الأقباط متحدون - قهوة فرنساوي
  • ٠٤:١٤
  • الخميس , ٧ يونيو ٢٠١٨
English version

قهوة فرنساوي

سامح سليمان

مساحة رأي

٣٧: ٠٧ م +02:00 EET

الخميس ٧ يونيو ٢٠١٨

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
بقلم : سامح سليمان 
نفس الروتين اليومي، شعور دائم بالغثيان يرافقني من الاستيقاظ حتى النوم،ألم أسفل الظهر وصداع يمسك بجانب رأسي،حتى بعد أن تنتهي دورتي الشهرية، نفس الألم بلا زيادة أو نقصان،الفارق فقط يكمن في توفير ما أنفقه من نقود على شراء الفوط الصحية، وعدم الاضطرار إلى تناول القرفة،الترياق بل وربما سر الداء يقبع في مكانه الدائم وهو حجرة المطبخ،ولكن لابد أن أنتظر خروج أختي المتزوجة وأطفالها بعد انتهائها من إعداد طعام الإفطار لزوجها كريه الرائحة،ثقيل الوزن والظل، فمنذ وفاة والدانا وأنا والمنزل نرزح تحت نير احتلالهم،لن أنتظر الجلاء، بل سأجبرهم على الخروج بطريقتي الناجعة،سأخرج من حجرتي برداء النوم الأزرق القصير،وسأجلس منتظره خروجها مع أطفالها من المطبخ واضعة الساق فوق الساق، أمام ناظري زوجها الجالس بفانلته الداخلية متعللاً بشدة الحر.
 
كم أستمتع برؤيتها تكتوي بنيران الغيرة، ويأكلها الغيظ وهي تختلس النظر؛ وترى زوجها لاهثًا يرغي ويزبد متأملاً جسدي، متفرسًا تفاصيله،فتلسعها هي الأخرى نيران الموقد فتصرخ في أطفالها بغضب.
 
ليست تلك أختي التي طالما لعبنا سويًا وتشاركنا أدق الأسرار، فمنذ أن تزوجت صرنا غرباء، بل أعداء نتشارك محل الإقامة إلى حين، وينتظر كل طرف رحيل الآخر، بل ويتمنى له الموت في بعض الأحيان.
 
ها هي تصرخ في أطفالها وتخرج مهرولة كاتمة غيظها وحسرتها على جسدها، الذي خاصمته الأنوثة بعد الزواج، طفلتها الكبرى تصطدم بي متعمدة؛فأعرقلها لتسقط على وجهها، ويسقطها منها طبق الفول بالبيض المقلي؛ فينكسر الطبق وتتناثر أجزاؤه، وتغرق الأرض وملابس البنت ببقايا الطعام؛ فتصفعها أمها وتجري الطفلة باكيةً إلى حجرتها؛ أبتسم متشفيةً،أسمعهم يتحدثون عني بصوت خفيض، أسترق السمع ولكن لا تصلني كلماتهم؛ فأبصق بعنف في حوض المطبخ لاعنةً الناس والأيام بصوت مرتفع.
 
أغلق باب المطبخ حتى لا أرى وجوههم القميئة وأسنانهم، وهي تصطك بعنف أثناء تناولهم الطعام كالضباع الشرهة،بخلاف صوت تجشؤ زوجها المتكرر، الذي يدفعني لتقيؤ ما في جوفي، أبحث عن علبة البن الكولومبي خاصتي؛ للبدء في إعداد قهوتي الفرنسية،أجدها في غير مكانها كالعادة، أفتح القفل وأضع ملعقة واحدة فقط وليست ملعقتين، كما أعتدت أن أضع فيما مضى حين كنت أتناول القهوة التركية،فنسبة الكافيين في البن الكولومبي أعلى بكثير،ثم أضع ملعقتين من السكر، وبعض اللبن خالي الدسم مع التقليب، ثم أضعهم على نار هادئة جداً، وأُشعل سيجاره،وأتذكره منذ أن افترقنا العام الفائت لا أنفك عن مقاومة أي ذكرى تحاول المرور بخاطري، ولكن تنهار دفاعاتي وتتحطم أسواري أمام ذكرى إعدادنا سوياً لقهوتي الفرنسية، فهذه الذكرى ترتبط بالمرة الأولي التي عرف بها كل طرف الآخر، كل رشفة ارتشفناها كانت تحمل مذاقً شفتي الطرف الآخر؛ لذا من أهم طقوس احتسائي لقهوتي الارتشاف ببطء شديد،فمذاق شفتيه لم يغب عن ذاكرة حاسة التذوق خاصتي، حتي قبل أن يكتمل النضج،استمتعت بارتشاف رحيقه وتذوق طعم البن الخام من فوق شفتيه بعد تجردي من كل ما هو مادي أو معنوي، يمكن أن يعيق توهج الرغبة وتدفق المتعة،صاعدةً فوق قدميه وأنا معطية إياه ظهري فقد كان أطول قامةً ،ليحتضني بقوة معتصراً دلائل أنوثتي، يبدو أن الكائنات القابعة بالخارج قد اقتربت من أن تنتهي من ملء بطونهم، وها هي قهوتي أيضًا قد نضجت،واقتربت من الفوران، أطفئ النار وألقي بالسيجارة التي اقتربت من أن تحرق شفتاي،أرتشف قهوتي بتلذذ وببطء كعادتي؛ لأقتنص بعض المتعةالمؤقتة؛ لتسكين ألم حزني لفقداني إياه وغضبي منه، ليس فقط لأنه تركني بسبب رفضي أن أتزوج به، ولكن لأنه لم يدرك أن سبب رفضي هو حبي له.
 
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع