دير القديس الأمير تادرس الشطبي في القرن الرابع الميلادي!
د. ماجد عزت اسرائيل
٤٤:
١٢
م +02:00 EET
السبت ١٧ نوفمبر ٢٠١٨
د.ماجد عزت إسرائيل
اهتم الأقباط بالأديرة اهتماماً بالغاً، وأسبغوا عليها من الهبات ما ساعد على استمرارها، بحيث تحولت من مناطق للزهد والتقشف إلى منارة للتعلم ونسخ المخطوطات وكتابة العديد من المؤلفات للمحافظة على التعاليم الأولى للمسيحية التى تدعو للمحبة والسلام. وقد بدأت الرهبنة في مصر في قلالي صغيرة منقورة في التلال والصحراء في أول أمرها،كما نشأت غالبًا في جميع أنحاء القطر المصري عامة،وكانت تلك القلالي متقاربة وتمارس معيشة فردية ثم أملت الظروف الطبيعية على ملتجئ تلك القلالي من النساك ضرورة العمل على التجمعات المقاربة تدريجيا إلى أن تمت فكرة التجمع بعد ذلك داخل الأديرة بقصد حماية الرهبان والدفاع عنهم عندما بدأت الغارات العدائية عليهم من البدو. وكان دير الأمير تادرس الشطبى نموذجاُ لهذه الأديرة.
ويقع دير الأمير تادرس الشطبى بالصحراء الشرقية وبالتحديد بمنطقة الجبل الشرقى بقرية بنى شقير- إحدى القرى التابعة لمركز منفلوط - محافظة أسيوط في جمهورية مصر العربية،وطبقا لإحصاءات عام 2006، يبلغ إجمالي سكانها نحو( 25483 نسمة) ويعيش عدد كبير من الأقباط بهذه القرية - على الضفة الشرقية لنهر النيل،ويعد هذا الدير من بين أقدم الأديرة القبطية بمدينة منفلوط،وهو يقع بالقرب من دير الشهيد العظيم مارمينا الشهير بـ “المعلق” بأبنوب الذي يقع شمال قرية المعابدة بنحو 3 كم، ويبعد عن مدينة أبنوب بنحو 25 كم.
ويرجع تاريخ إنشاء دير القديس الأمير تادرس الشطبى إلى القرن الرابع الميلادى، فقد ذكره الرحالة فانسليب الذي زار مصر ما بين عامى(1672-1673م) حيث ورد قائلاً:" ويجد عدد كبير من المسيحيين في منفلوط،ولهم كنيسة بالجبل الشرقي لنهر النيل تعرف باسم الشهيد تادرس بن يوحنا بجوصره،بالقرب من دير مارمينا الشهيد المعلق"، وقد أطلق على الدير عدة مسميات منها "كنيسة الشهيد تادرس"،و"الدير الشرقي بمنفلوط"، ولدي المتخصصين وعامة الأقباط بأسم "دير القديس الأمير تادرس الشطبى". فيُذكر أن القديس الشهيد الأمير تادرس الشطبى قد إستراح فى هذا المكان وهو فى طريق رحلته إلى قرية شطب للقاء والده. ومن الجدير بالذكر أن هذا الدير كانت به حركة وحياة رهبانية في القرون الأولى الميلادية،وقد تأثر الدير بالهجمات البربرية من وقت لآخر، بالإضافة إلى الطبيعية الجغرافية للمنطقة،ومنذ منتصف القرن العشرين شهد الدير حركة معمارية لتشجيع المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث (1971-2012م)،وفي 14 نوفمبر 2018م تعرض الدير لسيول جارفة اسفرت عن خسائر شديده منها هدم الاسوار الخارجية للدير، وتدمير واغراق مزارع الاغنام والماشية وورش النجارة والمعدات، وأيضًا أصابة العديد من العاملين بالدير، ووفاة عامل يدعى " مينا رفعت " تم انتشال جثمانه عن طريق فرق الانقاذ والغواصين من نهر النيل المجاور لاسوار الدير.
وهنا يجب علينا متابعة سيرة الأمير تادرس الشطبي - يرجع تاريخ سيرة الأميرة تادرس الشطبي إلى زمن الرومان، حيث كان هناك صراع ما بين المملكة الرومانية ومملكة الفُرس، وكانت مصر تابعة للأمبرطورية الرومانية فكان يحق لها أختيار جنودها من بين الشباب المصري، فجاء الأمير انسطاسيوس مصر لفرز الشباب القوي الصالح للخدمة العسكرية. فذهب الأمير لقرية شُطب، وأخذ مجموعة من الشباب،كان منهم شخص يدعي يوحنا. أخذه لأنطاكية ليكون من ضمن صفوف الجيش.وكان يوحنا قوي وذكي،وعلي في المراتب العسكرية لدرجة أن الملك "نوماريوس" قال لأنسطاسيوس أن يتبناه تماماً فزوجه ابنته"أوسانيا" على الرغم أنه مسيحي وهم وثنيين. وأنجبو طفل صغير هو الأمير تادرس.وكانت أوسانيا إنسانة وثنية قاسية جداً، وبعد ما عرفت أن زوجها مسيحي كانت تعامله معاملة قاسية،لدرجة إنها إهانته وطردته من البيت، وقالت له أنه لم يصن الكرامة الذي اعطاها له والدها،فعاد إلى وطنه الأصلى مصرنا الحبيبة.
ورجع يوحنا لبلده واستمر تادرس مع أمه الوثنية، ولكنه كان يؤمن بالمسيحية وفي ذات يوما سأله عن والده فقالت له:"مات في الحرب". فلم يقتنع بما قالته،فسأل عنه، وعرف قصته، وأنه عايش.وفي أحدى الأيام حلم أن ربنا ظهر له وذكر له قائلاً:" والدك يوحنا موجود في قرية شُطب في أسيوط"، فسافر تادرس إلى الإسكندرية،وفي أثناء وجوده على متن المركب، سمح الله بالعديد من المعجزات على يديه، وبد أن وصل مدينة الإسكندرية سافر إلى إسيوط ثم قرية الشطب. وذهب للكنيسة هو واحد الجنود المقربين له وتقابل مع رجل كبير يدعى أبوفام فسألوه عن يوحنا، وتذكر قصته وقال لهم عن مكانه. وفعلاً تقابل معاه واحتضنه. وبعد نحو خمسة أيام تنيح والده يوحنا ودفن بمنطقة شطب.
وكان والده قبل وفاته يريد من تادرس أن لايعود مرة أخرى لمدينة لأنطاكية. ولكن تم استدعاؤه ورجع. وبعد عودته تمسك بمسيحته. وتولى حاكماً على أحدى مقاطعات المدينة. وحدث في ذات يوم كان في هذه المقاطعة تنين، وكان يقدمو له ذبائح من الأطفال الصغار، وكان لا أحدى الأرامل بهذه المدينة طفلين، وكانت مسيحية ومتزوجة من رجل وثني قبل وفاته. فأخدوا الطفلين ليقدموهم للتنين. وحسب القصة أنهم علقوهم في شجرة بحيث يأتي التنين ويفترسهم فتهدئ من روع التنين،وفي أثناء تجوله شاهد هذا المشهد،وبارشاد من الله قضى على هذا التنين،وأنقذ الطفلين،فذاع صيته في المدينة، وعلى الرغم من اتفاق ليسينيوس (ليكينيوس) Licinius مع الإمبراطور قسطنطين على ترك الحرية الدينية في البلاد بمقتضى مرسوم ميلان سنة 313 م.، لكن بقي ليسينيوس يضطهد المسيحيين بعنف حتى هزمه قسطنطين عام 325 م. في هذه الفترة استشهد الأمير تادرس، الذي اشتكاه كهنة الأوثان لدى الملك ليكينيوس.
وكان لأعلن الأمير تادرس تمسكه بمسحيته وإيمانه أمام الملك فجنّ جنونه، وأمر بضربه بالسياط حتى تهرأ جسمه، كما وُضع على الهنبازين لتمزيقه وكان الرب يسنده ويقويه، وأرسل له رئيس ملائكته ليسنده ويشجعه. حاول ليكينيوس ملاطفته عارضًا عليه الكثير فرفض، فأمر بإلقائه على سرير حديدي وإيقاد نار تحته. وكان الرب يتمجد على يديه فآمن كثير من الجند والجمهور بالسيد المسيح، حتى استشهدت أعداد غفيرة بسببه. عُلق برجليه منكس الرأس بعد ربط حجارة بعنقه. كان كلكيانوس والي الإسكندرية في زيارة للملك فقام بدوره بملاطفة الأمير تادرس ليجتذبه إلى عبادة الأوثان. وبعد عذابات كثيرة ظهر له السيد المسيح يدعوه للتمتع بالفردوس. وأخيرًا قُطعت رأسه في 20 من شهر أبيب.والكنيسة القبطية بتعيد بثلاث إعياد للقديس للأمير تادرس الشطبي:20 الأول في إبيب وهو تذكار إستشهاده، والثاني في 20 هاتور،لتأسيس أول كنيسة على اسمه،أما الثالث في 5 هاتور، لنقل جسده لمصر.