بعد وفاته.. «الوطن» تعيد نشر آخر حوار للعميد ساطع النعماني
أخبار مصرية | الوطن
الاربعاء ١٤ نوفمبر ٢٠١٨
توفى، مساء أمس، العميد ساطع النعماني نائب مأمور قسم شرطة بولاق الدكرور الأسبق، في لندن قبل ساعات قليلة من عودته إلى القاهرة عقب نجاح جراحة في الوجه، و"الوطن" تعيد نشر آخر حوار للراحل بالجريدة تحدث فيه عن كواليس إصابته برصاصة أثناء التصدى لشغب الإخوان، بمنطقة بين السرايات، المعروفة إعلامياً بـ«مجزرة بين السرايات»، فى 2 يوليو 2013 وأفقدته بصره، وإلى نص الحوار.
أشهر طويلة.. أيام وليال قضاها العقيد ساطع النعمانى سابحاً فى غيبوبته أو موزعاً بين خراطيم المحاليل والأكسجين، مستسلماً لمشارط الجراحة وأنامل الجراحين التى تسابق الزمن كى تعيد الرجل من حافة النهاية إلى أحضان أسرته ومحبيه.
الأشهر والأيام والليالى التى غيبت فيها العقيد ساطع النعمانى، نائب مأمور قسم بولاق الدكرور.. رصاصة إخوانية عن الوعى والإدراك بالحياة لم تفت فى عزيمة الرجل، الذى بدا واثقاً ومثابراً وممتناً وهو ينحنى فى مطار القاهرة ليسجد شكراً لله على عودته إلى بلده. يروى العقيد النعمانى، لـ«الوطن» تفاصيل إصابته ورحلة علاجه التى استغرقت 14 شهراً خارج البلاد، بعد إصابته برصاصة أثناء التصدى لشغب الإخوان، بمنطقة بين السرايات، المعروفة إعلامياً بـ«مجزرة بين السرايات»، فى 2 يوليو من العام الماضى وأفقدته بصره.
إلى نص الحوار.
ما كواليس اليوم الذى أصبت فيه؟
- كنت فى مكتبى بقسم شرطة بولاق الدكرور، وكان كل الضباط فى حالة تأهب بعد اعتصام تنظيم الإخوان فى ميدانى النهضة ورابعة العدوية عقب ثورة 30 يونيو، وقتها شاهدت خطاب الرئيس المعزول محمد مرسى الذى ردد فيه كلمة «الشرعية» عدة مرات، وقال نصاً «دمى يسيل فداء الشرعية»، هذه الجملة أعتقد أنها كانت إشارة لما حدث فى هذا اليوم.
ماذا حدث؟
- بعد مرور حوالى 5 دقائق سمعنا إطلاق نار كثيف أعلى كوبرى ثروت، وتجمع معظم أهالى المنطقة أمام القسم وطلبوا منى التدخل لحمايتهم من الإخوان الذين اعتلوا جامعة القاهرة وأطلقوا الرصاص بطريقة عشوائية عليهم، وكان فى ذلك الوقت اعتصام للإخوان فى ميدان النهضة ومحيط جامعة القاهرة، وعلى الفور انتقلت إلى مكان إطلاق الرصاص أعلى كوبرى ثروت، وهناك وعقب وصولى شاهدت تجمعات للأهالى وحالة من الفوضى فى المنطقة وإطلاق نار كثيف من ناحية جامعة القاهرة، وبدأت أنا والقوات محاولة السيطرة على الأوضاع، واتصلت بمدير المباحث اللواء محمود فاروق وقتها، وأخبرته بالأحداث التى تقع فى المنطقة وأخبرته أيضاً أن عدداً من الجماعة الإرهابية اعتلوا أسطح جامعة القاهرة ويطلقون الرصاص على منطقة بين السرايات بطريقة عشوائية ويستخدمون أسلحة قنص موجهة بالليزر لقتل الأهالى ورجال الشرطة.
وكيف أصبت؟
- أُصبت بعد 10 دقائق بطلقة فى الوجه أفقدتنى الوعى، وجرى نقلى إلى مستشفى الشرطة بالعجوزة، دخلت العناية المركزة لعدة ساعات ولكن لم يتمكن الأطباء من إسعافى لعدم وجود الأجهزة الطبية الحديثة بالمستشفى، وفى الساعات الأولى من صباح اليوم التالى، جرى نقلى بطائرة خاصة للعلاج فى أحد المستشفيات بسويسرا، بعد أن أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية واللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية، قراراً بعلاجى خارج البلاد، واستمرت فترة الغيبوبة 60 يوماً متواصلة، «ماكانش فيه أى عضو فى جسمى شغال، أنا كنت ميت فى الوقت ده، بس كنت فرحان إنى هموت شهيد»، ونحمد الله أنه كتب لى عمراً جديداً، فالأطباء فى سويسرا قالوا لى بعد الإفاقة من الغيبوبة إن التوقيت الذى حضرت فيه إلى المستشفى كان مناسباً جداً لأنى لو كنت تأخرت قليلاً لأصبحت فى عداد الموتى، وهذا جميل لن أنساه للرئيس السيسى واللواء محمد إبراهيم، طيلة عمرى.
صف لنا أحاسيسك خارج مصر؟
- المدة التى قضيتها فى سويسرا كانت 6 أشهر وهناك تأكد لى أن المصريين أحسن شعب فى الدنيا كلها، لأن الجالية المصرية هناك كانت دائمة التردد علىَّ لزيارتى والاطمئنان على صحتى بشكل يومى، وكل ما كنت أحتاج إليه كنت أجده أمامى، لذلك كنت مُصراً على أن أقول لهم: «خلوا بالكم من مصر.. مصر أمانة بين إيديكم.. لو ضاعت كلنا هنضيع».
وبعد قضاء 6 أشهر فى سويسرا سافرت لاستكمال العلاج فى لندن، واستقبلتنى الجالية المصرية هناك استقبالاً بالغ الحفاوة، فضلاً عن زيارتى بشكل مستمر من أفرادها للاطمئنان على صحتى، حتى أكمل الله شفائى على خير، وحانت عودتى مرة أخرى إلى القاهرة، «بصراحة كنت بأقول إنى ميت خلاص، بس الحمد لله انكتب لى عمر تانى إنى أشوف مصر الجميلة».
وبم تشعر الآن؟
- الآن أقول الحمد لله، لأن الله كتب لى عمراً جديداً، «ربنا نجانى من الموت أكتر من مرة»، وأتذكر سنة تخرجى فى كلية الشرطة واحتفال الأهل بنا عام 1992، وما زلت أذكر أول عمل لى فى الإدارة العامة للعمليات الخاصة وعملت بها 4 أعوام، وكان آنذاك اللواء أشرف عبدالله رئيس إدارة العمليات الخاصة، «فاكر بالظبط واقعة كنا هنموت فيها كلنا أنا وزمايلى فى الإدارة»، كنا فى مهمة للقبض على 7 عناصر من المسجلين خطر فى المنيا، واشتبكنا معاهم وبعد تبادل إطلاق الرصاص، تمكنا من قتل المتهمين، واقتربنا من الجثث للكشف عنها، وجدنا أحد المتهمين يحتضن قنبلة كبيرة الحجم وكان على وشك أن يفجرها، «بس الحمد لله ربنا أكرمنا وقتلناه قبل التفجير بدقيقة»، كانت تلك المأمورية من أخطر المأموريات خلال 4 سنوات عمل فى الإدارة قبل أن أنتقل إلى مديرية أمن الجيزة التى قضيت فيها باقى الخدمة. فبدأت معاون نظام بقسم شرطة العجوزة، ثم ضابطاً بالإدارة العامة للمباحث، ثم معاون مباحث لقسم الدقى، ورئيساً لمباحث المرور لمدة عامين، ثم رئيس مباحث ترحيلات الجيزة ورئيس حرس محكمة جنوب الجيزة، كما شغلت منصب معاون مباحث الصف بالجيزة، وأخيراً نائباً لمأمور قسم بولاق الدكرور منذ 4 سنوات حتى يوم «مجزرة بين السرايات».العقيد ساطع النعمانى يتحدث لـ«الوطن»
كيف ترى عودتك للحياة بعد هذه المحنة؟
- «أنا كنت ميت لولا دعاء أمى ومراتى وابنى ياسين، دعاهم هو اللى نجّانى من الموت. فأمى أحسن أم فى الدنيا كلها عشان كده أول ما شفتها فى المطار جريت عليها وبوست رجليها»، كانت دائماً تدعو لى بالشفاء هى وزوجتى حتى تقبل الله منهما ونجانى من الموت وأعادنى للحياة مرة أخرى.
ماذا عن أسرتك؟
- أنا متزوج منذ 10 أعوام ولدىَّ ابن اسمه «ياسين» يبلغ من العمر 5 سنوات ووالدى كان وكيل وزارة التربية والتعليم «وهو أحسن أب فى الدنيا كلها»، فأحسن نشأتنا و«ربّانا أحسن تربية أنا وإخواتى الثلاثة»، اثنان فى كلية الطب والأخير ضابط طبيب.
فى النهاية، ماذا تطلب؟
- أنا أحد أبناء الوطن وأعشق ترابه «عشان كده أول ما وصلت مطار القاهرة، سجدت على الأرض عشان أحمد ربنا إنى رجعت تانى». وأريد توجيه 3 رسائل، الأولى للرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية، أقول فيها: «كلنا معاك يا ريس، وهنخلى بالنا من مصر.
انت أنقذتها فى الوقت المناسب، وهتخلى مصر قد الدنيا زى ما بتحلم».
والرسالة التانية لوزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، أقول: «كنت خير أخ وأب لى وقت المحنة.
ربنا ثم أنت السبب فى إعادتى للحياة مرة تانية».
أما الرسالة الثالثة فهى لابنى ياسين: «عايزك تطلع بطل زى أبوك، وتقول الحق وتحارب الإرهاب والظلم».
هل تريد أن يلتحق «ياسين» بكلية الشرطة؟
- نفسى ياسين يدخل كلية الشرطة، أصل أنا بحب الشرطة جداً، وأنا طفل كنت بلعب أنا وأصدقائى فى قريتنا بالمنوفية، وهى المحافظة التى نشأت فيها، لعبة «عسكر وحرامية»، وكنت دائماً أكون ضابط الشرطة وأقبض على الحرامية فى نهاية اللعبة، عشان كده أنا طلبت من والدى أن التحق بكلية الشرطة رغم حصولى على مجموع كبير فى الثانوية العامة والحمد لله ربنا كتب لى أن أكون ضابطاً.
هل كنت موجوداً فى مصر أثناء ثورة 25 يناير الماضية؟
- نعم كنت موجوداً فى مصر، وكنت أتولى منصب نائب مأمور قسم بولاق الدكرور، وأثناء الأحداث كنت موجوداً بصحبة الضباط داخل القسم، وحدث هجوم على قسم الشرطة ولكن الحمد لله ربنا نجانى.
بم تفسر وقائع الهجوم على أقسام الشرطة فى أعقاب الثورة؟
- الشرطة لم تكن مكروهة من المواطنين، وإنما ما حدث هو مآمرة من الجماعة الإرهابية لإسقاط هيبة الدولة لأن الشرطة تعنى هيبة الدولة وإذا سقطت وزارة الداخلية سقطت الدولة، وهذا ما حدث فى أعقاب ثورة 25 يناير.
كيف ترى وضع الشرطة الآن بالنسبة للشارع المصرى؟
- الشرطة لم تكن مكروهة من المواطنين وتعافت الآن، ونرى المواطنين يستقبلون رجال الشرطة استقبالاً حافلاً فى الشارع المصرى، وهذا يرجع إلى السياسة التى اتبعتها الوزارة عقب أحداث الثورة، وهى حسن التعامل مع المواطن المصرى والتصدى للجريمة بكل صرامة، تنفيذاً لتعليمات اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية.
كيف استقبلت حوادث الاغتيالات التى طالت زملاءك من ضباط الشرطة؟
- الشرطة فى خدمة الشعب، وهو ده دور ضابط الشرطة، التضحية من أجل حياة أفضل للآخرين، وزملائى ماتوا شهداء عند الله.
هل قضت الشرطة والقوات المسلحة على الإرهاب فى مصر؟
- نعم، الشرطة بمساعدة القوات المسلحة قضت على الإرهاب بنسبة كبيرة فى مصر، عقب ثورة 30 يونيو وقعت عدة تفجيرات واغتيالات لضباط وأفراد الشرطة والجيش ولكن الآن قوات الشرطة تمكنت من إلقاء القبض على العديد من الخلايا الإرهابية المتورطة فى تلك الجرائم وآخرين يعتنقون الفكر التكفيرى فى المنطقة.
وكيف ترى الوضع الآن فى مصر؟- الوضع الآن أصبح أكثر استقراراً وأماناً بعد أن تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى رئاسة الجمهورية وبدأت الدولة فى مرحلة التعافى لأن السيسى أنقذ مصر فى الوقت المناسب.
ما رأيك الآن فى قيادات وزارة الداخلية؟ - قيادات الداخلية الآن هم الأفضل على الإطلاق، على رأسهم اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية واللواء عبدالفتاح عثمان مساعد أول وزير الداخلية للعلاقات العامة والإعلام واللواء محمود فاروق مدير الإدارة العامة للمباحث بالجيزة هؤلاء القيادات وغيرهم بالوزارة تعاملوا معى كـ«أخ» وظلوا بجوارى حتى أتم الله شفائى على خير.
ماذا تعنى وزارة الداخلية لـ«ساطع النعمانى»؟
- وزارة الداخلية هى بيتى وأهلى، أنا أعشق وزارة الداخلية، قضيت بها حتى الآن 24 عاماً فى خدمة الوطن والتصدى للجريمة ومكافحة الإرهاب بكل أنواعه، تعرضت للموت أكثر من مرة، ولكنى لا أستغنى عنها أبداً.. لا أستغنى عن «البدلة الميرى».
هل تعنى أنك تريد العودة مرة أخرى للخدمة؟
- نعم أريد أن أعود مرة أخرى إلى مكتبى فى قسم بولاق الدكرور، أريد تطبيق القانون، ومحاربة الإرهاب الأسود، أريد أخذ حق كل شهيد من زملائى اغتالته يد الإرهاب.
هل تلقيت اتصالات من وزير الداخلية؟
- استقبلنى وزير الداخلية، صباح أمس الخميس، وأكد لى أن ما قدمته من تفان فى أداء واجبى مثالٌ مشرف لرجال الشرطة الذين نذروا أنفسهم فداءً للوطن، وأكد أنه فخور بى وبكافة مصابى الشرطة الذين ضحوا بأرواحهم وأجسامهم من أجل أمن الوطن والذين سُتسجل أسماؤهم فى صفحات التاريخ تتناقلها الأجيال، وستظل محفورة فى ذاكرة الوطن، تزيد رجال الشرطة الأوفياء عزيمة وإصراراً وصلابة فى حماية الوطن والمحافظة على أمنه واستقراره.
وماذا قلت للوزير؟
- شكرته على متابعته الشخصية لحالتى الصحية ومراحل علاجى وما قدمته الوزارة من تيسيرات لعلاجه بالخارج، وقلت له إننى فخور بما قدمته من تضحية فى أداء واجبى الوطنى، واستمرارى فى أداء واجبى الوطنى بجانب زملائى من رجال الشرطة، وقد أمر الوزير باستمرار متابعة علاجى بالخارج وفق متطلبات حالتى الصحية.
كلمة أخيرة تقولها لرجال الشرطة؟
- أقول لهم جميعاً إن الشعب المصرى يستحق منا أن نجود بكل من نملك من دمائنا وأرواحنا، ومهما بذلنا من تضحيات فإن هذا الوطن يستحق أن ينعم بالأمن والاستقرار والرفاهية وقدرنا أن نكون حراساً لأمنه جنوداً بواسل نذود عن ترابه ضد قوى الشر والإرهاب.
بعيداً عن الحياة السياسية والشرطية.. العقيد ساطع النعمانى، هل لديك هوايات مفضلة؟
- نعم، هوايتى المفضلة «لعب الكورة»، أنا أصلاً زملكاوى منذ طفولتى، أعشق نادى الزمالك، وزعلت جداً على خسارة النادى بطولة كأس السوبر، بس أنا بحب الزمالك وإن شاء الله الزمالك مقبل على يد المستشار مرتضى منصور رئيس النادى.
طيب ماذا لو عاد بك الزمن مرة أخرى.. كيف كنت تتصرف وقت الأحداث؟
- لو عاد بى الزمن مرة أخرى لن أتأخر فى تأدية واجبى، كنت سأذهب إلى مكان الأحداث، لأنه واجب وطنى، حتى لو أصبت بـ5 آلاف طلقة، حتى لو قطعوا جسدى لن أتهاون فى تطبيق القانون ومحاربة الإرهاب.