العلمانية وضرورتها (1)
مقالات مختارة | مراد وهبة
الجمعة ١ مارس ٢٠١٩
مراد وهبة
يتزامن نشر هذا المقال مع قرار مجلس الشعب إعادة النظر فى بنود دستور 2014، ومع عناوين لمقالات قادمة. واللافت للانتباه هنا أن هذا التزامن جاء إثر انتهائى من نشر مقالاتى بجريدة «المصرى اليوم» تحت عنوان «أصوليات هذا الزمان» والتى بلغ عددها أربعة وتسعين مقالاً. وفى هذا السياق أظن أن ثمة سؤالاً يرد إلى الذهن وهو على النحو الآتى:
هل ثمة علاقة ضرورية بين الأصولية والعلمانية؟
أظن أنها كذلك بحكم التناقض الحاد بينهما. فأن تكون أصولياً يلزمك بالضرورة أن تكون معادياً للعلمانية، وذلك بحسب تعريفى كلاً من الأصولية والعلمانية، إذ الأولى تعنى «التفكير فى النسبى بما هو مطلق وليس بما هو نسبى» أما الثانية فتعنى «التفكير قى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق». وفى سياق هذا التناقض الحاد أصدرت كتاباً فى عام 1995 تحت عنوان «الأصولية والعلمانية»، وكان الدافع إلى إصداره مزدوجاً: الدافع الأول مردود إلى رغبة كان قد أبداها القس الدكتور صموئيل حبيب فى إصدار ذلك الكتاب. والدافع الثانى مردود إلى ندوة دولية عقدتها تحت عنوان «الأصولية والعلمانية فى الشرق الأوسط المعاصر» فى بريتون بإنجلترا بمناسبة انعقاد المؤتمر الفلسفى العالمى الثامن عشر فى أغسطس 1988. واللافت للانتباه هنا أن الأكاديمية الأمريكية للآداب والعلوم قررت فى ذلك العام ذاته تخصيص منحة قدرها 2.5 مليون دولار لجامعة شيكاغو لدراسة ظاهرة الأصولية الدينية على تنوعها فى وحدتها وفى مجالاتها المتعددة والمتنوعة ثم إصدار هذه الدراسة فى خمسة مجلدات، وقد كان. وكان الرأى عندى أنه من اللازم بعد ذلك إصدار مجلدات أخرى عن العلمانية حتى تصبح البشرية على وعى بالتناقض الحاد بين الأصولية والعلمانية، وبالتالى يمكنها اختيار أحد النقيضين. ولكن ما حدث كان على الضد من ذلك؛ إذ فوجئت البشرية مع بداية القرن الحادى والعشرين بأصوليين إسلاميين يفجرون مركز التجارة العالمى بنيويورك. ومع تطور الأحداث وجدت البشرية نفسها فى مواجهة دول تنهار وشعوب تهرب على غير هدى وتفرض نفسها على دول هى ذاتها فى قبضة الأصولية الإسلامية. وقيل فى كل ذلك أسباب ثلاثة: الصهيونية والوقاحة الأمريكية والبعد عن الدين. وهى أسباب تتكرر عند تناول أية ظاهرة سلبية لا تكون فى صالح البشرية. وكان الرأى عندى أن هذا الذى قيل هو من قبيل الأقاويل المتهافتة «التقليدية» التى لا تتسق مع بزوغ ظاهرة جديدة مثل الأصولية الدينية وما يلازمها من إرهاب هو محصلة التكفير والقتل، بحيث يمكن أن يقال إن الإرهاب هو أعلى مراحل هذه الأصولية. والمغزى هنا أن العلمانية من حيث هى نقيض الأصولية يلزم أن تأتى فى الصدارة عند البحث عن سبب بزوغ الأصولية. والمفارقة هنا أن لوثر فى القرن السادس عشر هو أول من صك مصطلح «السلطة العلمانية» أثناء صراعه مع السلطة البابوية التى كانت فى حينها أصولية، بمعنى أنها كانت ضد إعمال العقل فى النص الدينى، وبالتالى كانت مع الالتزام بحرفية ذلك النص وتكفير مَنْ يعاند.
وتأسيساً على ذلك كله يلزم فتح ملف العلمانية فى المقالات القادمة.
نقلا عن المصرى اليوم