد يكون مؤشراً على إصابتكم بمتلازمة الـ"ميزوفونيا".
من المضغ، والشخير، والسعال، ورشف القهوة، وصرير القلم حتى الهمس والتنفس: لماذا تسبب بعض الأصوات إزعاجاً شديداً لبعض الأشخاص؟
كراهية الصوت
في الماضي، كان يُنظر إلى الأفراد الذين لديهم انزعاج كبير من بعض الأصوات على أنهم حساسون بشكل مفرط ويبالغون في ردات فعلهم، وبالتالي لم يكن يؤخذ وضعهم النفسي على محمل الجدّ، إلا أنه في العام 2002 ظهر مصطلح "ميزوفونيا" مع العالمين "باول ومارغريت جاستربوف" في إشارة إلى اضطراب "كراهية الصوت" أي الحالة العصبية التي يصاحبها رد فعل سلبي تجاه أصواتٍ معيّنة، مثل المضغ، والتنفس بصوتٍ عالٍ، والنقر بالقلم بشكل متكرر.
أوضح موقع "ذو كات" أن ظهور اضطراب "كراهية الصوت" يبدأ في مرحلة الطفولة أو المراهقة وتحديداً في عمر 13 عاماً، بحسب ما أكدته دراسة هولندية، أما الاستجابة الأكثر شيوعاً فكانت الانزعاج المصحوب بالغضب والقرف.
أقوال جاهزة
بالرغم من أن المصابين بمتلازمة حساسية الصوت الانتقائية، يدركون جيداً أنهم يبالغون أحياناً في ردات فعلهم على بعض الأصوات، فإنهم يعترفون بأنه ليس بإمكانهم السيطرة على تصرفاتهم
المصابين بالـ"ميزوفونيا" غالباً ما يخشون الإفصاح عن معاناتهم، خوفاً من نظرة المجتمع، كما أن بعض الأطباء لا يكونون على دراية تامة بالمرض، مما يسبب خللاً في المعالجة
وقد اعتبر الباحثان "جاستربوف" أن هذه الحالة لا ترتبط بحدة الصوت إنما بتجارب شخصية، لأن المشاعر السلبية تتولد من جديد لدى المصابين بمتلازمة حساسية الصوت الانتقائية عند سماعهم بعض الأصوات المحفزة.
حالة مرضية؟
على مدى السنوات، حارَ العلماء في كيفية تحديد الـ"ميزوفونيا"، التي تختلف عن "الفونوفوبيا" (الخوف من الأصوات المرتفعة) محاولين الإجابة عن السؤال التالي: هل يمكن أن تشكل "كراهية الصوت" حالة مرضية حقيقية؟
بهدف الغوص في الأسباب التي تؤدي إلى ظهور اضطراب الميزوفونيا ومعرفة إمكان تصنيف هذه الحالة مرضاً، قامت مجموعة من الباحثين في بريطانيا في العام 2017، بدراسة نشرت في مجلة "كارنت بيولوجي". قام الباحثون باستخدام تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي لمسح أدمغة 20 شخصاً يعانون من الميزوفونيا مقابل 22 لا يعانون من هذه الحالة.
ومن أجل مقارنة الإستجابة العصبية والفيزيولوجية بين الفريقين، تم إخضاعهما إلى 3 أنواع من الأصوات:
-أصوات محفزة مثل الأكل وصوت التنفس.
-أصوات مزعجة لا يٌحبذ أحدٌ سماعها، مثل صراخ الأطفال.
-أصوات محايدة، مثل صوت المطر.
بعد الاستماع إلى كل صوت على حدة، اتضح أن الأصوات المحفزة أثارت غضب الأشخاص الذين يعانون من الميزوفونيا، وسببت لديهم بعض التغييرات الفيزيولوجية مثل التعرق والارتفاع غير المبرر في معدل ضربات القلب.
ولكن ما هي علاقة الدماغ بالموضوع؟
كشفت الدراسة وجود تغييرات في أجزاء من الدماغ بعد سماع أصواتٍ معيّنة، خاصة أن القشرة الانعزالية الأمامية- المرتبطة بالعاطفة شهدت زيادة في نشاطها لدى الأشخاص الذين يعانون من "الميزوفانيا" بعد سماع الأصوات المحفزة، مما يفسر ردود أفعالهم السلبية، وظهور علامات التوتر والتعرق وزيادة معدل ضربات القلب وغيرها من العوامل الفيزيولوجية.
وبالتالي خلص العلماء إلى القول إن متلازمة "الميزوفانيا" هي اضطراب حقيقي مرتبط بنشاط الدماغ وفق الدكتور سوخبيندير كومار، من معهد العلوم العصبية في جامعة نيوكاسل ومركز ويلكوم للتصوير العصبي: "هذه الدراسة تحمل أخباراً سارة للأشخاص الذين يعانون من الميزوفانيا، إذ أظهرنا لأول مرة اختلافاً في بنية الدماغ ووظيفته لدى المصابين"، كما أشار "سوخبيندير" إلى أن هذه الدراسة تكشف التغييرات التي تحصل في الدماغ، كدليل إضافي لإقناع المجتمع الطبي المشكك في حقيقة هذه الحالة.
كيف يعبّر "كارهو الصوت" عن غضبهم؟
تجاهل الأصوات المزعجة قد يكون مستحيلاً لدى فئةٍ من الناس.
فاهتمام المصابين بمرضى "ميزوفونيا" يتزايد في كل مرةٍ يكونون في موقفٍ يعرضهم لأصواتٍ معيّنة، فيصبّون كل اهتمامهم على مصدر الصوت من دون إمكان تجاهله، مما يضعهم أمام خيارين: إما العنف أو الهروب.
فبالرغم من أن المصابين بمتلازمة حساسية الصوت الانتقائية، يدركون جيداً أنهم يبالغون أحياناً في ردات فعلهم على بعض الأصوات، فإنهم يعترفون بأنه ليس بإمكانهم السيطرة على تصرفاتهم.
ففي أغلب الأحيان، يشعر المصاب بهذه الحالة بضغط نفسي كبير جراء سماع أصواتٍ صادرة عن المقربين منه، مما يجعله ينسحب من بعض الأمكنة ويتلافى حضور بعض المناسبات الاجتماعية، وإذا كان في مكان معيّن وسمع صوتاً يضغط على أعصابه، فقد يصاب بالغضب الشديد ويعبر بعنفٍ عن انزعاجه.
في الواقع، تختلف أعراض الـ"ميزوفونيا" من شخصٍ إلى آخر، إلا أن ردود الفعل غالباً ما تكون سلبية، فقد كشفت دراسة أن 29% من الأشخاص باتوا عدوانيين من الناحية اللفظية عند سماع أصوات محفزة، في حين أن 17% من الأفراد حوّلوا عدوانيتهم نحو الأشياء. وقد ذكرت نسبة صغيرة من العيّنة (14%) أنها تصرفت بطريقة عدائية ( جسدياً) مع الآخرين الذين كانوا يصدرون أصواتاً معينة.
وأشارت بضع دراسات إلى تأثير الـ"ميزوفونيا" السلبي على حياة البعض لدرجة تجعلهم يتجنبون المناسبات الاجتماعية، وقد يصل بهم الأمر إلى حدود التفكير بالانتحار.
في هذا الصدد، يوضح الدكتور سوخبيندير كومار لموقع "بي بي سي":"أن المصابين بمتلازمة "ميزوفونيا" يذهبون إلى أبعد حدود عند سماع بعض الأصوات"، مشيراً إلى أن الحالة التي تسيطر عليهم هي "الغضب"، الذي يبدو في البداية وكأنه رد فعل طبيعي إلا أنه يتزايد بشكل مبالغ فيه.
الجدير بالذكر أن المصابين بالـ"ميزوفونيا" غالباً ما يخشون الإفصاح عن معاناتهم، خوفاً من نظرة المجتمع، كما أن بعض الأطباء لا يكونون على دراية تامة بالمرض، مما يسبب خللاً في المعالجة.