إعلام المواطنة بين المفهوم والمعايشة
مدحت بشاي
٣٧:
٠٣
م +02:00 EET
السبت ٨ ديسمبر ٢٠١٨
كتب : مدحت بشاي
لا شك أن أجهزة الإعلام بقدر ما تمثل من مؤشر لقياس حال المواطنة في أي مجتمع ، فهي قد تؤثر سلباً أو إيجاباً في دعم وتوطين ثقافة المواطنة لدى الشعوب .. ولعل المجال يضيق بمناقشة تلك المؤشرات التي تدلل بها وسائل الإعلام عن حال المواطنة ، وأيضاً حالات الإعلام المؤثر في تنمية وتفعيل المواطنة في مجتمعنا المصري .. وأرى أننا الآن نرصد نوعيات من الإعلام يتجه إلى صياغة نماذج إيجابية في حالات قليلة ، وصياغة أخرى سلبية في حالات هي الأكثر وجودا وانتشارا للأسف ..
ولعل من النماذج الإيجابية التي بتنا نتابعها إعلام المكاشفة الموضوعي : ويُقصد به التناول العلمي الجاد لكافة علل ومشاكل تعثر نشر مفاهيم المواطنة عبر فتح حالة حوار وطني جاد لا يسعى للإثارة من خلال فض أوراق ملفات بعضها كان مغلقاً على ما فيه والآخر قد تم الالتفاف حول قضاياه الأهم ، وكان أغلبها يستحيل الاقتراب منها .. وفي مجال السعي نحو تحقيق المواطنة شهدت الساحة الإعلامية في الفترة الأخيرة تناول قضايا ملحة على أرضية جديدة أكثر انفتاحاً وجرأة والتزاماً بشفافية العرض ، وبالسرعة المطلوبة ورد الفعل الأكثر اتساعاً .. ولعل ظهور جماعات وتيارات إصلاحية تقوم أحياناً بتبني وجهات نظر متجددة تسعى إلى تحريك قوى المجتمع المدني لدفع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية للقيام بدورها في دعم قيم المواطنة وتفعيل مفاهيمها خير شاهد على ذلك ، وفي هذا الإطار نأمل أن نرى نموذجاً إيجابياً لإعلام قد تفهم فحوى رسالة إصلاحية داعمة لتفعيل الاصطفاف الوطني من أجل تقديم وجهتي النظر الموالية والمعارضة بشفافية يمكن أن يكون لها صدى جيد في الشارع المصري .
ونموذج آخر يمكن أن نطلق عليه إعلام المواجهة ، منها على سبيل المثال ما بذل من محاولات جادة لمناهضة أصحاب الفكر السلفي والمتخلف والفهم الخاطئ لصحيح الأديان ورسائلها السامية ، ولعل خير مثال ما دار من حوار مع جماعة الإخوان عقب الإعلان عن برنامجهم الأخيروبعض المنازلات الإعلامية التي تبعتها ، وقد التزمت الموضوعية رغم سخونة وخطورة وحداثة الموضوع وعدم خروجها بنتائج ... أيضاً عند التعرض لبعض الأحداث الطائفية وقضايا الفساد ومعالجاتها المباشرة بقدر غير مسبوق من الإتاحة لعرض القضايا بأداء متوازن وفي هذا سعي لترسيخ قيم المواطنة ..أيضاً نتابع إعلام إيجابي يهتم بالبسطاء والمهمشين عبر فتح قنوات الاتصال الإعلامية الصادقة بوسائط مختلفة تشي بحالة من التواصل الإنساني الجديد مع مجتمع الشارع في العشوائيات والقرى والمراكز النائية التي ما كان يعلم أمر وجودها على خريطة المحروسة أحد .. ويعد هذا أيضاً أمر طيب غير مسبوق في تاريخنا لأن إهمال هموم وطموحات أي قطاع من المواطنين كان من شأنه أن يحدث تراجعاً إضافياً في حال المواطنة في مصر ..
ولكن للأسف هناك العديد من الصور والنماذج الإعلامية الجديدة التي تحاول أن تُحدث قدراً من التوازن عبر اللعب على محاور متضادة الأهداف والاتجاهات في تصور أن ذلك يتيح لها قاعدة أكثر اتساعاً من القراء أو المستمعين أو المشاهدين ، فتكون النتيجة تراجع المصداقية وبهتان المشهد الإعلامي والتأثير السلبي على حال المواطنة ، وهو إعلام يتصور صانعوه أنهم يقدمون نموذجاً حراً مستقلاً ..
أيضاً هناك بعض القنوات الفضائية الدينية المحدودة العدد ، ونوعية من الصحف القليلة التي تعمل بشكل جاد وأمين وصادق في مجال إثراء الوعي الديني والروحي النبيل ونشر المفاهيم التي تعلي من قيم الانتماء للأديان وتوظيفها في الدعوة إلى الإصلاح والتقدم والمزيد من العمل الجاد والإنتاج الطيب ونبذ العنف ورفض التزيد في أشكال التدين المظهري .. الخ ،وأرى ضرورة أن تجد هذه المنابر الإعلامية المعتدلة دعماً مجتمعياً لمجابهة هذه الموجة الشرسة من قنوات وصحف أخرى تعمل وفق رؤية متعصبة وطائفية بتنا نستشعر خطورتها وتأثيرها في الشارع والمسجد والكنيسة ، بل وداخل بيوتنا عبر رسائلها السلبية التي تضخمت من حيث المحتوى وأعداد متابعيها واجتذاب كوادر من الشباب المحدود المعرفة والتجربة والخبرة بدعوى العمل من أجل حماية الأديان والمعتقدات عبر رسالة رئيسية يتم تكرارها أن هناك نظماً وحكومات لا تحكم بعدل الأديان وشرائع السماء وأن الفضيلة تنتحب والعقيدة تتوارى أحكامها ونواهيها ودعواتها المقدسة في مجتمع يرونه يسعى إلى تحقيق تقدم أرضي زائف .. أما عن أهم أشكال وتبعات الرسائل السلبية لتلك القنوات أنها صارت تباعد بيننا كبشر ومجتمعات ونحن في سبيلنا لتوطين ودعم قيم المواطنة ، وأرى أنها تتمثل في :
♦ استثمار وجود الأمية الهجائية والعلمية والمعرفية والكمبيوترية ( إذا صح التعبير ) للزج بآيات الأديان يقدمون ويزيلون بها رسائلهم وخطابهم الإعلامي في محاولة إضفاء لون من الإبهار الزائف والإدعاء بالتفرد بامتلاك الحقائق المطلقة لدعوة البسطاء للتمسك بحروف تلك الأديان وليس بمعانيها وتفاسيرها الصحيحة لفرض رؤى وتعاليم لا تتسق مع صحيح وروح الرسالات الإلهية السامية ودعاواها النبيلة الرفيعة ..
♦ استثمار حال المجتمعات الفقيرة التي يعاني الناس فيها من مشاكل في تراجع الدخل و العيش في ظروف يصعب فيها إشباع الاحتياجات الضرورية ، وبالتالي حدوث حالة وهن وضعف إنساني يجعلهم أكثر تشبثاً بأي حلول سهلة المنال قد تتمثل في مجموعة غيبيات أو نصائح فلكلورية أو حكاوي من التراث المجهول الهوية التي يُعاد بثها بشكل عصري وصولا ً لانتقاء مجموعة عِبر وحكم وأمثال لتجاوز المحن والأمراض والشدائد فيكون التوقف عن الحياة وتراجع الإنتاجية .. لقد بتنا نشاهد ونسمع برامج ونتابع إنتاج قنوات ووسائط إعلامية متعددة تروج لمعارف سلبية في انحراف وتنازل مذهل عن سبل المعرفة العلمية للترويج للأمور التالية على سبيل المثال :
علاج المرضى بآيات الأديان ووضع الأيادي على رؤوس المرضى وإدعاء صنع المعجزات ..
الترويج لمنتجات إعلامية ( كتب وكتيبات ونشرات ـ اسطوانات كمبيوترية ـ أشرطة كاسيت وفيديو ) حتى بتنا نراها موجودة على أبواب المساجد والكنائس لتبيع للناس أوهاماً بعيداً عن شرطة المصنفات وكل أعين الرقابة للسطو على قلوب ووجدان ومشاعر وعقول البسطاء الذين ينتظرون حلولاً تأتيهم من العالم الآخر بدلاً من الطبيب والدواء والعيادة والمستشفى وبعيداً عن فواتيرهم المرهقة التي باتت تشعرهم بغربتهم في وطنهم فيكون العيش في عالم الأحلام الوهمية حتى لو أدركوا مدى استحالة تحقيق تلك الأحلام ، إلا أن ختمها بصكوك الآيات والتعاليم الدينية والروحية يدفع البسطاء عبر حالة إيمانية وهمية تبشر بها تلك القنوات للتواصل معها عبر وصلات البكاء والنحيب للتكفير عن الخطايا والإعلان عن تواصل الأرض بالسماء والناس بخالقهم !!