الأقباط متحدون - الكنيسة صراع أم مخاض ميلاد ؟
  • ٠٠:٠٣
  • الاثنين , ١٨ يونيو ٢٠١٨
English version

الكنيسة صراع أم مخاض ميلاد ؟

كمال زاخر موسى

مساحة رأي

٤٢: ٠٢ م +02:00 EET

الاثنين ١٨ يونيو ٢٠١٨

الكنيسة صراع أم مخاض ميلاد ؟
الكنيسة صراع أم مخاض ميلاد ؟

 كمال زاخر

 
23 ـ خبرات غائمة
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::
لم تكن التغيرات العاصفة ومصادمات الداخل هى العامل الوحيد فى تشكيل الصورة المعاشة، كانت المتغيرات المتلاحقة فى الدوائر الإقليمية والدولية عامل فاعل مزاحم ومؤثر بقدر فى هذا التشكل.
 
فبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها (1939 ـ 1945)، كان الدمار الذى لحق بالعالم مخيفاً، مع صدمة التطور المباغت فى آليات الحرب بدخول "القنبلة الذرية" كسلاح يحمل مخاطر الفناء للبشرية وربما ما هو أفدح، فكانت ردة الفعل الإتجاه للتوافق بين الفرقاء بحثاً عن آليات تحل الحوار محل المصادمة، بعد أن أعيد رسم خريطة العالم وتكتلاته من جديد. 
 
كان العام 1948 عاماً فارقاً، فيه تظهر آلية "الأمم المتحدة" وتسارع الدول بالتوقيع على ميثاقها، وفيه يتشكل مجلس الكنائس العالمى، وهو تجمع يجمع الكنائس البروتسانتية والكنائس الأرثوذكسية، بينما لا تنضم إليه الكنيسة الكاثوليكية، ويذهب البعض إلى أن الولايات المتحدة كانت وراء تشكيل هذا المجلس فى سياق الحرب الباردة مع المعسكر الشرقى، وسعيها لمحاربة الشيوعية، ويؤكد هذا الدكتور مراد وهبة (أن جون فوستر دالاس، وزير

الخارجية الأمريكى، ألف كتابا بعنوان "حرب أم سلام" عام ١٩٥٠ قال فيه إن العدو الأساسى هو الحزب الشيوعى السوفيتى، وعلى وجه الدقة ستالين، وبالتالى علينا القضاء على ستالين والحزب الشيوعى بطريقتين الأولى تقديم معونات عسكرية واقتصادية، وهذه طريقة سلبية أما الطريقة الإيجابية فهى توحيد جميع القوى الدينية فى العالم ضد التيار الشيوعى، وتم تنفيذ ما جاء فى الكتاب بحذافيره، بدعوى أن الشيوعيين كفار وتم إنشاء المجلس العالمى للكنائس والمركز الإسلامى برئاسة سعيد رمضان، وهما موجودان فى جنيف بسويسرا)، ويستطرد قائلاً (وفى ١٩٦١ قرأت كتابا بعنوان «الكنائس

والتغير الاجتماعى السريع»، صادرا عن مجلس الكنائس العالمى ووجدت فيه تحريضا واضحاً للأقباط للثورة على عبدالناصر بزعم أنه يضطهدهم، وأن الدعوة إلى القومية والتصنيع تؤدى إلى الكفر، ومجلس الكنائس العالمى حصل على تمويل من روكفلر الرأسمالى الأمريكى بمليونين ونصف مليون دولار لإنجاز دراسة عن العالم الثالث، وقد هاجمت المجلس ـ والكلام مازال للدكتور مراد وهبة ـ بعنف فيما يشبه النشرات أو المذكرات التى أصدرها لى الأب متى المسكين مما أحدث صداما بينه وبين الكنائس العالمية، واجتمع المجلس فى باريس وأرسل مذكرة لوزير الداخلية (آنذاك) زكريا محيى الدين شديدة اللهجة بسبب الهجوم على المجلس واستدعى عبدالناصر صحفيا مقربا منه وهو سامى داود ليطلب منه الذهاب لمقابلتى.).(حوار فى جريدة المصرى اليوم، أجراه مصباح قطب و ماهر حسن، نشر على حلقتين : 25 اكتوبر و 3 نوفمبر 2016). 
 
كان انضمام الكنيسة المصرية لمجلس الكنائس العالمى مع بدأ تأسيسه 1948 بعيداً عن الصراع السياسى هذا، فقد كان البابا القبطى آنذاك، الأنبا يوساب الثانى، بخلفياته العلمية، وامتلاكه رؤية مستنيرة للإحياء الآبائى، يرى فيه تجمعاً يدفع باتجاه الحوار المسيحى ـ المسيحى، على أمل ان يدعم مسعاه. 
وحين جاء البابا كيرلس السادس وبدأ فى مأسسة الكنيسة بعيداً عن الصخب، يأتى بالأنبا صموئيل اسقفاً للخدمة الإجنماعية وشئون المهجر، الذى يتواصل مع المجلس ويستثمر امكاناته فى دعم جهود معالجة آثار هزيمة يونيو 67، عبر المعونات التى شهد لها الجميع آنذاك.
 
لكن المجلس لم يستطع أن يؤسس لحوار مسكونى فاعل فيما يتعلق بالتقريب اللاهوتى، وتحولت اجتماعاته إلى عمل روتينى، وغلب على انشطته البعدين الإجتماعى والسياسى. 
 
وقبل أن ينقضى عقد من الزمان على قيام هذا المجلس تتأسس فى مصر جمعية دينية مسيحية، "جمعية خلاص النفوس" بمدينة اسيوط 1927، وبحسب تقديمها لنفسها (قام بعض الإخوة المكرسين والمهتمين بربح النفوس للسيد المسيح، بتأسيس "جمعية خلاص النفوس" متخذين لهم هذا الشعار"نائلين غاية إيمانكم خلاص النفوس".) وتواصل فى تقديمها (لقد حرص هؤلاء الإخوة منذ البداية أن تضم الجمعية أعضاء من كل الطوائف المسيحية والتى تؤمن بقانون الإيمان النيقاوى، وتشجع كل عضو على انضمامه لكنيسته الخاصة. ويعمل هؤلاء الأعضاء بصفة تطوعية حيث إنها لا تهدف الى الربح.). 
 
وما بين الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين تتوسع الجمعية فى إنشاء الفروع النشطة فى انحاء مصر، وتنقل مركزها الى القاهرة، فى حى شبرا العتيد، ورغم تبنيها لشعار "اللاطائفية" إلا ان انشطتها تغلب عليها الطابع البروتستانتى، الذى تجده حتى فى الهيكل التنظيمى لها، ويشهد الشارع القبطى مواجهات عاتية، تحذر من هذا الشعار وتعتبره شعاراً مراوغاً يتهدد الكنائس على اختلافها، فليس فى التماهى الشعبى تتحقق الوحدة أو حتى التقارب، فتحققهما يحتاج إلى فعل فكرى لاهوتى جاد، يطرح القضايا المختلف حولها على مائدة الحوار الموضوعى الجاد، بشكل مجرد وأمين.
 
ويصدر عن البابا كيرلس السادس بياناً (يوليو 1962) يحذر من هذا التوجه صاغه الأنبا غريغوريوس اسقف البحث العلمى، يعرض لمخاطر زعم اللاطائفية الذى يكذبه واقع الجمعية وممارساتها. بحسب البيان.
 
لعل السؤال الذى يتبادر إلى الذهن وهل ثمة علاقة بين هذا وبين المواجهات القائمة بين فرقاء اليوم؟، يرى البعض أن شيوع هذا المنهج لسنوات ليست بالقليلة أنتج العديد ممن اختلط عليهم امر العقيدة، واستطاع نفر منهم ان يجد مكاناً بين خدام الكنيسة على مستويات عديدة، حتى إلى الأديرة، وتظل كل التداعيات مطروحة، ولعلنا مازلنا نذكر أزمة الراهب الشهير الذى تبنى منهج أحدى الطوائف ونشر رؤيته بين الشباب وحقق انتشاراً لافتاً، وانتهى الى مصادمة كبرى مع الكنيسة ليهجر الرهبنة، ويواصل دعوته عبر فضائيات غير ارثوذكسية، وتبقى الأسئلة، هل يمتد ذلك إلى من يشككون فى لاهوت الآباء والأسرار ويقسمون المسيح برؤى مهتزة ومرتبكة؟.
 
هل يبادر مجمع الكنيسة عبر اللجنة التى أعلن عن تشكيلها (مايو 2018) بمراجعة هذه التعاليم المنبثة منهم بجرأة، واقتحام دوائر تتحصن بمواقعها؟.
فى سياق الكيانات التى تسعى لخلق مناخات تقارب على أسس اقليمية يأتى مجلس كنائس الشرق الأوسط والذى تأسس عام 1974، كان البطل فى بعث الحراك المسكونى فى الشرق الأوسط الأنبا صموئيل اسقف الخدمات الإجتماعية وكنائس المهجر، عقب رسامته اسقفاً، 1962، بدعوته لتشكيل المجلس الاستشاري المسكوني لخدمة الكنيسة في مصر بالتعاون مع بعض ممثلي مجلس الكنائس العالمي. وفي عام 1964 انضم لهذه الهيئة كاهن من الروم الكاثوليك، وعام 1965 أصبح أعضاؤها 25، وفي عام 1967 انتخب الانبا صموائيل رئيساً لهذا المجلس. وكانت هذه شرارة العمل المسكوني بمصر. وجاء بعد ذلك مجلس كنائس للإسكندرية وجمعية التثقيف اللاهوتي (من حوار للأستاذ الباحث نبيل منير الذي عاصر فترة تكوين الحركة المسكونية بمصر بجريدة روز اليوسف اجراه معه روبير الفارس 19 سبتمبر 2010).
 
ويذكر للباحث أنه وضع أول لائحة للعمل المسكوني، كما ساهم في تشكيل لجنة الحوار الديني بها، وهو أحد أهم المراقبين والمتابعين لعمل المجلس وكواليسه، وللحركة المسكونية فى مصر، منذ نشأته وحتى قرار إنسحاب الكنيسة القبطية منه فى 28 ابريل 2010).
واستأذن القارئ فى نقيل جزء من الحوار كما ورد بالجريدة:
 
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
 
فى هذا الحوار يقول الأستاذ نبيل منير : أهلني نيافة الانبا صموئيل للعمل المسكوني من خلال محورين الأول: الدراسة المتعمقة للفكر واللاهوت المسكوني عبر أهم الجامعات المسكونية في العالم. والثاني: التأكيد علي إيماني بالعمل المسكوني كرسالة ولذلك ظللت طوال عملي بالهيئات المسكونية كمشارك ونشط ومحاضر بل ولم أقبل أن أكون موظفاً، وذلك بمجلس الكنائس، والاتحاد العالمي للطلبة المسيحيين، بل وقد وضعت أول لائحة للعمل المسكوني في مصر في إطار عمل اللجنة المسكونية للشباب، كما كنت أول المساهمين في تشكيل لجنة الحوار الديني.
 
• ماذا تعني كلمة المسكونية؟
ـ من حيث المعني اللغوي تعني "عالميا أو كل الأجزاء المسكونة بالبشر". وقد اطلقت الكلمة لتدل علي الجهود المبذولة لوحدة المسيحيين.
 
• ومتي بدأت الحركة المسكونية في مصر؟
ـ أسس بعض أعضاء الكنائس البروتستانتية والارثوذكسية المجلس الاستشاري المسكوني لخدمة الكنيسة في مصر عام 1962 ، بالتعاون مع بعض ممثلي مجلس الكنائس العالمي. وفي عام 1964 انضم لهذه الهيئة كاهن من الروم الكاثوليك وعام 1965 أصبح أعضاؤها 25 وفي عام 1967 انتخب الانبا صموائيل رئيساً لهذا المجلس. وكانت هذه هي شرارة العمل المسكوني بمصر. وجاء بعد ذلك مجلس كنائس للإسكندرية وجمعية التثقيف اللاهوتي.
 
• هل هناك علاقة بين مجلس الكنائس والعمل السياسي؟ وماذا عن الاتهامات التي وجهت للمجلس؟

ـ في عام 1962 صدرت نشرتين عن بيت التكريس بحلوان تتهم المجلس بالاتهامات التالية: 
 
أولاً: أن مجلس الكنائس يدفع الكنائس إلي التدخل في سياسة بلادها. 
 
ثانيا: أنه يندد بخطط التنمية في الدول النامية.
 
ثالثا: أن مجلس الكنائس يزعزع ولاء الكنيسة للوطن. ولما كانت هذه الاتهامات في زمن لا يحتمل هذا فضلاً عن وجود الرئيس الراحل جمال عبد الناصر علي كرسي رئاسة مصر بل والمحرك
الأساسي لقضايا التحرير وعدم الإنحياز.
 
وقام قداسة البابا كيرلس السادس بتشكيل لجنة مكونة من 11 عضوًا أذكر منهم القس ميخائيل عبد المسيح وكيل عام البطريرك والقس مرقس داود والقس يوحنا جرجس والمهندس يوسف سعد وكيل المجلس الملي والمستشار فريد الفرعون وكيل مجلس ملي الإسكندرية والأستاذ ديمتري رزق السفير السابق والمستشار تادرس ميخائيل تادرس والدكتور مراد كامل والأستاذ ألبرت برسوم سلامة المحامي واجتمعت هذه اللجنة أكثر من مرة وتحصلت علي جميع الأوراق سواء نشرات الاتهام أو دستور عمل المجلس واجتماعاته وانتهت إلي تقرير مهم رفع إلي البابا كيرلس.
 
وانتهي التقرير إلي عدة نتائج منها :
 
ـ أن المجلس مكون من الكنائس التي تقوم علي أساس قانون الإيمان المسيحي وعبرت عن رغبتها في التعارف والتآلف والتعاون في المهام المشتركة والواجبات العامة ومواجهة احتياجات البشر كأعضاء في الأسرة الإنسانية وتدعيم السلام العالمي وتقديم المعونة لكل البشر.
 
ـ ليس للمجلس أي نشاط سياسي من أي نوع ومستقل تماماً عن الأحزاب السياسية والحكومات والهيئات وبخصوص الرد علي الاتهامات جاء بالتقرير: 
 
ـ أنه ببحث سياسة المجلس فليس المجلس منظمة سياسية ولا هو يسعي وراء نفوذ سياسي في حياة أي بلد، وحول الاتهام بأن المجلس ندد بالآثار السيئة
لخطط التنمية في الدول النامية فذكر التقرير أنه ليس ثمة ما هو أبعد عن الحقيقة من هذا، فالمجلس قد اطري بلا تردد على جهود الدول الحديثة في التنمية الاقتصادية والتصنيع بل وحث الدول الغربية لتعضيد مثل هذه الجهود القومية.
 
وحول الاتهام بأن المجلس يزعزع ولاء الكنائس لأوطانها فأكد التقرير أن هذا أيضًا بعيد كل البعد عن سياسة المجلس التي لا تشرع ولا تأمر الكنائس الأعضاء بل إنه يشجع الثقافة الوطنية لكل كنيسة.
 
وانتهي تقرير اللجنة بمناشدة قداسة البابا ألا يتخلي عن شعاره - الإحسان إلي المسيئين مهما كانت إساءاتهم - وتري أن تخاطب ضمير أولئك الذين لعبوا هذه اللعبة الخطرة ونناشدهم أن يعملوا للبناء لا للهدم... والمعول الذي رفعوه ضد كنيستهم سوف لا ينجح.
 
• كيف بدأ مجلس كنائس الشرق الأوسط عمله وما هي سياسته وعلاقته بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية؟-
 
ـ تأسس مجلس كنائس الشرق الأوسط سنة 1974 بجهود الكثيرين علي رأسهم نيافة المتنيح الأنبا صموئيل ويتكون المجلس من أربع عائلات: ويقصد بالعائلة الكنسية تلك الكنائس التي لها شراكة عقائدية وأسرارية وقانونية كاملة بعضها مع بعض وهي:
 
أولاً: عائلة الكنائس الأرثوذكسية وهذه العائلة تتشكل من: كنيسة الإسكندرية للروم الأرثوذكس، كنيسة أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، كنيسة الروم الأرثوذكس في القدس، كنيسة الروم الأرثوذكس في قبرص.
 
العائلة الثانية: الكنائس الأرثوذكسية الشرقية، وتتشكل من: كنيسة الأقباط الأرثوذكس، كنيسة السريان الأرثوذكس، الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية.
العائلة الثالثة: الكنائس الكاثوليكية وتتشكل من: كنيسة أنطاكية السريانية المارونية، كنيسة الروم الملكية الكاثوليكية، كنيسة الأقباط الكاثوليك، كنيسة السريان الكاثوليك، كنيسة بابل للكلدان، كنيسة اللاتين في القدس، كنيسة الأرمن الكاثوليك.
 
العائلة الرابعة: الكنائس الإنجيلية: السنودس الإنجيلي الوطني سوريا ولبنان، اتحاد الكنائس الإنجيلية الأرمنية، الاتحاد الإنجيلي الوطني في لبنان، الأسقفية بالقدس، اللوترية بالأردن، النيل الإنجيلي، الأسقفية بالسودان، الإنجيلية بالسودان، المشيخية بالسودان، الإنجيلية بالكويت، الإنجيلية بالجزائر، الإنجيلية بتونس، الإنجيلية بالبحرين، الإنجيلية بإيران.
 
فالكنيسة القبطية الأرثوذكسية من المؤسسين لمجلس كنائس الشرق الأوسط، هذا أولاً وثانيًا المجلس يتشكل من أربع عائلات كما أوضحنا وبالتالي فالخلاف داخل حوارات المجلس واردة ومقبولة.
 
وأن نشاط المجلس وعدم خضوعه لكنيسة من الكنائس الأعضاء بالشرق الأوسط يتوقف علي شخصية الأمين العام واللافت للنظر أن استقلالية المجلس ضعفت بعد الأمين العام الثاني خاصة أن بعض الأمناء والأمناء المشاركين بعيدون عن الفكر المسكوني لذلك تحول المجلس إلي مجموعة من الأحزاب المتنافرة ومن هنا فقد المجلس رسالته وفلسفته المبنية عن المشاركة والحوار وقبول البعض.
 
ومنذ عام 1994 أصبحت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية مسيطرة علي المجلس وإدارته والمحرك الأساسي لترشيح الأمين العام واختياره وباقي موظفيه كان هذا الإحساس الشائع لدي باقي الطوائف وعلي وجه الخصوص لدي عائلة الروم الأرثوذكس بعدما انتزع منصب الأمين العام من الأمين العام الثاني الذي كان ينتمي للكنيسة الأنطاكية للروم الأرثوذكس وما أشيع داخل أروقة المجلس من اتفاق ما بين الأمين العام الثالث في ترتيب أمناء المجلس والكنيسة القبطية خاصة أن الأخيرة قامت بتعيين أحد الموالين رغم أنه كان بعيدًا عن الفكر والثقافة والعمل المسكوني وكان يوجد بالمجلس من هو أحق منه بذلك المنصب، وكان عمل الأمين المشارك هو الدفاع المستمر عن الكنيسة القبطية بداع وبغير داع مما أكد الإحساس بأن المجلس أصبح إحدي هيئات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وفقد استقلاله وزاد ذلك الإحساس اختيار أمين عام ينتمي إلي الكنيسة القبطية مما دعا بطريرك القدس للروم الأرثوذكس أن ينقل الإحساس إلي كلمات بقوله "أنه نادي البابا شنودة" This shenouda club ، وقام الأمين العام الحالي بنقل هذا الكلام إلي قداسة البابا شنودة الثالث ونيافة الأنبا بيشوي والذي اتخذ قرارًا بانسحاب الكنيسة القبطية من مجلس كنائس الشرق الأوسط - وأيده قداسة البابا ثم المجمع بعد ذلك.
 
واشترطت الكنيسة القبطية لعودتها اعتذار كنيسة الروم الأرثوذكس بالقداس... والذي لم يحدث.
 
• وما رأيك في هذا الانسحاب وما هي أضراره؟ 
عمومًا إن اعتبرت مقولة بطريرك القدس للروم الأرثوذكس من قبيل الإهانة، إلا أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية جانبها الصواب بانسحابها لعدة أسباب منها:
 
أولاً: أن المجلس هو شركة بين الكنائس الأعضاء وليس تابعًا لأي من الكنائس.
 
ثانيًا: أن السلوك العام للكنائس الأعضاء داخل المجلس لابد أن يتسم بالروح المسيحية المحبة والمتسامحة.
 
ثالثًا: أن الانسحاب ليس حلا، وإنما الانسحاب هو إهدار لجهد دءوب جاهد من أجله أناس آمنوا بالرسالة المسكونية والروح المسيحية المحبة وأسسوا مجلس كنائس الشرق الأوسط.
 
رابعًا: أن المجلس هو مدرسة الحوار وقبول الآخر كما هو. ولو فشل الحوار بين اتباع المسيح فلا تكون هناك مصداقية للادعاء بالحوار المسيحي الإسلامي.
 
خامسًا: أن الهجوم والانسحاب إن دلا علي شيء فإنما يدلان علي تضخم للذات الفردية التي تعوق الحوار بين الإخوة المتساوين القابلين بعضهم بعضا.
سادسًا: إن الحركة المسكونية التي تؤكد علي الحضور المسيحي في الشرق الأوسط من خلال شراكة الكنائس المتمثلة في مجلس كنائس الشرق الأوسط وهدم الحركة المسكونية هو تلاش للحضور المسيحي ورفض للحوار القائم علي قيمة الإنسان وإعداد القضاء المسكوني للحروب والانتقاد.
إن احترام الإنسان يستلزم الحوار وشرط الحوار هو التعايش والمحبة والتعايش والمحبة هدفا المسكونين والمسكونية تنتهي إلي أن جميع البشر هم أعضاء في عائلة واحدة.
 
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
انتهى الإقتباس من الحوار ، ويبقى أن نذكر إن الأزمة امتدت لنحو عام، وانتهت بالحل فى ٢٠١١ أثناء حياة البابا شنودة الراحل، حيث عقد اجتماع الجمعية العامة التالى فى وجود الكنيسة الأرثوذكسية، وعادت مجدداً لعضوية المجلس، وحضر البابا تواضروس الجمعية العامة للمجلس فى ٢٠١٦ بالأردن.
 
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
 
ثمة كيان أخر تشكل عام 2013 هو مجلس كنائس مصر وبحسب الأب كميل سمعان اليسوعي، مدير بيت السامرى الصالح وعضو مجلس كنائس مصر، إن نشأة المجلس لم تكن طبيعية، من ناحية الظروف والزمن، ولاسيما أن الفكرة طرحت إبان توتر العلاقة بين البابا شنودة الثالث من جهة، وبين مجلس كنائس الشرق الأوسط، وبخاصة بطريرك الروم الأرثوذكس فى القدس، من جانب آخر.
 
وكشف عن أن أزمة الكنيسة القبطية مع مجلس كنائس الشرق الأوسط دفعها إلى تجميد نشاطها داخله، من هنا بدأت الرغبة فى تأسيس مجلس كنائس مصر، والذى لم يأخذ وقته الكافى لتأسيس صحيح.
 
ويضيف الأب كميل "إن مجلس كنائس مصر لم يضع دستورًا جيدا أو لائحة جيدة بينما تحمل اللائحة نقاطا غامضة، لاسيما أن معظم لجانه جاءت استنساخاً من مجلس كنائس الشرق الأوسط، بينما مجلس كنائس مصر بات موجودًا ويجب التعامل معه"
 
وأوضح أن كنائس مصر ساهم فى تقريب وجهات النظر فى نقاط عديدة، وحسن من العلاقات بين قيادات الكنائس وأبنائها، بينما انتقد عدم تمثيل للكنيسة الكاثوليكية فى لجنة الحوار والدراسات اللاهوتية، والتى تغير اسمها إلى لجنة الحوار المجتمعي، مما يثير الجدل ولاسيما بأن الفارق بينهما كبير.
واستطرد: «إن مجلس كنائس مصر يضم ١٣ لجنة، بينما المفعل ٨ لجان، منها اللجنة القانونية والمالية والعلاقات العامة تضم أمينا لكل طائفة وعضوين، ولجنة الرعايا، لجنة الشباب، ولجنة المرأة، ولجنة الإعلام، أما باقى اللجان فغير مفعلة"
(من حواره ضمن تقرير نشره موقع البوابة نيوز فى 18 سبتمبر 2017 أعده مايكل عادل وريمون ناجى)
 
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
وهكذا نجد أن كل هذه المجالس باختلاف مسمياتها لم تستطع أن تعدو كونها كيانات وخبرات غائمة، تفتقر للرؤية وللفعل على الأرض، ولم تنجح فى ثلاثتها أن تدفع باتجاه التقارب اللاهوتى بين المختلفين، لتصبح فى أحسن الأحوال كيانات اجتماعية إغاثية، بل وبمراقبة الأداء القبطى تحديداً كانت من عوامل الصدام الذى يتبناه أسقف متشدد ومثالنا أزمة مجلس كنائس الشرق الأوسط التى اشرنا إليها.
ولعل السؤال هل تشهد الكنائس مبادرة جديدة تتلافى ما حدث فى تلك المجالس، وتتبنى توجه الحوار اللاهوتى الحقيقى سعياً لفهم متبادل يقوم على المصارحة والموضوعية؟.
 
ومازال الطرح مستمراً.

 

الكلمات المتعلقة
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع