الساحل الشمالي .. قضية كل موسم !! (2)
يوسف سيدهم
السبت ٢٢ سبتمبر ٢٠١٨
بقلم: يوسف سيدهم
أعود إلي ملف الساحل الشمالي الذي فتحته مجددا منذ أسبوعين واضررت أن أرجئ استكماله الأسبوع الماضي للضرورة الملحة التي أبعدتني عنه لترسيخ مبدأ حق
الرد الذي تناولته تشريعا وتطبيقا فكان موضوع المقال السابق
.
وأذكر القارئ أنني في الحلقة الأولي من القضية استعرضت واقع استراتيجية الاستثمار العقاري في الساحل الشمالي والتي اتجهت نحو بيع الأراضي والسماح لرأس المال الحكومي والخاص علي السواء بالتصرف في كامل القدرة الاستيعابية للمشروعات المقامة بالتمليك المباشر, وذلك بعكس استراتيجية الاستثمار السياحي السائدة في كل من ساحل البحر الأحمر وجنوب سيناء والتي ألزمت المستثمرين بتأسيس أنشطة فندقية فيما لا يقل عن 75% من الطاقة الاستيعابية لمشروعاتهم.. فكانت النتيجة التراكمية عبر أكثر من أربعة عقود أن الساحل الشمالي تحول إلي منطقة موسمية تعج بالحياة بينما لا يتجاوز أربعة أشهر من السنة وبعدها يتحول إلي منطقة مهجورة موحشة لا تخلق فرص عمل ولا تدر أرباحا ولا تمثل قيمة حقيقية مضافة علي صناعة السياحة بما يتناقض بشكل صارخ مع مقوماتها الطبيعية من شواطئ رملية وبحر خلاب ومناخ معتدل جاذب.
ولأني لست من هواة التباكي علي المشكلة دون محاولة البحث عن حل تساءلت: هل تحمل مدينة العلمين الجديدة طوق النجاة للساحل الشمالي؟.. وهل هناك رؤي لتطوير منظومة التمليك هناك؟
الحقيقة أن هناك آمالا كبارا معقودة علي الاستثمارات القومية التي تهدف إلي خلق مجتمعات سكانية مستقرة معتمدة علي أنشطة اقتصادية سواء زراعية أو صناعية أو تجارية أو غيرها, لأنها تمثل رافدا حيويا للتنمية البشرية والاقتصادية والعمرانية وبالتالي فهي تضخ دماء جديدة في شرايين التخطيط وتمثل مراكز جذب ليس فقط في حدودها المباشرة إنما تعكس ذلك علي سائر الأنشطة والاستثمارات الموجودة في نظامها الجغرافي فتبعث فيها الحياة وتشجع الحركة.
والمتابع لمشروع مدينة العلمين الجديدة يعرف أنه مشروع طموح يتمتع بالاكتفاء الذاتي ويعتمد علي أنشطة اقتصادية تخدم تجمعا بشريا مستقر طوال العام بجانب ما يوفره من إسهام سياحي يتناسب مع موقعه الجغرافي المطل علي ساحل البحر المتوسط. إذا التغيير الحقيقي الذي يقدمه هذا المشروع هو إخراج المنطقة التي يقام فيها من طابع النشاط الموسمي وفرص العمل الموسمية علاوة علي تشجيع الأنشطة الاستثمارية التي تدر عوائد مستمرة.. وكما قلت هذه كلها دماء جديدة يتم ضخها في منطقة اصطلح علي تسميتها منطقة إجازات موسمية والاستسلام لذلك الواقع!! لهذا يعول علي قبلة الحياة التي من شأنه أن يعطيها مشروع مدينة العلمين للساحل الشمالي في إخراج مشروعاته ومنتجعاته من حالة البيات الشتوي التي تحولها إلي أصول استثمارية مجمدة وثروات عقارية مهددة بالتآكل.. وبالتالي يعود الأمل في تشجيع مرتادي تلك المنتجعات علي الاستفادة منها طوال العام متي سمحت ظروفهم بذلك الأمر الذي ينتج عنه استقرار الخدمات وثبات فرص العمل والتحول التدريجي من النشاط الموسمي إلي النشاط الدائم.
ما بخلاف مدينة العلمين فهناك رؤية لتحويل منتجعات الساحل الشمالي إلي الطابع السياحي, الأمر الذي يعد بجعلها إضافة واعدة للاقتصاد القومي والدخل السياحي.. وذلك بتغيير نظرة المصريين الذين يستحوذون عليها بالتمليك المباشر إلي تدبر سبل إتاحتها للاستخدام السياحي, فكما قلت في المقال السابق يظل الساحل الشمالي بالنسبة للمصريين منطقة إجازات مرغوبة في فصل الصيف وهو ما يتناسب مع موسم إجازاتهم سواء المرتبطة بالإجازات الدراسية أو إجازات العمل يضاف علي ذلك عزوفهم عن ارتياد المنطقة في فصل الشتاء لبرودة الجو وصعوبة التمتع بالبحر.
لكن يجب أن ندرك أن فصل الشتاء في بلادنا والظروف المناخية في الساحل الشمالي -باستثناء أيام قليلة معدودة ومعروفة في جدول النوات- هي ظروف معتدلة ومستقرة وتعتبر جاذبة جدا لسائر شعوب شمال أوروبا وبلاد الأجواء قارسة البرودة أو المناطق التي تغمرها الثلوج وتنخفض فيها درجات الحرارة ما دون الصفر.. تلك المناطق تنظر إلي سواحلنا الشمالية باعتبارها أماكن جذب سياحية من الطرازالأول وتتمني شركات السياحة فيها أن تتاح لها الفرصة لتسويقها سياحيا.. وقد سبق أن تناول هذا المنحي نفر من القائمين علي التنشيط السياحي وكانت الروشتة تتركز في تشجيع وتكثيف الاستثمار الفندقي, علاوة علي دراسة تحويل نماذج من المنتجعات العمرانية في الساحل إلي التسويق السياحي طبقا لنظام مشاركة الوقت, لكن هذه الدراسة تستدعي إعادة تأهيل وحدات هذه المنتجعات لتتناسب مع معايير نظام المشاركة.. فهل نمتلك الإرادة والشجاعة لتغيير واقع الساحل الشمالي؟.. أم سيظل قضية كل موسم؟!!