الأقباط متحدون | خشبة غيّرت مجرى التاريخ
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٣:٥٠ | الاثنين ١٢ سبتمبر ٢٠١١ | ١ توت ١٧٢٨ ش | العدد ٢٥١٤ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

خشبة غيّرت مجرى التاريخ

الاثنين ١٢ سبتمبر ٢٠١١ - ٠٣: ١٠ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم منير بشاى- لوس أنجلوس

هما قطعتان متعارضتان من الخشب الخام. من ناحية القيمة المادية ليست لهما قيمة تذكر، ومن ناحية الشكل العام ليست لهما جاذبية خاصة. ولكن من قطعتا الخشب هذه تم صنع الصليب الذى عندما علق عليه يسوع المسيح استطاع ان يفدى البشرية ويعطيها خلاصًا أبديًا. وبذلك أصبحت قطعتا الخشب أثمن شىء فى الوجود، وأكثرها جمالًا..
لا عجب أن كل مسيحي يفخر بالصليب ويردد مع بولس الرسول "حاشا لى أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح" غلاطية 6 :14، فالصليب فى قلوبنا بل ويحرص البعض على أن يوشموه على سواعدهم، أويعلقوه على صدورهم، أو يثبتوه فى المكان الذى تتجه اليه أنظارهم سواء فى سياّراتهم أو بيوتهم. ومن الطبيعى أيضًا أن يرفعوه فوق كنائسهم. ولكن المسيحيين لا يعبدوا الصليب ويرفضوا تسميتهم بالصليبيين ويروا فى هذا إهانة كبيرة.
وفى بيتنا صليبان لهما معزة خاصة عندى. وهذا راجع ليس فقط للمعنى الدينى للصليب ولكن أيضا للمعنى الشخصى الذى يرتبط بكل منهما. الصليب الأول أضعه فى مدخل البيت وقد أهداه لى صديق جاء به من زيارته للقدس.
أما الصليب الثانى فله أيضًا ذكريات خاصة ولذلك أضعه فوق مكتبى ليكون أمام عينى باستمرار. ولهذا الصليب قصة طريفة. لم أشتر هذا الصليب ولم يهدنى إياه أحد أصدقائى المسيحيين. ولكن أهدته لنا شابة مسلمة. والقصة باختصار أن الفتاة التى أعطيها هنا الاسم المستعار "عائشة" كانت قد جاءت إلى لوس أنجلوس فى بعثة للدراسة والتحضير لدرجة الدكتوراة. تعرّفنا عليها وتوثقت علاقتنا بها فزارتنا فى المنزل عدة مرات واصطحبناها فى زيارة الكثير من معالم لوس أنجلوس. حدث تقارب ومودة بيننا وبينها لدرجة أننى اعتبرتها مثل ابنتى. انتهت فترة دراسة عائشة وحان موعد رجوعها الى مصر. وفوجئنا بها تقدم لنا قبيل رحيلها هدية تذكارية وكانت هى ذلك الصليب. وبعد رجوعها إلى مصر استمرت اتصالاتها بنا وكنت أطمائنها أن هديتها القيمة وهى الصليب مازالت موجودة أمام عينى معلقة على الحائط فوق مكتبى فأتذكرها كلما نظرت إليه.
لذلك الصليب قيمته الكبيرة عندى لأنه فى عينى رمز للتسامح الدينى الذى أتمنى أن يكون بين كل مسلم ومسيحي فى مصر. ومع أن الإسلام والمسيحية ينظران إلى موضوع الصليب كل من زاوية مختلفة، ولكن هذا لم يمنع عائشة أن تهدينا الصليب لأنها كانت تحاول أن تقدم ما تعتقد أنه سوف يسعد الطرف الآخر. وهذا معناه انها كانت تجد راحة فى إرضاء الآخر المخالف فى العقيدة بإظهارتقديرها لمقدساته.
على النقيض من ذلك هناك للأسف حتى من بين من يسمون أنفسهم مسيحيين من لا يدرك درس الصليب أو يفهم معناه وهى المحبة للآخر حتى للأعداء. وفى هذا لا ننسى أن بعض المحاربين الأوروبيين جاءوا إلى الشرق حاملين راية الصليب ليحرروا الأراضى المقدسة مرتكبين بشاعات الحروب التى طالت المدنيين الآمنين. وتناسوا أن المسيحية لم تكن يومًا تدعو إلى احتلال الأرض أو حكم الناس، ولم تنشر رسالتها بإرهاب السيف ولكن باقناع الضمير وبقوة الحب وسلطان الحق. وما أجمل ما قاله أمير الشعراء "أحمد شوقى" فى هذا الصدد:
يا فاتح القدس خل السيف ناحية ليس الصليب حديدا كان بل خشبا
اذا نظرت الى أين انتهت يده وكيف جاوز فى سلطانه القطبا
علمت أن وراء الضعف مقدرة وأن للحق لا للقوة الغلبا
ولكن لا شك أن جذور مشكلة الاحتقان الطائفى بسبب الصليب يرجع الى أصول عقائدية. فقد جاء فى سورة النساء:157 "وقولهم أنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم". وقد اختلف المفسرون فى شرحهم لهذا النص، وليس مكاننا هنا أن نفنّد النص أو نصدر رأيًا فيه. ولكن حتى مع افتراض وجود خلاف فى المعتقد بين الإسلام والمسيحية فان الأمر كان يجب أن ينتهى عند توضيح كل طرف لرأيه ويترك حرية الاختيار للناس أن يؤمنوا بما يريدون ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
ولكن المشكلة أنه نتج عن هذا نوع من التشدد أوجد شعورًا بالامتعاض من بعض المسلمين كلما رأوا منظر الصليب. وهذا الشعور عميق فى التاريخ الإسلامى ويؤكده ما جاء فى العهدة العمرية التى فرضت على مسيحى الشام "(على النصارى) أن لا يظهروا صليبا ولا شيئا من كتبهم فى طريق المسلمين".
واستمرت هذه النظرة المعادية للصليب فى كل مراحل التاريخ الإسلامى لدرجة أنها كانت تقف حائلًا أمام بناء الكنائس. ولم تنفرج هذه الأزمة إلا بعد صدور الخط الهمايونى سنة 1856 بضغوط من البلاد الأوروبية على الخليفة العثمانى فسمح ببناء الكنائس فى الخلافة بشرط موافقته هو شخصيًا. ومنذ ذلك التاريخ وضع شرط موافقة رئيس الدولة على بناء الكنائس، والتى عدّلها الرئيس السابق مبارك بتفويض المحافظين بالتصريح ببناء كنيسة مكان كنيسة قديمة أما الكنائس الجديدة فاستمر التصريح بها من سلطة رئيس الجمهورية.
ويبدو ان بناء كنيسة فى مصر ورفع الصليب عليها ظل يثير مشاعر بعض المسلمين الى يومنا هذا. فكم من الكنائس تسبب بنائها فى أزمات طائفية عنيفة ومعارك ضارية ودماء تسيل بين أبناء الوطن الواحد. ومن أجل ذلك حرصت الدولة على اشتراط موافقة الأمن ضمن اجراءات بناء الكنائس الجديدة والذى كان يعنى أخذ رأى الجيران المسلمين فى المنطقة قبل التصريح ببناء الكنيسة فى منطقتهم.
وآخر هذه المساجلات ما حدث فى يوم الخميس 8 سبتمبر 2011 فى قرية الميريناب بأسوان بسبب إعادة بناء كنيسة مارجرجس بالقرية، والتى رفض المسلمون استكمال عملية البناء، مع أن الكنيسة كانت قائمة منذ 80 عاما بالطوب اللبن ثم تصدعت وقررت الإدارة الهندسية أن الكنيسة آيلة للسقوط، ويجب إعادة بنائها وأصدرت ترخيصًا بذلك. وبدأ البناء منذ ثلاثة شهور. ولكن الأهالى من المسلمين تجمهروا عندما رأوا القباب تبنى وطالبوا بوقف البناء وبعد محاولة عمل صلح عرفى لحل الأزمة اشترط الأهالى ألا يتم تركيب أجراس أو ميكروفونات أو صلبانا على القبة . وقبل المسيحون أن لا يضعوا الأجراس أو الميكروفونات. ولكن رفضوا أن لا يضعوا الصليب، وما تزال المواجهة قائمة حتى كتابة هذا المقال.
جلست أفكر كيف يمكن أن نقضى على هذه الاحتقانات التى يسببها منظر الصليب؟ ثم فكرت كيف يكون الوضع فى مصر لو تحلى الجميع بتسامح عائشة؟ وهل سيأتى وقت فى مصر نرى المسلم يساهم فى بناء الكنيسة المجاورة والمسيحى يساهم فى بناء الجامع؟ ويشترك الجميع فى حماية الاثنين؟ ويعود هتاف الزمن الجميل "يحيا الهلال مع الصليب"؟
دعنا نحلم... ولكن قبل ذلك علينا أن نبحث كيف نتخلص من الكابوس الذى نعيشه الآن.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :