الأقباط متحدون - عيد الغطاس حينما كان صانعا للبهجة فى مصر .. مشاعل وسهر على النيل والبلابيصا فى زمن الابنودى
  • ٠٤:٥١
  • السبت , ١٩ يناير ٢٠١٩
English version

عيد الغطاس حينما كان صانعا للبهجة فى مصر .. مشاعل وسهر على النيل والبلابيصا فى زمن الابنودى

إيهاب رشدي

مساحة رأي

٣٠: ٠٣ م +02:00 EET

السبت ١٩ يناير ٢٠١٩

تعبيرية
تعبيرية

كتب – ايهاب رشدى
فى يناير 2016 وقف المهندس محمدعبد الظاهر، محافظ الإسكندرية الأسبق فى المقر البابوى بالاسكندرية ليهنئ البابا تواضروس بعيد الغطاس ، وخلال كلمته تعهد بأن الإسكندرية سوف تشهد فى العام القادم احتفالا عالميا بعيد الغطاس، ولكن بعد عدة أشهر رحل المحافظ عن منصبه ورحلت معه فكرته المبدعة التى أراد بها أن يستعيد بهجة الاحتفالات بعيد الغطاس حينما كان عيدا قوميا يحتفل به كل المصريين .

يعد عيد الغطاس أحد الاعياد السيدية الكبرى فى الكنيسة القبطية وتأتى أهميته وفق كتاب الدسقولية " تعاليم الرسل " أنه عيدا جليلا ( عيد الظهور الالهى ) لأن الرب بدأ يظهر فيه لاهوته - وذلك حسب العقيدة المسيحية - ويتم الاحتفال به فى الحادى عشر من شهر طوبة الذى يوافق اليوم السادس من الشهر العاشر للعبرانية .

وهو أحد ثلاثة أعياد تقام صلوات القداس فيهم بالكنائس ليلاً ( الميلاد والغطاس والقيامة ) ، ويرجع ذلك كما يذكر الانبا بنيامين مطران المنوفية فى كتابه " الأعياد السيدية في الكنيسة القبطية " ، أن مسيحي الشرق طوال الثلاثة قرون الأولى كانوا يحتفلون بعيدى الميلاد والغطاس معا ، حيث كان ميلاد السيد المسيح ليلا ، وعندما تم فصل العيدين عن بعضهما أصبح يتم الاحتفال بعيد الغطاس ليلا أيضا .

وكما يحتفل المصريون الآن بعيد شم النسيم فى اليوم التالى لعيد القيامة ، بمظاهر وطقوس خاصة لا يمارسها سواهم من الشعوب ، هكذا كان عيد الغطاس فى عهد الدولة الاخشيدية والدولة الفاطمية ، فيقول عنه المقريزى أنه كان موسما عظيما للغاية .

ووصف المؤرخ المسعودي ليلة الغطاس في كتابه "مروج الذهب ومعادن الجوهر" ، بأنها ليلة ذات شأن عظيم عند أهلها فى مصر ، فحينما كان الإخشيد محمد بن طفج أميرا لمصر ، أمر بعمل ألف مشعل ، فى ليلة الحادى عشر من شهر طوبة وذلك فى جزيرة بالنيل كان تحمل مقر اقامته وذلك بخلاف الشمع والمسارج التى أوقدها أهل مصر فى تلك الليلة .

وكان للغطاس أهمية كبرى فى التراث الشعبى المصرى كما يقول د. أحمد مجاهد فى كتابه " خارج السياق " وذلك نظرا لارتباطه بالمياه فى بلد هى هبة النيل ، ويذكر أن طقوس الاحتفال الشعبى بعيد الغطاس تمتد إلى ما قبل ظهور المسيحية فى مصر ، حيث كان الفراعنة يحتفلون بعيد الانقلاب الشتوى بالغطس فى مياه النيل محتفلين بحرث الأرض ونثر البذور ، ويتابع قائلا أنه لا غرابة فى ان يتجاوز هذه الاحتفال الطقسى الشعبى ( عيد الغطاس ) فى مستقبله الحدود الدينية ليصبح احتفالا مصريا قوميا يحضره الحاكم شخصيا حيث يقول المقريزى " كان القبط يخرجون من الكنيسة فى مواكب رائعة ويذهبون إلى النيل حيث يسهر المسلمون معهم على ضفاف نهرهم الخالد وفى ليلتى الميلاد والغطاس كانوا يسهرون حتى الفجر وكان شاطئا النيل يسطعان بالالاف من الشموع الجميلة والمشاعل المزخرفة وفى هذه الليلة كان الخلفاء يوزعون النارنج والليمون والقصب والسمك البورى .

وفى عصرنا الحديث يتذكر الشاعر الكبير عبد الرحمن الابنودى فى كتابه " أيامى الحلوة " ، مشاهد من طفولته كانت تشعره بالبهجة ، حينما كان يشارك هو وأقرانه المسلمين ، نصارى قريته فى صعيد مصر ، الاحتفال بالغطاس ، وكانوا يطلقون عليه " البلابيصا "

فيقول .. لم يكن مسيحيو مصر فى الجنوب بالذات، يحتفلون بأعيادهم بعيدًا عنا نحن أولاد المسلمين، بل كنا نستولى على هذه الأعياد فى حميمية المشاركة .
ويصف تلك الليلة بأن كل أطفال القرية مسيحيين ومسلمين قبل الغروب كان يرفعون صلبانهم المضيئة ليسطع النور فى أرجاء القرية المُظلمة ، ويصف المشهد الذى لازال حضارا فى ذاكرته قائلا " تخيل نفسك تطل من فوق.. من سطح البيت، وترى جيوش الصلبان المضيئة، تمر من تحت دارك بالمئات، وأمهاتنا يرششن الفشار، وقِطَع السكر، والحمص ويزغردون".

ويتابع بأنه قد سأل أهل اللغة القبطية، وعلماء الفرعونية ولم يدله أحد على معنى كلمة "البلابيصا" ، ثم اكتشف أن الأغنية التى كانوا يرددونها تمت لعيد الغطاس الذى يسقط فيه الأطفال "بلابيصاً" عرايا فى الماء، و أن البلابيصا والبلبوص هو العرى الذى يتشارك فيه كل مواليد الأقباط الجدد "التعميد"، حيث يخلعون ملابسهم فيصبحون "بلابيصًا .

وكانت كلمات الاغنية تقول :
يا بلابيصا ..
بلبصى الجلبة ..
يا على يا بنى ..
جُوم بنا بدرى ..
دى السنة فاتت ..
والمرا ماتت ..
والجمل برطع ..
كسر المدفع .. !!
والآن وبعد مرور أكثر من نصف قرن على هذا الكرنفال الجميل الذى كان يقيمه اهل قرية الابنودى احتفالا بأعياد المسيحيين ، هل يمكن أن تعود لمصر بهجة هذا العيد ويتشارك فيها المسلمون والمسيحيون فى زمن أصبحت فيه مجرد التهنئة بأعياد الاقباط حرام .. حرام ؟؟ ربما ...

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد