مئة سنة سادات1-3
د. مينا ملاك عازر
الأحد ٢٣ ديسمبر ٢٠١٨
د,. مينا ملاك عازر
لو كان قدر الله أن يعيش الرئيس السادات لهذه اللحظة لاحتفل بمئوية ميلاده، غالباً كان احتفاله وهو لم يزل رئيساً للجمهورية، فليس لدينا ما يجعل الرئيس يغيب عن كرسيه إلا الموت، ولا أظن السادات سيكون بغباء الرؤساء المعاندين الغير سامعين غضب الشعب المكابرين، فرأيناه يتراجع عن قراراته الاستفزازية في مصلحة الوطن والشعب، فيما عُرِف بانتفاضة يناير عام 1977.
على كل حال، وبما أننا في مئوية ميلاد زعيم سياسي يعرف السياسة ويحترفها ويفهمها ويقدر شعبه، فلنا أن نقيم السادات وأفعاله وجرائمه وأخطاءه وخطاياه ونجاحاته وإخفاقاته في المقالات القادمة -بإذن الله-
كان السادات رجل من رجال الضباط الأحرار، له ميول إسلامية لكنه أخفاها عن الجميع وقت المد ضد الإسلاميين بيد عبد الناصر، ورط النظام الناصري بعلاقاته مع اليمنيين في حرب اليمن، كما يتهمه الناصريون، لكن في الحقيقة كان لناصر القدرة أن يرفض أو لعامر أن يمتنع، لكن أحد منهم لم يفعل، لم يورط ناصر في نكسة يونيو لكنه أيده وسانده وهو في منصبه كرئيس لمجلس الأمة، وعينه ناصر نائب له ووثق به، بما يعني أنه كان حكيم لدرجة لم تغضب ناصر مع أنه كان يختلف معه في السياسات كلياً وجزئياً، وهذا ما سنراه منذ لحظة وفاة ناصر.
لم يقفز السادات على الحكم فور الوفاة، ترك هيكل يمهد له الطريق بالاحتماء بالدستور، وحين رأى التكاتفات والتكتلات ضده، كان حكيم، ولم يتصادم وتركهم يلفوا حبل الإعدام السياسي بغبائهم، وأحب وصفه لهم أنهم يجب أن يحاكموا بتهمة الغباء السياسي، ما يعني أنه يفهم السياسة، ويقدر أن لها ذكاءها، وقدراتها وكان هو يستخدمها ويجيد هذا.
أما صدام السادات مع السوفييت، فكان لأن السادات متفهم تماماً لثقل السوفييت، وضرورتهم في معركة التحرير، لكنه كان يفهم أنهم أبخل خلق الله بحسب وجهة نظره، وبحسب رؤيتي أنهم لم يكونوا واثقين في المقاتل المصري بعد خسائره التي مني بها في حرب ستة وخمسين والنكسة، وما تكبدوه هم من انكشاف سلاحهم الحديث وقتها للإسرائيليين، ومن ثمة للأمريكان، ناهيك عن امتهان كرامتهم العسكرية في مجال التصنيع بسبب الخسائر التي مني بها الجيش المصري آنذاك، فاستفز السادات السوفييت بخلعه رجالهم في مصر، سامي شرف وعلي صبري وجمعة ومحمد فوزي - مع حفظ الألقاب للجميع- وذلك كما قلنا لغبائهم السياسي وتقديمهم الاستقالة بتوقع خاطئ منهم أنهم سيخلقون فجوة دستورية، لكنه استغل هذا بحكمة ووقع مع السوفييت أول معاهدة صداقة تبرم بين السوفييت وأي دولة شرق أوسطية في هذا الوقت.
ثم ضرب ضربته الثانية واستفزهم للنهاية بطرده خبرائهم العسكريين، فاستفزهم أكثر وأكثر، وقدموا له المزيد من السلاح خوفاً منهم على موقعهم بالشرق الأوسط، وتواجدهم السياسي بالمنطقة، وخشية على هيبتهم أمام العالم كله، استفاد السادات برجال السياسة الأكفاء، فكان يضرب في السوفييت ويلاقي بكفاءات سياسية نادرة مثل عزيز صدقي ومراد غالب وغيرهم.
دعونا نتوقف عند هذا الحد مع السوفييت، لنستمر في المقال القادم محللين باقي خطواته في السياسة الخارجية.
المختصر المفيد السياسة فن، افهموها بقى.