الأقباط متحدون - دولة الخلافة الفاطمية
  • ١٦:١٩
  • الخميس , ٢٢ نوفمبر ٢٠١٨
English version

دولة الخلافة الفاطمية

فاروق عطية

مساحة رأي

٤٦: ١١ ص +02:00 EET

الخميس ٢٢ نوفمبر ٢٠١٨

الخلافة الفاطمية - صورة أرشيفة
الخلافة الفاطمية - صورة أرشيفة
كتب: فاروق عطية
الخلافة الفاطمية هي إحدى دُول الخلافة الإسلامية، والوحيدةُ بين دُولِ الخِلافةِ التي اتخذت من المذهب الشيعي (ضمن فرعه الآسماعيلي) مذهبًا رسميًّا
لها.
 
قامت هذه الدولة بعد أن نشط الدُعاة الإسماعيليّون في إذكاء الجذوة الحُسينيَّة ودعوة الناس إلى القتال باسم المهدي المنتظر الذين تنبأوا جميعًا بظُهوره في القريب العاجل، وذلك خلال العهد العبَّاسي فأصابوا بذلك نجاحًا في الأقاليم البعيدة عن مركز الحُكم، بسبب مُطاردة العبَّاسيين لهم واضطهادهم في المشرق العربي، فانتقلوا إلى المغرب حيثُ تمكنوا من استقطاب الجماهير خاصة وسط قبيلة كتامة البربريّة وأعلنوا قيام الخِلافةِ بعد حين.
 
شملت الدولة الفاطميَّة مناطق وأقاليم واسعة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. امتدَّ نطاقها على طول الساحل المُتوسطيّ من المغرب إلى مصر، ثُمَّ توسَّع الخُلفاء الفاطميّون أكثر فضمّوا إلى مُمتلكاتهم جزيرة صقليّة والحجاز والشام، فأضحت دولتهم أكبر دولةٍ استقلَّت عن الدولة العبَّاسيَّة، والمُنافس الرئيسيّ لها على زعامة الأراضي المُقدَّسة وزعامة المُسلمين.
 
أسس الفاطميّون مدينةالمهدية في ولاية أفريقية سنة 300 هـ/912-913م واتخذوها عاصمة لدولتهم الناشئة، ثم نقلوا مركز الحُكم إلى مدينةالمنصوريَّة.
 
بوفاة كافور الأخشيدي عام 968م تولى حكم مصر أبو الفوارس أحمد بن علي (حفيد الأخشيد) وكان صبياً ذو إحدى عشر عاماً، لذا حدثت اَضطرابات كثيرة في البلاد شجعت الفاطميين للهجوم على مصر والإستيلاء عليها، فأرسل الخليفة المعز لدين الله جيشاً بقيادة جوهر الصقلي الذي تمكن من فتح مصر عام 358هـ/ 969م. لم يتحرك المصريون لصد هجوم الفاطميين ولكن سعى فقط البشموريون لمعاونة الأخشيديين في صد الهجوم الفاطمي، لكن جهودهم باءت بالفشل وقضى جوهر الصقلي عليهم نهائيا. ولمَّا تمَّ للفاطميين فتحها أسسوا مدينة القاهرة شمال الفسطاط وجعلوها عاصمتهم، وبنوا بها المسجد الجامع (الجامع الأزهر) على اسم فاطمة الزهراء بنت الرسول، ليكون مسجداً لاتباعهم من الشيعة حتى لا يختلطوا بالسنة في مساجدهم، وأصبحت مصر المركز الروحيّ والثقافي والسياسي للدولة وبقيت كذلك حتى انهيارها.
 
   أظهر عددٌ من الخُلفاء الفاطميّون تعصُّبهم للمذهب الإسماعيلي، فعانى أتباع المذاهب والديانات الأُخرى خِلال عهدهم، وبالمُقابل اشتهر غيرهم بتسامحه الشديد مع سائر المذاهب الإسلاميَّة ومع غير المُسلمين من اليهود والمسيحيين الأقباط واللاتين والشوام من روم وموارنة وسُريان. واشتهر الفاطميّون أيضًا بقدرتهم على الاستفادة من كافة المُكونات البشريَّة لدولتهم المُنتمية لتكتُلاتٍ عُنصريَّة مُتنوِّعة، فاستعانوا بالبربر والترك والأحباش والأرمن في تسيير شؤون الدولة، إلى جانب المُكوِّن العُنصري الرئيسي، أي العرب.
 
   شكَّل العصر الفاطمي امتدادًا للعصر الذهبي للإسلام، لكنَّ قُصور الخُلفاء لم تحفل بالعُلماء والكُتَّاب البارزين كما فعلت قصور بغداد قبلها. وكان الجامع الأزهر ودار الحكمة مركزين كبيرين لنشر العلم وتعليم أُصول اللُغة والدين. وكان أبرز عُلماء هذا العصر الحسن ابن الهيثم كبير عُلماءالطبيعيَّات خاصة علم البصريات، جاوزت مؤلفاته المائة في الرِّياضيَّات وعلم الفلك والطب. 
 
    خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر الملاديتين أخذت الدولة الفاطميَّة تتراجع بسُرعةٍ كبيرة، حيث استبدَّ الوُزراء بالسُلطة وأصبحوا المتحكمين في اختيار الخُلفاء الذين كانوا غالبًا من الأطفال أو الفتيان، واختلف عددٌ كبيرٌ من الوزراء مع قادة الجيش ووُلاة الأمصار ورجال القصر، فعاشوا في جوٍ من الفتن والدسائس، تاركين الناس يموتون من المجاعة والأوبئة المُتفشية.
 
   خلال ذلك الوقت كانت الخِلافة العبَّاسيَّة قد أصبحت في حماية السلاجقة الذين أخذوا على عاتقهم استرجاع الأراضي التي خسرها العبّاسيون لصالح الفاطميين، ففتحوا شمال الشَّام وسواحلها وسيطروا عليها لفترةٍ من الزمن قبل أن يستردَّها الفاطميون لكنَّها لم تلبث بأيديهم طويلًا، إذ كانت الحملة الصليبية الأولى قد بلغت المشرق، وفتح المُلوك والأُمراء الإفرنج المُدن والقلاع الشامية الواحدة تلو الأُخرى، وبلغ أحد هؤلاء المُلوك وهو عمّوري الأوَّل أبواب القاهرة وهددها بالسقوط.
 
استمرت الدولة الفاطمية  تُنازع حتّى سنة 1171م عندما استقلّ صلاح الدين الأيوبي بمصر بعد وفاة آخر الخُلفاء الفاطميين وهو أبو مُحمَّد عبدُ الله العاضد لدين الله، وأزال سُلطتهم الإسميَّة بعد أن كانت سُلطتهم الفعليَّة قد زالت مُنذُ عهد الوزير بدر الدين الجمالي.
 
   تباين أسلوب الدولة الفاطمية في التعاطي مع غير الشيعة من خليفة لآخر، فبعضُ الخُلفاء كان مُتسامحًا لأبعد الحُدود مع أهل السُنَّة ومع المسيحيين واليهود، فأطلق لهم الحُريَّة الدينيَّة والمذهبيَّة، واستوزر منهم ورفع شأنهم، وبعضهم الآخر اضطهدهم اضطهادًا شديدًا.
 
اشتهر الخليفة المنصور ومن بعده المعز لدين الله بتسامُحه الكبير مع أقباط مصر، وباستمالتهم إليه ومُولاتهم له بعد أن اتصل بقيادتهم الدينيَّة وأعلمهم بأنَّهُ سيمنحهم الحُريَّة الدينيَّة بعد أن نالهم الضيم جرَّاء المُمارسات القمعيَّة التي انتهجها الأخشيديين ضدَّهم أواخر عهد دولتهم.
 
 بعدمَّا فتح الفاطميّون مصر، كان جوهر الصقليّ شديد الدبلوماسية مع  المصريين، وأعلن في خِطبة الجُمعة الأمان لأهل السُنَّة وللمسيحيين واليهود، واستقبل مُمثِّلُ الأقباط الذي رفع صوته قائلا: "إنَّنَا نَنْتَظِرُ وُجُودَكُم فِي مِصْرَ بِلَهْفَةِ المُضْطَهِدِ حَتَّى نَنْعَمَ بِالحُرْيَّةِ فِي حَيَاتِنَا اليَوْمِيَّةِ وَأَمْوَالَنَا وممارسة ديانتنا".
 
  وكان المُعز لدين الله، ابن العزيز، أكثر تسامحًا مع أهل الكتاب من غير المُسلمين، فقد جعل عيسى بن نسطورس وزيرًا له، وتزوَّج من امرأةٍ مسيحيَّةٍ ملكانيَّة وهي أُمُّ ولده الحاكم، وشقيقة اثنين من البطاركة: أحدهما بطريرك كنيسة الإسكندريَّة، والآخر بطريرك كنيسة بيت المقدس، وكان يحتفلُ مع المسيحيين ويُشاركهم أعيادهم.
 
ومن شدَّة تسامح الخُلفاء الفاطميين الأوائل مع أهل الكِتاب، كانوا يُشجعون إقامة الكنائس والأديرة، بل أحيانا كانوا يتولون إقامتها بأنفسهم. تغيَّر وضعُ اليهود والمسيحيون مع تولّي الحاكم بأمر الله شؤون الخِلافة، فقسا عليهم في المُعاملة، ويُحتمل أن يكون ذلك بسبب ضغوط عامة المُسلمين الذين ساءهم أن يتقرَّب الخُلفاء من غير المُسلمين ويُعينوهم في المناصب العُليا، فأصدر الحاكم أمرًا ألزم أهل الذمَّة بلبس مغاير عن لباس المسلمين، ووضع زنانير مُلوَّنة معظمها إسود حول أوساطهم، ولبس العمائم السود على رؤوسهم، وتلفيعات سوداء وذلك لتمييزهم عن المُسلمين. كما منعهم من الاحتفال بأعيادهم، وأمر بهدم بعض كنائس القاهرة، كما أصدر أمرا بهدم كنيسة القيامة ببيت المقدس.
 
وقد أدي هدم كنيسة القيامة أقدس الأماكن المسيحية علي الإطلاق إلي حالة من الغضب في العالم المسيحي كما كان أحد الأسباب الرئيسية المعلنة لقيام الغرب بالحملات الصليبية إضافة لدوافع الأخري اجتماعية واقتصادية وتوسعية.
 
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد