الأقباط متحدون - الإلحاد ليس ظاهرة مصرية فقط
  • ١٩:١٥
  • الخميس , ٢٧ سبتمبر ٢٠١٨
English version

الإلحاد ليس ظاهرة مصرية فقط

مقالات مختارة | عادل نعمان

٥٧: ٠٦ ص +02:00 EET

الخميس ٢٧ سبتمبر ٢٠١٨

عادل نعمان
عادل نعمان

الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس صرحت لجريدة «الأسبوع» بأن «شباب مصر مستهدف، وأن جماعة الإخوان الإرهابية هى السبب فى تفشى ظاهرة الإلحاد بين الشباب، حيث تعرّضوا لصدمة جراء حالة الخداع، بعد أن اكتشفوا زيف وكذب شعاراتهم»، هذا يا دكتورة نتيجة سياسية، وليس نتيجة علمية كاملة، فليست مصر مستهدفة بالإلحاد، دون بقية دول العالم، وليست هناك مؤامرة على شبابنا لانتشاره دون شباب العالم، فلا يقف المتآمرون على شواطئ مصر يبثون سموم الإلحاد فى الماء والهواء، تماماً كما صرح أحد المشايخ بأن المؤامرة على الإسلام قد وصلت إلى حد زيادة أعداد النساء على الرجال فى الدول الإسلامية، عن طريق التلاعب فى صناعة الأدوية والأغذية الغربية المصدّرة إلى دولنا، وصلنا بالعقل إلى هذا الاستخفاف والاستهبال، وهذا الاستخفاف، وهذا الاستهبال كان وما زال أحد أسباب الإلحاد التى أصابت فى الصميم، وهو تناول الموضوعات بطريقة غير علمية، وغير مدروسة.. وليست جماعة الإخوان الإرهابية سبب انتشار الظاهرة وحدها، وإن كانت تمثل جزءاً يسيراً منها، تزيدها أفكار السلفية التى انتشرت فى عهد الإخوان وما زالت، وربما يكون لها النصيب الأكبر من هذا القليل. ثم ما قولك فى المشايخ الرسميين الذين صدموا الشباب برضاعة الكبير من حلمة الثدى مباشرة، وجواز نكاح الرضيعة ومفاخذتها والاستمتاع بها، وجواز وطء البهائم عند البعض، وقتل البهيمة المنكوحة وحرقها عند البعض الآخر، وتحريم خلع ملابس الزوجين أثناء المعاشرة الزوجية، وجواز مضاجعة الوداع، وأكل جزء من لحم المرأة حية حال الجوع القاتل، بل تركها للمغتصبين مخافة الهلاك، وقتل تارك الصلاة، وصحة الحمل على ثلاث وأربع وخمس سنوات من بعد غياب الزوج أو موته، أليس هذا بصادم للعقل يا دكتورة ومتناقض ومتخانق معه؟، فهل مشايخنا الرسميون جزء من هذه المؤامرة؟ الإلحاد يا دكتورة ظاهرة عالمية تتزايد كلما وقف الدين ضد العلم، أو حاول أن يسكته أو يخرسه بروايات المخرفين، أو يناهضه بتفسيرات البدائيين، أو يفسر الظواهر الإنسانية والطبيعية بعلم الجاهليين.

الإلحاد يا سيدتى هو رد فعل لتغييب العقل وازدرائه، والتقليل من قدره وقيمته، وتهميش الإبداع والعودة إلى الوراء، كهذا الذى قيل عن الحمل ضارباً عرض الحائط بالعلم أمام قول الأئمة، ولم تكن ثورات «ابن المقفع» و«الرازى» و«ابن الراوندى» إلا تمجيداً للعقل، واعتباره الحكم الأول والأخير على كل شىء، حتى الإيمان بالرسل والأنبياء، وكان الرفض والاضطهاد والقتل جزاءً لهؤلاء، ولو حاوروهم وجادلوهم بالحسنى لكان للعقل وللإيمان شأن آخر. الإلحاد نتيجة الحيرة بين تغليب النزعة الإنسانية، والقيم الروحية الراقية، وروابط المحبة والتواصل والرحمة الغالبة على فطرة الإنسان، وبين العنف والقسوة والقتل والذبح والنحر والنسف والدهس الذى اعتنقه وأيّده وعمل به كثير من الذين يدعون الناس إلى الإيمان قوة واغتصاباً. ماذا نقول للشاب حين يُباع النساء والأطفال فى الأسواق، وتنتهك أعراضهم، ويجرون بالسلاسل جر الإبل، ونقول له هذا هو إسلامنا؟ ماذا نقول له حين تحز الرقاب ويحرق الأحياء وتدهس الأنفس البريئة، وتنسف المساجد والكنائس على المصلين، ويهتف هؤلاء الله أكبر، للاستعانة بالله؟ كيف يتوازن ويتماسك، وكيف يقبل ما يناقض فطرته، وما لا تقبله قناعاته وبين دعاوى هؤلاء؟ الإلحاد هو التمرد والهروب إلى ساحة محايدة بلا قيود، هروباً من قيود الخاصة، يرى بعين جريئة ويسمع غير ما تعود أن يسمعه، وهو مطلب حر للإنسان يمارس فيه حرية النظر والإدراك، يحارب من أجلها ويتمرد على مانعها، حاكماً كان أو رجل دين، مساحة الحرية والتمسك بها حق أصيل، وهى منحة الله، استدعت أن يموت معظم المفكرين وقوفاً فى الدفاع عنها، بل حتى حين قطعت أوصال، وسملت عيون، وصلبت أجساد حية تحت لوائها لم يتراجعوا، مهما كانت درجة التصنيف، مفكر أو ملحد أو زنديق. ظاهرة الإلحاد نتيجة الصراع بين الحضارة والبداوة، بين القانون الملزم الحاكم الصارم، والمظهر المزيف الذى التزم ظاهرياً، ولم يصدقه العمل، بين من لا يكذب ولا يسرق ولا يدلس بلا لحية أو جلباب، وبين من اعتمد على دخوله الجنة وإن سرق وإن زنا. يا دكتورة، على قدر مساحة الحرية يكون صدق الاعتقاد والاقتناع، وليس الحبس أو السيف، كما قال مشايخنا.

الإلحاد ليس ظاهرة مصرية أو عربية أو إسلامية، بل ظاهرة عالمية، تتزايد مع مساحة الحرية، ومع مساحة الكبت أيضاً، ولا أتصور أن الحد من هذه الظاهرة مهمة رجال الدين، فلا يعالج المريض من كان يوماً جزءاً من علته ومن مرضه، سيزيد المرض والعلة، وليس بالقانون والعقوبة، فالعقوبة هنا إنكار معلوم من الدين بالضرورة، لقول الله «فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ»، وهو حق الله وليس حق العباد، وضمان الله وعطاؤه. ليس بالقانون نقضى على الظاهرة أو برجال الدين، بل باستيعاب هؤلاء، والمحاورة والنقاش العلمى الموضوعى، ونسف هذا الخطاب الإقصائى المدمر، ثم نترك الأمر لصاحب الأمر. الإلحاد ظاهرة عالمية تستحق الدراسة العلمية من جميع النواحى، وليس من ناحية واحدة، وبحكمة وروية.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع