حول التعديلات الدستورية (2)
يوسف سيدهم
السبت ٢٣ فبراير ٢٠١٩
بقلم: يوسف سيدهم
اليوم أستأنف استعراض ما بدأته الأسبوع الماضي من بنود مقترحات التعديلات الدستورية التي استوفت المعايير التي حددها الدستور كما حازت علي موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب (485نائبا من أصل 596 نائبا), وبذلك أحال الدكتور علي عبدالعال رئيس مجلس النواب مشروع التعديلات إلي لجنة الشئون الدستورية والتشريعية لمباشرة دورها في تلقي مقترحات النواب والمواطنين وسائر الجهات المعنية وعقد جلسات حوار مجتمعي تستمر 45 يوما يعقبها عكوف اللجنة علي مناقشة التعديلات ووضع تقريرها تمهيدا لرفعه إلي الجلسة العامة لمجلس النواب للتصويت عليها قبولا أو رفضا… فإذا كان قبولا يتم استفتاء الشعب عليها, وإذا كان رفضا يتم إغلاق الملف برمته.. وأواصل عرض مقترحات التعديلات الدستورية كالآتي:
** تنظيم آلية موحدة لتعيين رؤساء الهيئات القضائية والنائب العام ورئيس المحكمة الدستورية العليا, مع إنشاء مجلس أعلي للشئون المشتركة للقضاء.
* تعقيب: رجعت إلي الدستور الحالي -الفصل الثالث: السلطة القضائية- والذي يشتمل علي: أحكام عامة- القضاء والنيابة العامة- قضاء مجلس الدولة- المحكمة الدستورية العليا- الهيئات القضائية- المحاماة- الخبراء… وفي كل فرع من هذه الفروع ينص الدستور بكل وضوح علي استقلال السلطة القضائية وعلي آليات اختيار رؤسائها وتحصينهم ضد العزل والضمانات المقررة لهم… لذلك أترقب بكل اهتمام مغزي ومضمون التعديل المطلوب لدي مناقشته, كما أثق أن هذا التعديل يلزم الاستقرار عليه بمشاركة ممثلي الهيئات القضائية نفسها إعمالا لنص المادة (185) من الدستور التي تنص علي: تقوم كل جهة أو هيئة قضائية علي شئونها, ويكون لكل منها موازنة مستقلة يناقشها مجلس النواب بكامل عناصرها, وتدرج بعد إقرارها في الموازنة العامة للدولة رقما واحدا, ويؤخذ رأيها في مشروعات القوانين المنظمة لشئونها.
أما عن الاقتراح بإنشاء مجلس أعلي للشئون المشتركة للقضاء, فيثار التساؤل: ولكن لدينا المجلس الأعلي للقضاء, فما هو الفارق بينهما؟.. وما هي الإضافة المطلوبة؟
** إعادة صياغة وتعميق دور القوات المسلحة, مع جعل تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلي للقوات المسلحة, وإسباغ الحماية القانونية علي المنشآت الحيوية والمرافق العامة.
* تعقيب: باستثناء مطلب جعل تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلي للقوات المسلحة -حيث تنص المادة (201) علي: وزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة ويعين من بين ضباطها- أحتاج لمتابعة المناقشات المرتقبة بشأن صياغة وتعميق دور القوات المسلحة الذي حددته بوضوح المادة (200) من الدستور كما يلي: القوات المسلحة ملك الشعب, مهمتها حماية البلاد والحفاظ علي أمنها وسلامة أراضيها, والدولة وحدها هي التي تنشئ هذه القوات, ويحظر علي أي فرد أو هيئة أو جهة أو جماعة إنشاء تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية, ويكون للقوات المسلحة مجلس أعلي علي النحو الذي ينظمه القانون… أيضا لم أدرك المغزي من مطلب إسباغ الحماية القانونية علي المنشآت الحيوية والمرافق العامة الذي جاء ضمن مجال مهمة القوات المسلحة في التعديلات الدستورية المطلوبة, إذ أن الحماية القانونية ينظمها القانون والحماية الأمنية تنظمها الشرطة بينما القوات المسلحة تضطلع بالحماية العسكرية, فلعل المناقشات توضح المقصد المستهدف من هذه الديباجة.
** إنشاء وتنظيم مجلس الشيوخ.
* تعقيب: كنت ومازلت من أشد المؤيدين لتأسيس غرفة ثانية للبرلمان سواء أطلق عليها مجلس الشوري الذي عرفته مصر لسنوات طويلة توأما برلمانيا لمجلس الشعب أو أطلق عليها مجلس الشيوخ استدعاء لتسمية قديمة سادت في العصر الليبرالي قبل ثورة 1952… ذلك لأني أعتبر هذه الغرفة الثانية للبرلمان بمثابة صمام أمان تشريعي, وسبق أن تناولت هذا الأمر تفصيلا أثناء عمل لجنة الخمسين عام 2013 في صياغة دستورنا الحالي حيث كان الجدل دائرا في هذا الخصوص لكن استقر الرأي وقتها علي الاقتصار علي البرلمان ذي الغرفة الواحدة وهو مجلس النواب. وعدت إلي مقالي في هذا الصدد والذي نشر بتاريخ 2013/12/1 تحت عنوان: عندما يكون مجلس الشوري صمام أمان تشريعي لأستدعي منه الفقرات الآتية لتأييد مطلب تعديل الدستور بتأسيس مجلس الشيوخ:
مبدأ إيجاد غرفة ثانية للبرلمان لم يكن في الأصل يستهدف خلق منتدي للثرثرة السياسية أو مركزا للدراسات, إنما بهدف المشاركة الفعالة في دراسة مشروعات القوانين المحالة إليها من الغرفة الأولي للبرلمان, فإذا وافقت عليها يتم إصدارها أما إذا رأت ما يشوبها من قصور أو عوار أعادتها إلي الغرفة الأولي لاستيفاء النقص حتي تصدر القوانين جيدة الطهي, وتبرز الحاجة إلي ذلك إذا اضطلعت الغرفة الثانية بتدقيق المراجعة الدستورية في مشروعات القوانين حتي لا يقع البرلمان في مأزق عدم الدستورية بعد أن تم ترسيخ مبدأ المراجعة الدستورية لها من قبل المحكمة الدستورية العليا لاحقة لإصدارها.
أيضا في سياق بلورة الدور المتخصص الذي تضطلع به الغرفة الثانية في البرلمان, تبرز الحاجة إلي صياغة معايير مختلفة للعضوية فيها عن تلك الحاكمة لعضوية الغرفة الأولي… فإذا كان الفوز بعضوية مجلس النواب يعتمد علي المكانة الانتخابية للمرشح في الشارع أو الحزب أو الأسرة أو العشيرة والتي علي أساسها يستمد ثقله الانتخابي ومقومات فوزه بالمقعد البرلماني, فليس بالضرورة يمتلك ذلك المرشح الخبرة أو القدرة علي تدبر سبل دراسة وصياغة القوانين, وبالتالي إذا نجحنا في ترسيخ معايير أخري للتأهل لعضوية مجلس الشيوخ مثل رفع حد السن أو اشتراط خبرة دراسية وتخصصية أو مؤهلات قانونية ورصيد معترف به في مجالات العمل التشريعي فإننا نستطيع إرسال شرائح من أصحاب القامات الرفيعة والعقول الراجحة الحكيمة إلي مجلس الشيوخ للقيام بدور صمام الأمان التشريعي في حياتنا البرلمانية.
ومن هذا المنطلق يمكن التوسع في نسبة المعينين في مجلس الشيوخ وتحديد مرجعياتهم خاصة أن تلك الكفاءات الخاصة قد لا يكون لها قبل بآليات الترشح والانتخاب, بل قد تعزف عنه… ولنا في هذا السياق أن ندرس أنظمة البرلمانات ذات المجلسين حول العالم مثل البرلمان البريطاني بغرفتيه: مجلس العموم/ مجلس اللوردات, والكونجرس الأمريكي بغرفتيه: مجلس النواب/ مجلس الشيوخ.
** أخيرا كان هناك مطلب التعديل بإلغاء دور كل من الهيئة الوطنية للصحافة المسئولة عن الصحف القومية, والهيئة الوطنية للإعلام المسئولة عن إعلام الدولة, لكن تم سحب هذا الطلب من جانب المجموعة التي تقدمت بالتعديلات, فكأنه لم يكن.
*** …. وإلي اللقاء مع ما سيجري داخل مطبخ التعديلات الدستورية وما سيخرج منه من تعديلات… إذا أقرها مجلس النواب ستكون الكلمة الفاصلة فيها للشعب أمام صناديق الاستفتاء.