فى مثل هذا اليوم ..الجيش المصرى يخوض حربا قوية فى المكسيك
سامح جميل
٢٤:
٠٩
ص +02:00 EET
الاثنين ٢١ يناير ٢٠١٩
فى مثل هذا اليوم 21 يناير 1865م..
سامح جميل
اولا هذه القوات ذهبت لمعاونة المستعمر الفرنسى ..اعترف بهذا ..
ثانيا هذه القوات حاربت الثوار الميكسيكيين الذين يريدون تحرير بلادهم ..
شهادة القائد الفرنسي، «ليجيه»، عن «الأورطة المصرية – السودانية»
«هؤلاء الجنود المصريين والسودانيين الذين لا تسمح نفوسهم بالهزيمة يستحقون كل ثناء.. وإني لم أر في حياتي مطلقا قتالا نشب في سكون عميق وحماسة نادرة مثل ذلك الذي خاضه هؤلاء الجنود، فقد كانت أعينهم وحدها هي التي تتكلم وكانت جرأتهم تذهل العقول وتحير الألباب حتى لكأنهم ما كانوا جنودا بل أسودا».
كانت هذه هي شهادة القائد الفرنسي، «ليجيه»، عن «الأورطة المصرية – السودانية» التي أرسلها والي مصر محمد سعيد باشا لمساعدة الجيش الفرنسي في المكسيك، في واحدة من أهم حروب الجيش المصري خارج حدوده، حيث أثبت فيها الجنود كفاءة ومهارة قتالية عالية، وشجاعة وبسالة واضحة لدرجة دفعت أحد القادة الفرنسيين أن يقول إنهم كانوا يحمون الجنود الفرنسيين بأرواحهم.
وفي التقرير التالي نرصد وقائع القصة استنادًا إلى كتاب «بطولة الأورطة السودانية المصرية في حرب المكسيك» للأمير عمر طوسون، وكتاب «سلاح النخبة الأسود» تأليف ريتشارد هيل، وبيتر هوج، وصحف «الأهرام، والشرق الأوسط، والحياة اللندنية»، و«مجلة النصر العسكرية – العدد 872: فبراير 2012»، ومواقع Ancient Sudan، و«موسوعة المعرفة، والأهرام العربي».
جذور المشاركة المصرية في ثورة المكسيك..
بدأت القصة في عام 1861 بجمهورية المكسيك، حيث كانت ثورة الشعب المكسيكي قد بلغت ذروتها ضد الرئيس «جوارز»، وانتهز إمبراطور فرنسا وقتها، نابليون الثالث، الفرصة لردع الثائرين متحججا بما لحق ببعض الأوروبيين، خاصة الفرنسيين، من خسائر مادية طالب بها الحكومة المكسيكية التي رفضت، فحاول شحن إنجلترا وإسبانيا ضدها، لكنهما سرعان ما تخليا عنه، فانفرد نابليون الثالث بالأمر، وأرسل إلى المكسيك جيشا لم يستطع وحده قمع الثورة ولحقت به هزيمة فادحة وخسائر كثيرة.
وبعد هزيمته في المكسيك، استنجد «نابليون» بصديقه سعيد باشا، والي مصر وقتها، بحامية مصرية، خاصة أن أراضي المكسيك كان تسمى بـ«الأيادي الحارة»، ومناخها تنتشر فيه الحمى الصفراء التي قضت على أعداد كبيرة من الجنود الفرنسيين، وبالتالي، القتال في المكسيك يتطلب بنية جسدية محددة وبسالة في الجنود، وبالفعل، استجاب سعيد باشا لطلب نابليون وقرر إمداده بـ«أورطة» معظمها من الجنود السودانيين الرقيق، و«الأورطة» هو لفظ تركي يعني «الكتيبة».
وكان تعداد الأورطة التي أرسلها سعيد باشا حوالي 453 مقاتلا، مكونة من قائد واحد، ورائد، وملازم واحد، و8 من الرقباء، و15 عريفا، و359 من الجنود، و39 من المجندين، و22 من الأطفال تراوحت أعمارهم بين 10 و 15 عاما، ان علي رأس تلك القوة البكباشي جبر الله محمد افندي مع نائبه اليوزباشي محمد ألماظ أفندي، وكان المجندون الذين بعثت بهم شرطة الإسكندرية مساء يوم الرحيل، شبه عراة، لكن بقية رجال الكتيبة كانوا في كامل زيهم العسكري وهم يحملون عدتهم وعتادهم.
وأبحرت السفينة سرا من ميناء الإسكندرية في 8 يناير 1863 متجهة إلى ميناء «فيراكوز»، أكبر موانئ المكسيك، ومات في عرض البحر 7 رجال، ويقال إن السبب كان إصابتهم بحمي التايفويد أو أمراض صدرية، ووصلت الأورطة إلى في 23 فبراير 1863، وبعد وصولهم بفترة قصيرة، مات 15 رجلا آخرا، ولم يتحدد إن كان هؤلاء الجنود قد ماتوا بسبب الحمى الصفراء أم بغيرها، حيث كان الكثيرون يعتقدون أن تلك الحمى لم تكن موجودة في منطقة «فيراكروز» بين يناير وأبريل 1863، لذا ساد الاعتقاد أن أولئك الجنود ماتوا لأسباب أخرى غير الحمى الصفراء.
ومع حلول أبريل 1863، ظهرت الحمى الصفراء في «فيراكروز» بضراوة شديدة واستمرت في الانتشار حتى ديسمبر من العام نفسه، وقضت على قائد القوات الفرنسية في المنطقة و11من كبار الضباط وكثير من الجنود الفرنسيين، ولسبب ما لم تصب تلك الحمى أي من الجنود المصريين ما عدا قائد الجنود المصريون البكباشي جبر الله محمد الذي كان الوحيد من بين المصريين الذين تسببت الحمى الصفراء، حسب السجلات الرسمية، في موته، وتمت ترقية نائب القائد محمد ألماظ أفندي إلي رتبة البكباشي ليتولى قيادة «الأورطة» القيادة مكان البكباشي الراحل «جبر الله».
ولم يسلم أفراد الأورطة المصرية تماما من الآثار الممرضة لطقس المكسيك رغم أنهم أبدوا مقاومة أشد لها من الجنود الفرنسيين، بل والمكسيكيين أنفسهم، فعند نهاية عام 1863، مات 47 من الجنود منذ سفرهم من الإسكندرية، بينما سقط نحو 43 منهم فقط فريسة لأمراض أخرى، أرجعها البعض لعدم الاهتمام الذي لاقاه أولئك الجنود عند وصولهم لأول مرة في «فيراكروز»، فلم يحاول أحد أن يتعرف علي لغتهم أو أذواقهم أو طباعهم، فلم تكن عملية تنظيم إطعام هؤلاء الجند كافية وكان الطعام المقدم لهم قليلا لا يتناسب مع الأعمال الشاقة التي كان عليهم أدائها.
استعدادات وتجهيزات الأورطة للمعركة..
وبعد فترة قليلة من وصول الجنود، تم إدخال بعض الإصلاحات علي الأوضاع، وتمت عملية إعادة تنظيم للكتيبة علي النسق الفرنسي، فتم تقسيمها إلي 4 فرق، وصرفت أوامر محددة تحدد واجبات كل فرقة، كما تمت ترقية العديد من أفراد الكتيبة.
كانت الأورطة المصرية مسلحة تسليحا جيدا، لكن بنادقهم كانت من نوع مختلف عما هو مستعمل في الجيش الفرنسي وكان ذلك يمثل عقبة في ما يتعلق بالذخيرة، ما دعا الفرنسيين إلي إعطاء الجنود المصريون بنادق فرنسية والاحتفاظ بالبنادق التي جلبها هؤلاء الجنود لحين انتهاء الحملة، ومثلت لغة جنود الأورطة المصرية عقبة أخرى، إذ لم يكن هنالك من يفهم لغتهم ولم يكن من السهل شرح كيفية استعمال هذه البنادق الفرنسية الجديدة لهم، لذا تمت الاستعانة ببعض الجنود الجزائريين للقيام بأعمال الترجمة بينهم وبين الفرنسيين.
شكلت هذه الأورطة علامة في تاريخ الجيش المصري، حيث كانت التقارير الفرنسية عنها دائمة الإشادة بهم، وفي أول التقارير التي جاءت عنهم قيل فيها إن الأورطة المصرية بحسن الانضباط شكلا وسلوكا، وإنها ذات استعداد عسكري يثير الإعجاب، ووصفت التقارير الرسمية قيام جنود هذه الأورطة بأعظم الخدمات نظرا لشجاعتهم وبراعتهم في إطلاق النار، وبذلك تم الاعتماد عليهم في المناطق والمعارك التي لم يستطع الجنود الفرنسيون خوضها.
وقبل مباشرة الأورطة لأعمال القتال، أعادت القيادة الفرنسية تنظيمها وتشكيلها وفقا للتنظيم الفرنسي، وما كادت الأورطة تستقر في منطقتها، حتى أصدرت لها القيادة الفرنسية الأوامر بتطهير الأراضي المكسيكية من عصابات الفدائيين والثوار ورجال العصابات المكسيكية الذين كانوا لا يكفون عن مهاجمة القوافل التي كانت تحمل الزاد والمؤن في الأراضي المنخفضة في فيراكروز، ويعتدون علي نقاط الدفاع قليلة الحماية.
الأورطة تنجح في إنقاذ قادة جيش فرنسا من نيران الثوار..
وعندما حوصرت مدينة بوبيلا، ثاني أهم المدن المكسيكية في الفترة من 23 يناير إلى 17 مايو 1863 بواسطة الثوار ثم سقطت واستسلمت حاميتها المكونة من 26 جنرالا و900 ضابط 12 ألف جندي، كان من الضروري الاحتفاظ بطرق المواصلات بينها وبين الساحل، في حين كان الثوار المكسيكيون دائمي قطعها، لذلك تم تكليف الأورطة المصرية بحراستها، وكذلك، حماية خط السكة حديد الذي كان في طور التشييد مما عجل بإكماله في فترة وجيزة.
رافق بعض الجنود المصريون القائد العام للجيش الفرنسي، مارشال بازين، Marshal Bazaine عند دخوله لمدينة مكسيكو العاصمة في 7 يونيو 1863 وشاركوا بفعالية في عدة معارك قبل وبعد سقوط العاصمة، وعندما أقام الفرنسيون احتفالا ضخما حضره كل ممثلي السلطات المدنية والعسكرية بمناسبة الاستيلاء علي العاصمة، وقع الاختيار علي فرقة من الأورطة المصرية لتكون حرس الشرف في الاحتفالات، ونفذ جنود من الأورطة عرضا عسكريا في أكبر ساحة عامة في العاصمة.
وأثبت الجنود المصريون كفاءة واقتدارا عظيمين لفتا نظر القادة الفرنسيين، ما دعا القائد العام الفرنسي ينتقي من بين جنود الأورطة المصرية فرقة «قوة خاصة» وصرف لكل فرد من أفراد هذه القوة الخاصة علاوة قدرها 65 سنت أي ما يعادل تعادل قرشين ونصف في اليوم، وأن يشرف ويميز أفرادها بلبس شارة صفراء خاصة علي الذراع، وأسهم هذا الإجراء في رفع الروح المعنوية للجنود والضباط، لأنه أثبت أن جنود الأورطة المصرية نالوا احترام وتقدير رؤسائهم الفرنسيين.
معركة «القطار».. أهم معارك الأورطة في المكسيك
تعد أهم المعارك التي خاضتها الأورطة وكشفت عن تفوقها، معركة 1863 المعروفة باسم «معركة القطار»، وتعود أحداثها إلى قيام عصابات بخلع قضبان السكة الحديدية في المنطقة المحيطة بالجبال في الطريق من مدينة فيراكروز إلى سوليداد، ما اضطر القطار الذي كان يحمل 50 شخصًا من القيادات الفرنسية إلى التوقف بعد سقوط عدد من عربات القطار، واستغلت العصابات التوقف فهاجموه بالنيران من المرتفعات التي كانوا يحتلونها من الجانبين، وكان يحمى القطار 7 فقط من الجنود المصريين، واتخذوا مواقع إطلاق نيرانهم داخل وخارج عربات القطار، وكانوا متأهبين للاشتباك فور ظهور المهاجمين ودخولهم في مرمى أسلحة المصريين.
وأدت كثافة نيران الثوار المكسيكيين إلى إصابة القائد الفرنسي «ليجيه» فحمله أحد الجنود المصريين داخل القطار وأصيب الجندي المصري أيضا، فحمله جندي مصري آخر ونقله هو والجندي المصاب إلى داخل القطار واستمر الجنود المصريون المتبقون وهم 5 جنود في المقاومة واصطياد الثوار المكسيكيين المتفوقين عددا وتسليحا، ما أوقع خسائر جسيمة في صفوفهم اضطرتهم إلى إيقاف إطلاق النار، والعودة إلى مواقعهم في الجبال، ولم يستطيعوا الاقتراب من القطار إلا لمسافة لا تزيد على بضعة أمتار ومن وصل منهم القطار سقط قتيلا بفعل نيران المصريين، وساد الهدوء الموقف حتى وصلت نجدة مصرية أيضا من مدينة «تيجريا»، وسقط في هذه المعركة 2 من جنود الأورطة المصرية وأصيب 2 آخران.
ووصف القائد العام الفرنسي دور المصريين في هذه المعركة في تقريره إلى الحكومة المصرية قائلا: «لقد أبلى المصريون بلاء حسنا في هذه الموقعة رغم عددهم البسيط وأظهروا من رباطة الجأش ما يندر وقوعه، وكانوا جميعا موضع إعجاب الضباط والجنود الفرنسيين الذين قاتلوا إلى جانبهم، وليس هناك أدنى شك في أن النجاح الذي أحرزناه إنما يرجع في معظمه إلى تلك المقاومة الجديرة بالمدح والثناء لهؤلاء المصريين خصوصا بعد أن اتضح بعد ذلك أن عدد المكسيكيين الذين هاجموا القطار كانوا نحو 300 فرد بين مترجل وفارس، وقد تمت ترقيتهم جميعا».
إنجازات الأورطة في المكسيك
وبانتهاء عام 1863، كان الجنود المصريون خاضوا 8 معارك سجلوا فيها أعلي درجات الامتياز، لدرجة جعلت حاكم فيراكروز يكتب عنهم وهو يصف معركة خاضوها في 2 أكتوبر 1863: «لقد حمل الجنود المصريون العبء الأكبر من تلك المعركة، وتوجتهم تلك الموقعة بأكاليل الفخار، ولم يبال أحد منهم بالنيران الكثيفة التي كان العدو يرميها عليهم من كل صوب، وكان عدد أفراد جيش العدو يفوقهم بتسعة أضعاف، ورغما عن ذلك نجحوا في اجتثاثه».
ومع نهاية عام 1865، كانت الأورطة قد خاضت 37 معركة، كان أغلبها في الشهور الأخيرة لتلك السنة، وخاضت في عام 1866 حوالي 11 معركة أخرى، وكانت أعداد الثوار المكسيك تزداد يوما بعد يوم واشتدت قوة حرب العصابات، حتى أنه هاجمت ذات ليلة قوة مؤلفة من 200 من الثوار نقطة مراقبة كان بها 26 من جنود الأورطة، وجاء الهجوم المكسيكي مباغتا، لكن جنود الأورطة رغم قلة عددهم صمدوا ومضوا في الدفاع عن موقعهم حتى الساعة الخامسة والنصف صباحا، وحينها انسحبت قوات العدو مخلفة العديد من القتلى والجرحى وراءها، ومع التزايد اليومي لعدد الثوار المكسيك اتضح ضرورة الدفاع عن مدينة فيراكروز خشية سقوطها في يد الثوار إلي حين إرسال مدد جديد من فرنسا بالرجال والعتاد.
وخاضت الأورطة المصرية-السودانية خلال الفترة التي قضتها في المكسيك من 23 فبراير 1863 إلى 12 مارس 1867 أي 4 سنوات و17 يوما، 48 معركة حربية كبرى، ولم تهزم في أي معركة على الإطلاق، رغم أنها في جميع المعارك قابلت أعدادا مضاعفة لعدد أفرادها.
وكان أهم إنجاز للكتيبة المصرية هو احتلال فيراكروز وحماية خطوط الاتصالات بين تلك المدينة والوحدات المتقدمة داخل البلاد، وتكمن أهمية فيراكروز في أنها الميناء الذي تأتي عبره القوات الغازية والمواد التموينية، لذا كان من المهم جدا تأمين تلك المدينة والاتصالات بينها وبين بقية البلاد، وأدى جنود الأورطة المصرية تلك المهمة بنجاح بدون كلل أو ملل منذ فبراير 1863 وحتى مغادرة الجيش الفرنسي للمكسيك في عام 1867.
وبعد انتهاء دور الأورطة المصرية السودانية، وجهت القيادة والحكومة الفرنسية الكثير من المديح والثناء علي أداء الجنود المشرف والمتفوق، وعندما أبحرت الأورطة من ميناء فيراكروز في 12 مارس 1867، حرص نابليون الثالث على توديعها بنفسه، حيث وصلت إلى باريس في نهاية أبريل 1867، وكان يرافقه جاهين باشا وزير الحربية المصري وقتها، ووزع نابليون بنفسه بتوزيع الأوسمة والنياشين على ضباط وجنود الأورطة، ثم غادرت الأورطة فرنسا إلى مصر ووصلتها في أواخر مايو 1867 وكان عدد أفرادها وقتها 313 من أصل 453.
وفي 28 مايو 1867، قدم جنود الأورطة المصرية-السودانية عرضا عسكريا أمام الخديو إسماعيل أمام باحة قصره في رأس التين بالإسكندرية، وأقيم للضباط منهم حفل استقبال وسهرة حضرها وقنصل فرنسا وغيره من كبار الشخصيات، وزينت صالة الاحتفالات بالأعلام المصرية والفرنسية، أعلن إسماعيل باشا عن ترقيات واسعة في صفوف تلك الكتيبة ورقي محمد ألماظ إلي رتبة الأميرالاي...!!
الكلمات المتعلقة