تحتل المنيا موقعا متميزا فى رحلة العائلة المقدسة، يجسد موقعها حوالى %30 من معالم الرحلة، وكثيرون يتحدثون عن رحلة العائلة المقدسة بحماس، ولكنهم ينسون أن المنيا ليست على خريطة السياحة العالمية منذ تسعينيات القرن الماضى، والمنيا على سبيل المثال، رغم أنها تأتى كثالث أكبر محافظات الجمهورية من حيث عدد المواقع الأثرية الموجودة بها بعد القاهرة الكبرى والأقصر التى تنتمى لكل العصور: الفرعونية، الرومانية، المسيحية، الإسلامية.. مثل بنى حسن وبها 39 مقبرة منحوتة بالصخر لأشراف وحكام «حبنو» بعصر الدولة الفرعونية الوسطى، أهمها مقبرة أمنمحات، ومقبرة حنوم حتب، ومقبرة باكت، ومقبرة خيتى التى رسمت على جدارها مناظر أول دورة رياضية فى مصر، ومنطقة تونة الجبل التى بها آثار مقبرة بيتوزيريس كبير الكهنة من العصر اليونانى الرومانى مومياء إيزادوررا شهيدة الحب الطاهر، وسراديب الإله تحوت، ثم منطقة أسطبل عنتر وبها معبد منحوت فى الصخر للإلهة باخت، بناه كل من حتشبسوت وتحتمس الثالث، من أجل عبادة الإلهة باخت «القطة»، ومنطقة تل العمارنة التى اختارها إخناتون وزوجته نفرتيتى لإقامة عاصمة مملكته، من أجل عبادة الإله الواحد أتون.
آثار يونانيّة مقبرة إيزادورا: وتعود لفترة الإمبراطور هادريان، وقد أنُشئت هذه المقبرة من أبٍ يونانى لابنته التى لاقت حتفهاً غرقاً، وتوجد فيها كتابات تُرثى الفتاة الصغيرة، مومياء إيزادورا: هى واقعة فى تونة الجبل، وتضمّ رأساً من المومياء لإيزادورا، معابد هيرموبوليس: وهى تابعة للمحافظة، وتضمّ العديد من الجبانات، وجميعها تحوى نقوشاً ومنحوتات يونانيّة، إضافةً للرموز الجنائزيّة.
آثار مسيحيّة دير السيّدة العذراء: ويقع فى الجهة الشماليّة الشرقيّة من المنيا على بعد خمسةٍ وعشرين كيلومتراً، وهو المكان الذى أقامت فيه العائلة المقدّسة أثناء مرورها فى مصر، وجدت فى هذا الدير كنيسة محفورة فى الصخر، وهى التى أقامتها فى القرن الربع للميلاد الإمبراطورة هيلانة، ووضعت فيها العديد من الأيقونات التى فى معظمها تعود للعصر الأوّل للمسيحيّة، دير البرشا: وفيه كنيسة تعود للأنبا بيشوى، وتمّ بناؤها فى القرن الرّابع للميلاد، دير أبو فانا: وفيه كنيسة يعود تاريخ بنائها إلى القرن السّادس للميلاد.
آثار إسلاميّة مسجد العمراوى: موجود فى مدينة المنيا، ويعود تاريخ بناء هذا المسجد إلى فترة الحكم الفاطميّة، مسجد اللمطى: ويعود تاريخ بنائه إلى فترة الحكم الفاطميّة، مسجد الوداع: ويُعدّ من أقدم المساجد الموجودة فى المدينة، وقد جُدّد فى العصر المملوكى، وأعيد تجديده فى العهد العثمانى، مسجد الشيخ عبادة بن صامت: يعود إلى فترة العصر الأيوبى وأيضاً العثمانى، وفيه مئذنتان تعودان إلى هذين العصرين، ملوى: أو كما يُعرف بمسجد اليوسفى، ويعود إلى العصر الفاطمى.
بالمنيا حوالى خمسة ملايين مواطن، منهم حوالى مليونى مسيحى، بها خمسة آلاف مسجد وزاوية و642 كنيسة، لجأ إليها السيد المسيح والعائلة المقدسة بجبر الطير بسمالوط، وقبور للصحابة بالبهنسا بنى مزار.
كثيرون يكتبون عنها «إمارة المنيا»، ويعرفونها فقط بأرض الأزمات الطائفية، نشأت وترعرعت فيها، ومازلت فى القلب والعينين، رغم أنها مدينة المتناقضات، فإذا سرت على كورنيش النيل بها تشعر أنك بالإسكندرية، ولو تجولت فى أحياء «أرض سلطان وحى شلبى» كأنك فى مصر الجديدة، وأن سهرت فى فنادقها كأنك فى الزمالك، وفى كافيهاتها تشعر أنك فى بيروت، وحينما تزور بعض القرى والعزب والنجوع التى تعج بالمتشددين تعتقد انك فى كابول؟!!
وبالرغم من تنوع الثروات الطبيعية والجغرافية والتاريخية، تحتل المنيا ذيل قائمة محافظات الجمهورية من حيث نسب التنمية البشرية، مؤشرات التعليم والصحة والدخل من بين أدنى المحافظات، حيث تقع ضمن أدنى خمس محافظات على مستوى الجمهورية.
على سبيل المثال لا يوجد فى المنيا سوى فندق خمسة نجوم وأربعة تتراوح بين ثلاثة نجوم ونجمتين، بل وسمالوط التى يوجد بها دير السيدة العذراء لا يوجد بها فندق واحد، ونفس الأمر بكل من ملوى وأبوقرقاص، بأختصار المدن التى تعد المراكز الإدارية التسعة لا يوجد بها فنادق بأستثناء مدينة المنيا التى تبلع فنادقها حوالى عشرة تقريبا.
لا يوجد بالمنيا سوى متحفين بالمنيا وملوى، وهى للآثار الفرعونية ولا توجد متاحف للآثار القبطية أو الإسلامية، إضافة إلى ذلك لا يوجد بالمنيا سوى دار سينما واحدة فى نادى القوات المسلحة ولا يوجد بها مسارح تعمل إلا فى المحافظة حسب الطلب، وحتى قصر ثقافة المنيا لم يبنى مسرحه منذ أكثر من ثلاثين عاما.
أى أن الحياة الثقافية فى المنيا متعثرة منذ الإرهاب الماضى فى منتصف ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، لذلك لا تتوافق الدعوة إلى العمل على رحلة العائلة المقدسة ومحافظة المنيا أولا ليست على خريطة السياحة العالمية، وثانيا لا توجد بها البنية الأساسية للسياحة، وثالثا البنية الثقافية «ولا أقول الحركة الثقافية» متراجعة منذ منتصف ثمانينات القرن الماضى حينما منعت الجماعة الإسلامية إقامة تمثال لعميد الأدب العربى د. طة حسين.
كل ذلك لابد أن يضع فى الاعتبار لأن الأمر لا يجب أن يتوقف على الأماكن التى مرت بها الرحلة فقط، ومن ثم يجب إعادة النظر فى رؤية كل المحافظات التى مرت بها العائلة المقدسة، سواء من البنية التحتية أو البيئة الثقافية.
نقلا عن اليوم السابع