دعونا نمر على البديهيات مرة أخرى
مقالات مختارة | بقلم هبه خطاب
الاربعاء ٢٣ مايو ٢٠١٨
اعتناقك لأيدولوجية ما، دينية أو سياسية بيصعب عليك النظر للأمور بموضوعية، بيصعب عليك حتى فهم بديهيات يفترض كونها واضحة لكل إنسان عنده عقل وإنسانية.
وبما إن مفيش أسبوع بيعدي من غير حادث إرهابي ما بيرتكب تحت مظلة القدسية ودا شيء مرعب، والأكثر إرعابا أن ملايين بتدعم الأفكار دي ومؤمنة بيها حتى لو مش بيشاركوا، هنمر على شوية من البديهيات السهلة الصعبة دي:
* قتل الناس لمجرد إنهم مش شبهي مش حل، عشان مفيش إنسان على وجه الأرض شبه غيره تمامًا في كل حاجة، دايمًا هنبقى مختلفين ودايما لازم نلاقي حل لدا عشان نتعايش، والحل مش إننا نموت بعض، أكيد مش غرض الحياة أننا نستثني الذكر المسلم السني ونفني باقي البشر، مش معايا برضه؟!
* حرية الرأي والتعبير معناها أني ممكن أسمع كلام مايعجبنيش، ونفس مبدأ حرية الرأى يكفل لي إني أرد بأي من وسائل التعبير المشروعة، والوسائل المشروعة مش من ضمنها القتل، كون حضرتك غيور على دينك مش معناه أن اللي يفتح بقه ترد عليه بالسلاح، وآه، معلش على الصدمة دي بس حرية الرأي المكفولة دي تتضمن السخرية من أي رمز حضرتك ممكن تكون بتقدسه، عشان فيه مليارات من البشر على نفس الكوكب مش بتقدس هذا الرمز ولا يعنى ليها أي شيء.
لو قلت لحضرتك فيه طوائف في بلاد “واق واق” بتقدس البقدونس دا هيخليك تقدس البقدونس؟! هل هتبطل تحطه على السلطة وتستخدم اسمه فى كلامك؟! هل لو حد قالك لو سمحت بطل تسخر من البقدونس عشان بتجرح مشاعري هتشوف الكلام ده له أي معنى بالنسبة لك؟ بيقدسوه يا أخي! راعي مشاعرهم!
يبقى إيه الحل؟ بسيطة!
فيلم مسيء؟ ماتتفرجش عليه!
رسوم مسيئة؟ ما تشوفهاش!
أغانى مسيئة؟ ماتسمعهاش!
مقال مسيء؟ ماتقرأهوش!
دايما عندك الخيار أن اللى بيضايقك ممكن تختار أنه مايبقاش موجود في حيز وعيك، مش لازم تفنيه من الوجود، لكن ممكن تختار ماتتعرضش له ببساطة، لهذا خلق الله الريموت كنترول وعلامة الـ X في أعلى الصفحة، وزرار البلوك.
* كونك شايف أن دينك هو الحقيقة المُطلقة لا يجعله كذلك، دينك مقدس عندك لأنه دينك، رموزك المقدسة أنت بس اللي بتقدسها، ناهيك عن أن كل أتباع الأديان بيشوفوا أديانهم حقيقة مطلقة، تخيّل معايا لو كل واحد فيهم شاف أن الحقيقة المطلقة بتاعته لازم تطبق على الناس بالقوة عشان هو أدرى بمصلحتهم؟! تو ماتش أكشن!
خلونا نبقى موضوعيين وصرحاء مع أنفسنا، مفيش أدلة “مادية” تدعم أي ديانة بيعتنقها البشر، الدين كله مبني على الإيمان بفكرة غيبية، دا جوهر الإيمان أصلا، وبالتالي فكرة يقينك الغيبي المطلق دي هي فكرة ذاتية تماما ليست خاضعة لمقاييس موحدة بين البشر يمكن البت فيها.ارهاب
تانى: كونك متأكد من حاجة مش بيخليها حقيقة بالنسبة للآخرين كمان إلا لو في أدلة مادية عليها يقدر كل البشر يلمسوها، وبما أن كل أتباع الديانات ماعندهمش أدلة مادية تثبت أن هم الصح يبقى مفيش وسيلة تقنع كل البشر بالحقيقة اللي أنت مؤمن بيها دي، هيفضل دينك تجربة ذاتية تخصك مش ملزمة لغيرك ولا في طريقة نخلي كل البشر يؤمنون بيها غصب واقتدار.
* الأخلاق نسبية، زيها زي أي حاجة تاني في حياتنا، اللى بتشوفه عيب وحرام غلط من تصرفت الآخرين ممكن مايبقاش كده من وجهة نظرهم، طيب يعنى تبقى فوضى بقى واللي عايز حاجة يعملها؟!
لأ مش هتبقى فوضى، الفيصل هو إن تصرفات الآخرين دى لا تفرض عليك، ولا تؤثر عليك بشكل مادي مباشر، دا حقك الوحيد، القوانين تم وضعها لهذا الغرض، بتحمى حقنا في أننا نتصرف في أنفسنا وأجسادنا وممتلكاتنا بحرية، في إننا نفكر بحرية ونعبر عن أفكارنا- أيا كانت- بحرية طالما لا نعتدي على حق الآخرين في نفس الحرية، طالما لا ندعو إلى العنف، بسيطة دى؟
يعنى كونى شايف أشخاص منحلين أخلاقيا من وجهة نظري أو بيعبروا عن أفكار أنا بشوفها شاذة لا يعني أني من حقي أحاسبهم أو أعاقبهم طالما مش بيتعرضوا لي بالأذى ومش بيجبروني على المشاركة معاهم، ولو أنا مؤمن أن كل إنسان عنده عقل ومسؤول عن تصرفاته يبقى كلام زى “إشاعة الفاحشة بين الناس” دا كلام مالوش معنى، هما الناس دول مش عندهم عقول ومكفول حقهم فى الاختيار؟! سيبهم يختاروا يا أخي!
فى الآخر بقى لو عايز تعرف الفرق بين اللى فاهم البديهيات دى وبين اللى غرقان فى ذاته وشايف الكون بيتمحور حواليه وحوالين عقيدته وأفكاره، شوف الفرق بين اللى بيرتكب جرائم إرهاب لأسباب دينية وبين رد الفعل اللى بنشوفه من البشر، بنشوف تأكيد على فكرة التسامح وحماية حق الآخرين فى الوجود، حملة “سأركب معك” “IWillRideWithYou” اللى انطلقت لطمأنة مسلمي أستراليا بعد حادث سيدني مثال على الإدراك دا.
عقبالنا إن شاء الله.
نقلا عن صوت العلمانية