التدين يتعافى!
مقالات مختارة | بقلم : دينا عبدالكريم
٠٤:
٠٧
م +02:00 EET
الأحد ١٢ اغسطس ٢٠١٨
فى مصر تحدث تغييرات أسرع من قدرة أى شخص على التنبؤ أو التوقع، لا مجال للروتين أو الملل، تستطيع بسهولة أن تجلس بهدوء وتتابع مسلسلاً اجتماعياً درامياً هزلياً وساخراً وغير منطقى بين طرفى ما يسمونه «السلفية الفكرية»، لكن بتعبير أدق هو «الأفكار ذات الأجندات»، فكل تيار يُكفِّر مَن هم خارج أجندته الخاصة، وهذا هو ما عهدناه لعقود طويلة!.
لكن فى أسبوع واحد قامت التيارات الإخوانية بغزوات كبرى ضد فنانة اختارت خلع الحجاب، وأياً كانت أسبابها أو دوافعها، لكنك للمرة الأولى منذ زمن طويل تجد الوعى العام للمصريين وقد صار أكثر نضجاً، ببساطة ترى المجتمع المصرى يتعامل مع الفكرة بمنتهى التعقل ويفهم الحرية الشخصية ويضع القيم الأخلاقية فى ترتيبها المنطقى، مدركاً أن المظهر قد يكون آخرها، ولم يعد أهمها كما عانينا طويلاً.
وعلى صعيد آخر، وفى نفس الأسبوع، تواجه الكنيسة المصرية بشجاعة وشفافية فاجعة مقتل أب جليل وتقى، وسط شكوك حول خلفيات فكرية وراء قتله، الأمر الذى قدمت فيه الكنيسة الصورة المؤسسية المثلى من احترام القانون وإعلاء الشفافية والاستعداد التام لكشف الجانى أياً كانت مكانته ورتبته!.
تلك الصورة وهذا الثبات من جانب قيادة الكنيسة، وهذا الوعى من جانب المجتمع القبطى المسيحى، تُعَدّ هزة للتيارات المتشددة التى ظهرت على السطح فى الكنيسة ونصّبت من نفسها حماة للدين والإيمان ومارست على المجتمع المسيحى أعنف أنواع التكفير والاتهامات لكل مَن يحاول التفكير خارج أجنداتها الفكرية!.
يسميها البعض: «السلفية المسيحية»، والحقيقة أن الأزمة الفكرية فى الكنيسة ليست نتاج «أصولية جامدة»، بل قد تتعجب حين تدرك العكس، فالفكر الآبائى الأصيل وفكر الكنيسة الأولى كان فكراً أكثر اتساعاً وأكثر إعمالاً للعقل والمنطق وأكثر روحانية وهدوءاً.
بينما التيارات التى تدَّعى حماية الكنيسة بكل هذا العنف يجدها العقل المسيحى والروحانية المسيحية دخيلة عليه!.
ما يحدث فى المجتمع المصرى، خاصة على الأصعدة الدينية، هو شفاء ونمو، وليس كما يراه بعضنا انتكاسة ورِدّة.. ما يحدث هو تغيير حقيقى نحو أفراد أكثر فهماً وتدين أكثر نضجاً..
رغم أن ما يحدث يبدو عجيباً، فإن ردود الأفعال من جانب الغالبية الأعَمّ تبشر بمجتمع كان مريضاً بهوس دينى أفقد الدين معناه وأفسد المعاملات، والآن هو أمام مواجهات عنيفة مع كل هذا..
لقد وصلنا إلى ما نحن فيه من أزمات فكرية كنتيجة أزمات اجتماعية أصيلة. الآن، فلنفرح لأننا نتعافى ولأننا نعرف الحقيقة بدون تجمل.
نقلا عن المصرى اليوم