الأقباط متحدون - الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد؟ (26) التجسد.. اللاهوت المُغَيَّبْ
  • ٠٠:٠٩
  • الأحد , ١ يوليو ٢٠١٨
English version

الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد؟ (26) التجسد.. اللاهوت المُغَيَّبْ

كمال زاخر موسى

مساحة رأي

٥٤: ٠٨ م +02:00 EET

الأحد ١ يوليو ٢٠١٨

التجسد.. اللاهوت المُغَيَّبْ
التجسد.. اللاهوت المُغَيَّبْ

ما المسيحية؟
هل هى مجموعة من الشرائع التى تضبط العلاقة بين الله والبشر فى خطها الرأسى، وبين البشر وبعضهم فى مداها الأفقى؟.

هل هى واحدة من الرسالات السماوية التى ترسم خريطة الحقوق والواجبات بريشة إله للخليقة، ويذيلها بأوامر ونواهى عليها اتباعها حتى لا تقع تحت طائلة سلسلة من العقوبات التى سبق وحددها فى قواعد صارمة، بينما فى اتباع تلك الأوامر والوصايا نعيماً مقيماً؟.

هل هى تنويعة ابراهيمية تختطف المرء من واقعه المرتبك لتلقى به فى تهويمات ميتافيزيقية، تُرحل احلامه المجهضة إلى ما بعد الحياة؟.

ما أظنها كذلك ...
بحسب محاولاتى المتواضعة لفهمها هى إعلان حضور الله فى زمن الإنسان، عبر سر التجسد، الذى فيه تكشفت لنا طبيعة الله المحتجبة، "الله لم يره احد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الاب هو خَبَّرَ." (يوحنا 1 : 18)، والكنيسة هى آية هذا الحضور واستعلانه فى يومنا الممتد.

كان ادراك المرء لماهية التجسد قضية ولدت مع المسيحية، منذ لحظتها الأولى، وكان الصليب ينتظر المسيح، لأنه أعلن ماهيته، التى رفضها اليهود والرومان معاً، وأربكت كل من الحاكم ورجال الدين وقتها،

فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلاَ يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلاَ يَعْطَشُ أَبَدًا. وَلكِنِّي قُلْتُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ قَدْ رَأَيْتُمُونِي، وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ. كُلُّ مَا يُعْطِينِي الآبُ فَإِلَيَّ يُقْبِلُ، وَمَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجًا. لأَنِّي قَدْ نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ، لَيْسَ لأَعْمَلَ مَشِيئَتِي، بَلْ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي. وَهذِهِ مَشِيئَةُ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي: أَنَّ كُلَّ مَا أَعْطَانِي لاَ أُتْلِفُ مِنْهُ شَيْئًا، بَلْ أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ. لأَنَّ هذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ الَّذِي أَرْسَلَنِي: أَنَّ كُلَّ مَنْ يَرَى الابْنَ وَيُؤْمِنُ بِهِ تَكُونُ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ».فَكَانَ الْيَهُودُ يَتَذَمَّرُونَ عَلَيْهِ لأَنَّهُ قَالَ:«أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ».....

فَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، إِذْ سَمِعُوا:«إِنَّ هذَا الْكَلاَمَ صَعْبٌ! مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَسْمَعَهُ؟» فَعَلِمَ يَسُوعُ فِي نَفْسِهِ أَنَّ تَلاَمِيذَهُ يَتَذَمَّرُونَ عَلَى هذَا، فَقَالَ لَهُمْ:«أَهذَا يُعْثِرُكُمْ؟ من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه الى الوراء، ولم يعودوا يمشون معه، فقال يسوع للاثني عشر:"العلكم انتم ايضا تريدون ان تمضوا؟". (يوحنا 6)

كان المسيح يعى أن "ماهيته" المحور الأساسى الذى تبنى عليه المسيحية، التى لا تستقيم إلا باستيعاب ماهية التجسد، الله الظاهر فى الجسد، الإنسان يسوع المسيح !!، وهى الحقيقة التى ادركها القديس بولس الرسول وأكدها لتلميذه تيموثاوس "لأَنَّ هذَا حَسَنٌ وَمَقْبُولٌ لَدَى مُخَلِّصِنَا اللهِ، الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ. لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لأَجْلِ الْجَمِيعِ". (1 تى 2).

لذلك كان حواره اللاهوتى المؤسِس مع تلاميذه والذى انتهى إلى بلورة "ماهية المسيح" :

وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى نَوَاحِي قَيْصَرِيَّةِ فِيلُبُّسَ سَأَلَ تَلاَمِيذَهُ قِائِلاً:«مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟» فَقَالُوا:«قَوْمٌ: يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ، وَآخَرُونَ: إِيلِيَّا، وَآخَرُونَ: إِرْمِيَا أَوْ وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ». قَالَ لَهُمْ:«وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟» فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ:«أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!». فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضًا: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا. وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاوَاتِ». حِينَئِذٍ أَوْصَى تَلاَمِيذَهُ أَنْ لاَ يَقُولُوا لأَحَدٍ إِنَّهُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ. (متى 16)

تطرح الكنيسة دعوتها للعالم للتعرف على المسيح والحياة فيه، وتشتبك مع ثقافاته وموروثاته المختلفة، وتجد الكنيسة نفسها أمام قراءات مختلفة لماهية المسيحية وفى القلب منها ماهية المسيح وطبيعته، وتقفز أمامها حاجتها لتقنين إيمانها تأسيساً على ما تسلمته من المسيح وما دونته رقائق الإنجيل وحفظته ليتورجيتها عبر التسلسل الآبائى، المتيقن عندها، فكان "قانون الإيمان النيقاوى القسطنطينى"، الذى جاء اعادة انتاج لقانون الإيمان الرسولى بحسب مخطوطات كنيسة الرسل.

لم تكن قضية الكنيسة مجرد تقنين ايمانها فى نصوص قانونية صماء، لذلك حولتها إلى خبز يومها ولغة حياتها اليومية، تعلنها فى ليتورجيتها، وفى القلب منها احتفالها الإفخاريستى فى يوم الرب.

لم يكن التجسد حدث الهى يصحح عوار انسانى بحسابات ميكانيكية صماء، تجعل منه مسألة منطقية تجهد العقل لترتيبها بين المقدمات والوجوبية وما تحمله من نتائج تنتهى إلى إعادة العلاقة بين الإنسان والله كما كانت قبل العصيان.

التجسد فعل حب تحركت به أحشاء الله ليعطى الإنسان ما لله بحسب القديس اثناسيوس "هو أخذ الذى لنا وأعطانا الذى له" لتنحتها التسبحة فى أهازيجها اليومية وتكملها بفرح "نسبحه ونمجده ونزيده علوًا".

وعَبرَ التجسد صلبنا وقمنا وأصعدنا وجلسنا مع المسيح وفيه عن يمين الآب "ومِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ، ¬بِالنِّعْمَةِ صرنا مُخَلَّصُونَ، وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ (عن افسس2).

وكان أن ارسل لنا الروح القدس ليحل فينا، ليس زائراً بل مقيماً، يمكث معنا إلى الأبد، مالئ الكل، كنز الصالحات ومعطى الحياة، بحسب ما نقول به يومياً فى صلوات السواعى، وها انا ارسل اليكم موعد ابي. فاقيموا في مدينة اورشليم الى ان تلبسوا قوة من الاعالي (لوقا 24 : 49). وانا اطلب من الاب فيعطيكم معزيا اخر ليمكث معكم الى الابد، (يوحنا 14 : 16).

ونصير فى المسيح به خليقة جديدة، الذين يرفضون ما صار لنا من استحقاقات بفعل التجسد لم يستوعبوا فعل التجسد نفسه، لأنهم يقيسون الإستحقاقات على قامتنا وليس على قامة من أعطاها، ويرفضون فى تواضع ملتبس أن نصير على صورة المانح، (انتم رسالتنا مكتوبة في قلوبنا معروفة ومقروءة من جميع الناس، ظاهرين انكم رسالة المسيح مخدومة منا مكتوبة لا بحبر بل بروح الله الحي) (2 كو 3).

وهو رفض يذكرنا برفض ق. بطرس أن يغسل السيد قدميه، إذ كيف للسيد أن يغسل قدم تلميذه، رآه تأكيداً على تعظيمه لسيده ورآه الرب عدم ادراك لفعل الإخلاء.

التجسد جعلنا لحم من لحمه وعظم من عظامه، وصرنا مكملين إلى واحد، ولم يعد للخطية سلطان علينا، ونستطيع أن نقول بثقة أننا أعظم من منتصرين، وتولد بنا كنيسة قوية تعلن دوماً انتصارها وقوتها.

عندما تغيب روح النصرة تنهزم مقاومتنا وتنكسر، ونبحث عن دعامات نفسية وذهنية، ونستبدل قوة الروح وفعله فينا بقدرات ذاتية، تتشابه علينا بصورة التقوى، ونبحث عن حلول لا تضبط ماء لأن ابارها مشققة، ونمعن فى الإستعاضة عن عمل النعمة بأعمال الجسد، فتكثر بيننا الأزمات ونعيش الإزدواجية فى صور متعددة، وتصير الليتورجيا عبئاً والصلاة فروض نتممها بآلية ورتابة، والأصوام ثقل نحمله خوفاً من عقاب، والعبادات قوانين تطاردنا، والحياة اليومية منفصلة عن كل هذا.

عندما يغيب لاهوت التجسد، عن يومنا ، بفعل غياب خبرة ورؤية الآباء، وبغير حراسة الليتورجيا المعاشة، نرتد إلى صورة الله المتعالى والبعيد والمتربص، ربما لهذا كان تحذير الكتاب "واما انتم فلم تتعلموا المسيح هكذا" (اف 4: 20).

سيبقى ما يحدث صراعاً حتى نعود إلى ينابيع الخبرة الكنسية الآبائية، الذهب المصفى بالنار، لنشكل معاً مجدداً مخاض ميلاد جديد.
«هذَا يَقُولُهُ الآمِينُ، الشَّاهِدُ الأَمِينُ الصَّادِقُ، بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ اللهِ:

أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّكَ لَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا. لَيْتَكَ كُنْتَ بَارِدًا أَوْ حَارًّا!

هكَذَا لأَنَّكَ فَاتِرٌ، وَلَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا، أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي.

لأَنَّكَ تَقُولُ: إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَئِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ.

أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَبًا مُصَفًّى بِالنَّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ، وَثِيَابًا بِيضًا لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ. وَكَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْل لِكَيْ تُبْصِرَ.

إِنِّي كُلُّ مَنْ أُحِبُّهُ أُوَبِّخُهُ وَأُؤَدِّبُهُ. فَكُنْ غَيُورًا وَتُبْ.

هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي.

مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ.

مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ». رؤيا 3
ومازال للطرح بقية.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع