الأقباط متحدون - جميل.. «الجميل»!
  • ١٠:٠٨
  • الخميس , ٢٠ سبتمبر ٢٠١٨
English version

جميل.. «الجميل»!

مقالات مختارة | طارق الشناوي

٠٢: ٠٤ م +02:00 EET

الخميس ٢٠ سبتمبر ٢٠١٨

طارق الشناوي
طارق الشناوي

ظللنا نتابع على (الميديا) خبر رحيله، ثم نتابع بسعادة خبر تكذيب الخبر، هذه المرة مع الأسف لم يتم التكذيب.

كانت آخر أمنياته أن يلقى تكريما فى بلده مصر، بأعلى الأوسمة، التى يستحقها، مثلما كرموه فى تونس وفرنسا.

آخر مرة رأيته فى ندوة قبل ستة أشهر أقيمت له فى مهرجان الأقصر، اعترف، فى الحوار المفتوح، بأنه كثيرا ما شارك فى أعمال متواضعة بسبب احتياجه المادى، فهو لا يخجل من ذكر الحقيقة، إنسان لديه متطلبات معيشية يجب أن يفى بها، ليس هذا قطعا مبررا لكى يقبل الفنان أداء أى دور، ولكن يحسب لجميل شجاعة الاعتراف بالخطأ بعد أن أصبحت الفضيلة الغائبة ليس فقط فى الفن، بل فى كل مظاهر الحياة.

جميل راتب منحته تونس، قبل أقل من عامين، أرفع أوسمتها التقديرية (وسام الجمهورية من الطبقة الأولى)، جاء للاحتفال على كرسى متحرك، ووضع الوسام على صدره الرئيس التونس السبسى، الذى يولى اهتماما كبيرا بالفن وبالإبداع، لم يكرم فقط جميل عن أفلامه المصرية أو حتى الفرنسية، ولكن من المعروف أنه شارك فى أكثر من فيلم تونسى أشهرها (شيشخان) وتحدث فيه بطلاقة باللهجة التونسية.

جميل يحمل ثقافة أجنبية مغايرة فى التعامل مع الحياة الفنية، وهى نفسها التى كان يحملها أيضا عمر الشريف، فهو يقول الحقيقة بلا تزويق ولا حتى تبرير، ليس لديه أدنى حاجة أن يضيف شيئا لتجميل العبارة، بينما ستجد أننا نُهدر طاقتنا فى تجميلها.

تعودنا من فنانينا على الكذب، وتعودت صحافتنا وإعلامنا على ستر هذه الأكاذيب، بطبقة من السُكر، بحجة أن الناس تبحث عادة عن وجه مثالى.

جميل راتب هو أحد ملوك فن الأداء فى المساحات الدرامية القصيرة، التى أتيحت له، ومع مرور الزمن تنصفهم الأيام، مثلما انحاز الزمن إلى عبدالفتاح القصرى وزينات صدقى وزكى رستم واستيفان روستى ومحمود المليجى وتوفيق الدقن وغيرهم، رغم أنهم لم يكونوا يوما ممن تتصدر أسماؤهم الأفيشات والتترات، وأظنه سينحاز أيضا فى القادم من السنوات إلى الجميل... جميل راتب.


جميل لم يعرف البطولة إلا مع السينما التونسية، وأيضا فى الدراما التليفزيونية، تكتشف أن أهم دور لعبه، فى (الراية البيضاء)، وكما أشار محمود مرسى إلى أنه رشُح أولا لبطولة المسلسل، إلا أنه قال للمخرج محمد فاضل إن الدور ينادى صاحبه، وصاحبه بلا منازع هو جميل، والذى قال إنه برغم أن بعض الكلمات المغرقة فى شعبيتها والتى كان الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة يوظفها فى الحوار وجميل لم يكن يُدرك تماما معناها، إلا أنه تمكن من السيطرة على ما هو أهم من بعض المفردات، وهو روح الشخصية.

جميل كان الترشيح الثالث للدور، كانت المحطة الثانية لفاضل بعد اعتذار مرسى، إسناد شخصية (مفيد أبوالغار) لكمال الشناوى، وعندما اعتذر لم يجد سوى جميل، فكان أهم أدواره على الشاشة الصغيرة. على المقابل أذاع جميل راتب سرا أنه كان المرشح الأول لأداء دور «خالد صفوان» رجل المخابرات المسؤول عن المعتقلات والتعذيب فى حقبة الستينيات، إلا أنهم بسبب البحث عن اسم أكثر نجومية وقع اختيارهم على كمال الشناوى.

أحمد زكى، كما هو معروف، كان مرشحا لأول مرة للبطولة أمام سعاد حسنى، ولكن بسبب لونه الأسمر، اعترض الإنتاج، فأسند الدور إلى نور الشريف، كاد أحمد زكى أن يفقد حياته بسبب ضياع الدور،عندما أقدم وقتها على الانتحار، بينما جميل راتب تعامل مع الأمر كعادته بهدوء، هم يريدون نجما أكثر جاذبية على الأفيش، وكمال الشناوى يحقق لهم ذلك.

الكبار مع الزمن ينصفهم التاريخ، مهما ظلمتهم (الجغرافيا) وأعنى مكانتهم على الخريطة الفنية، التاريخ لا يعرف سوى الجمال الفنى، وجميل اسم على مسمى، جميل (الجميل)!
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع