الحب والأمن والمشاركة
مقالات مختارة | بقلم : الأنبا موسى
٥١:
١٠
م +02:00 EET
الأحد ١٠ يونيو ٢٠١٨
تحدثنا فى الأعداد السابقة أن فى أعماق الإنسان احتياجات أساسية يصعب أن يحيا سعيدًا دون إشباعها بأسلوب سليم، وذكرنا منها:
1- الحاجة إلى الحب.
2- الحاجة إلى الآخر.
3- الحاجة إلى الأمن.
4- الحاجة إلى الانتماء.
5- الحاجة إلى اللانهائية.
6- الحاجة إلى المشاركة.
7- الحاجة إلى المعنى.
ونستكمل حديثنا اليوم بنعمة الله:
8- الحاجة إلى المرجعية:
رغم حب الإنسان للحرية، إلا أنه يشعر أن هناك أمرًا أساسيًا بدونه تتحول الحرية إلى تفكك. هذا الأمر هو «المرجع» أو «المعيار». فمع أن لكل فرد خصوصيته، إلا أنه يحتاج دائمًا (كعضو فى الجماعة) إلى المرجع والمعيار، الذى يعود إليه باستمرار لاستكشاف الطريق، والوصول إلى القرار السليم والاختيار الأمثل. لذلك فلابد للإنسان من «مرجعية ذات مبادئ وفكر سليم» تساعده فى إشباع ما يحتاجه.. ولا شك أن الجماعة الوطنية قادرة على أن تقدم له النور اللازم والاتجاهات البناءة التى تبنى حياته وأسرته ومجتمعه.
وفى حياة الشركة، تنتفى الفردية، ويحصل الإنسان على «المرجع» المناسب، الذى يقيس عليه تصرفاته، وآراءه واتجاهاته.
9- الحاجة إلى الإبداع:
فالحياة كائن حىّ، ينمو مع الزمن، ويفسح صدره لكل الإبداعات الجديدة، التى تساعد الإنسان فى مسيرته الدينية والحياتية.. ومع أننا نؤمن فى حياتنا بـ«التقاليد» حيث تسلمناها فى حياتنا، إلا أن التقليد ليس جامدًا أو كائنًا متوقف النمو، بل هو كائن حىّ متحرك ينمو ويتفاعل مع العصر، ومع احتياجات الإنسان، ومشكلاته اليومية.. لهذا نجد مدرسة الإسكندرية المصرية القديمة تواجه مدرسة الفلسفة اليونانية.. ونجد فى الإنجيل حياة السيد المسيح للأجيال، بينما معلمنا لوقا يسرد لنا حياة الآباء الرسل وأعمالهم.. ويجيب الرسول بولس عن أسئلة كل كنيسة وكل عصر حسبما يقدمونها له: فكنيسة روما تشغلها قضية التبرير، وكنيسة فيلبى تشغلها مشكلة تعدد، وكنيسة تسالونيكى تشغلها مسألة المجىء الثانى للسيد المسيح.. وهكذا.
إذن لابد من الإبداع.. سواء على مستوى الجماعة أو الفرد.. ولابد أن تعطى الجماعة للفرد فرصة الإبداع.. لا تسحقه ولا تكتم طاقاته، بل يكفى أن تكون كجماعة متحابة، تضرب جذورها فى أعماق التاريخ والتقليد، يكفى أن تكون هذه الجماعة مرجعًا للفرد، ومعيارًا له، حتى لا يخرج عن الخط السليم.. على هذا الأساس نناقش قضايا المجتمع العامة والأسرية، وكذلك ترجمة التراث المصرى فى حقبه المتتالية: الفرعونية واليونانية والقبطية والعربية، كذلك الأنشطة المتجددة فى المجتمع: كالمسرحيات والرياضية والكشافة.. إلخ.
10- الحاجة إلى التفرد:
فإن كان الإبداع يمكن أن ينشأ عن فرد أو جماعة، وهناك الحاجة إلى التفرد، بمعنى أن يكون لكل إنسان خصوصيته، فلكل إنسان مواهب معينة أعطاها له الله.. والرب لم يشأ- إطلاقًا- أن يجعل أولاده مجرد نسخ متشابهة، بل أعطى لكل واحد وزنات ومواهب تختلف نوعًا وكمًّا من شخص لآخر «كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ» (مت 15:25). «كَمَا قَسَمَ اللهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِقْدَارًا مِنَ الإِيمَانِ» (رو 3:12).
إن كانت الأعضاء تختلف فى الوظائف، إلا أنها تتكامل معًا فى الهدف.. «َإِنْ قَالَتِ الأُذُنُ: لأَنِّى لَسْتُ عَيْنًا لَسْتُ مِنَ الْجَسَدِ. أَفَلَمْ تَكُنْ لِذَلِكَ مِنَ الْجَسَدِ.. لَوْ كَانَ كُلُّ الْجَسَدِ عَيْنًا فَأَيْنَ السَّمْعُ؟ لَوْ كَانَ الْكُلُّ سَمْعًا فَأَيْنَ الشَّمُّ فَالآنَ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ وَلَكِنْ جَسَدٌ وَاحِدٌ» (1كو 16:12-20).
ومن هنا كانت خصوصية ومواهب كل إنسان، موضع تقدير الجماعة كلها ورعايتها الحانية. أما إذا سحقت الجماعة هذا العضو أو ذاك، فسوف تخسر بالضرورة إبداعات وعطايا كل منهما. وهذه الخسارة دمار على الجماعة كلها.. وتهميش لبعض أو كل أعضائها.. ومن هنا يحدث الاغتراب.. إذ يشعر العضو أنه غريب عن بقية الجسد!!.
لا بد أن يعمل الكل فى تناسق ومحبة واحترام متبادل، فيسير العمل كسيمفونية جميلة، ولا يحدث معها اغتراب أو خسارة، لأى عضو من الأعضاء!
* الأسقف العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية
نقلا عن المصرى اليوم