حسني مبارك راجل مسلم
د. وجيه رؤوف
في صباح يوم الأربعاء 3-8 -2011 الساعة العاشرة صباحًا، وبعد مروري على مرضاي بالمستشفى توجهت إلى غرفة الأطباء لأجد الغرفة ممتلئة عن آخرها وقد عكست المقاعد وأصبحت موجهة ناحية التلفاز، والكل مشدود لما يجري على الشاشة..
فبادرتهم بالسؤال: دي المحاكمة؟؟
فأجابونى بنعم وأفسحو لي للجلوس وسطهم، وجلست لأتابع محاكمة الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك..
كان الجو متوترًا داخل الغرفة فكان من زملائي من آثر الجلوس دون أن ينظر إلى الشاشة مطلقًا، وكان حزينًا لما يرى كما كان مرهقًا من أثر الصيام ففضل الاستماع دون تعليق..
وكان هناك من صرح قائلًا: سبحان المعز المذل، يؤتي الملك لمن يشاء ويذل من يشاء.
وكان هناك من علق قائلًا: يستاهل كل اللي يجرؤ له، ده ياما عمل فينا وياما اعتقلنا وياما كدرنا، وظلم ناس ويتم ناس.
وهناك من قال: ده كان فيه ناس بتدفن ماحدش يعرف عنها حاجة.
ووسط هذا قال أحد الزملاء: ده عهد جديد سوف يتعظ منه كل قائد يأتي مستقبلًا، طالما علم أن هناك محاسبة ستأتي.
وهنا صرح أحد الزملاء تصريحًا خطيرًا قائلًا:
حرام عليكم يا جماعة، ما يصحش حسني مبارك يحصله كده أبدًا يا ناس !!
فسأله زميل آخر: ليه يعني ما يصحش؟؟
فأجابه قائلًا: كفاية ياخوانا ده حسني مبارك راجل مسلم برضه، كفاية دي .
وهنا لم يرد عليه أي من الزملاء ونظرت إليه صامتًا ولم أشأ مقاطعته أو اعتراضه في الكلام، خصوصًا والناس صايمة وروحها فى مناخيرها، وكمان دي أيام مفترجة يكثر فيها ذكر الله، ففضلت عدم الخوض في موضوع أن حسني مبارك رجل مسلم !!
ولكنني بلعت هذه الجملة المتخلفة فكريًا، فهل إسلام رجل يعفيه من المساءلة؟ وهل كون شخص يحمل ديانة معينة مبررًا لكي يرتكب كل الموبقات؟؟
وهل حمل المتهم للمصحف داخل جلسات المحاكمة يعطى القاضي مبررًا لتخفيف الأحكام أيا كانت تهمه الشخص وما ارتكبه من مظالم.
وهنا تذكرت كلام بعض المتشددين بأنه لا خروج على الحاكم المسلم وإن فجر وإن ظلم، فأدركت أن هذه الشعوب لن تتقدم مستقبلًا أبدًا، طالما حملت فكرًا يكرس للعبودية وللفساد بل وتشكل عقلياتهم عتادًا للفاسدين في كل مجال.
ولكني سرحت بتفكيري إلى الدول المتقدمة حضاريًا وفكريًا وهي نفس الدول الفاجرة الكافرة في نظرنا لكي أعقد مقارنة.
فكلينتون ترك قيادة الولايات المتحدة لمجرد أنه حنث بالقسم أمام شعبه، ونحن شعب يعيش قادتنا في الكذب ليل نهار ومع ذلك نؤلههم ونعتبرهم خلفاء الله على الأرض.
قدم الرئيس" شاويشسكو" الروماني للمحاكمة ولم يشفع له في بلاده أنه يحمل ديانتها..
وكذلك حدث مع الرئيس الإسرائيلي الذي اتهم بالتحرش بفتاه داعرة أصلًا، ولم يشفع له أنه يهودي يحمل نجمة داوود، ولم تشكل يهوديته أي تبرير لجريمته الرعناء أمام محكمه يهودية.
هذا في إسرائيل التي يتهمونها بالتعصب الديني..
حقيقه فقنا الجميع في تعصبنا وفي نرجسيتنا وفي الكيل بمائة مكيال فإلى متى؟؟
إلى متى نعيش في وهم أننا من طينة وبقيه خلق الله من طينة أخرى؟
إلى متى نعيش في عبادة الفرد وفكر الفرد، وننحي عقولنا عن التفكير بحرية لنطلق العنان لفكرنا وننظر جليًا حولنا لنرى حقيقتنا على جليتها ودون أصباغ ودون رتوش، لنرى أننا في أذيال الدول التي تخطت بفكرها المتحرر حدود شرنقة الفكر العربي القبلي المتحجر، والذي تحده حدود البادية من جميع الجهات مانعة فكره المحدود من الإنطلاق لرحابة الثقافة العالمية والتطور العلمي والحضاري.
إنها لمآساة أن أجد شبابًا يحمل درجات علمية عالية يحمل ذلك الفكر المحدود المتجمد المحصور في فكر البادية.
للأسف كل هذه المشاكل موروثات من حكم المخلوع الذي أغرقنا خلال ثلاثين عامًا في ثقافات قادمة من البادية، وتحمل ولائا للبادية ورجالها، كما كانت ثقافات تدعو إلى إقصاء الآخر وتشبيه الآخر بأنه درجة ثانية، حتى يعيش الفرد متعاليًا لديه شعورًا متأصلًا أنه ياما هنا ياما هناك، وفي الحقيقة هو لا هنا ولا هناك، لأنه للأسف قد تربى جيلًا ينتظر قمحه من الخارج بل وينتظر دعمًا فئويًا من دول الخليج لكي يعيش دائمًا فاغر الفاه، جائعًا متأملًا يوما أن يجد كفيلًا له في دولة عربية يستطيع أن يؤمن له مستقبلًا أفضل.
تلك هي أقصى حدود البادية.
ولكن أن تفكر يومًا أن يكون لك منزلًا فوق كوكب المريخ فهذا في المشمش طبعًا .
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :