الأقباط متحدون - من عُمر الشريف إلى زويل ومجدى يعقوب إلى رامى مالك!
  • ٠١:٠٨
  • السبت , ٢ مارس ٢٠١٩
English version

من عُمر الشريف إلى زويل ومجدى يعقوب إلى رامى مالك!

مقالات مختارة | سعد الدين ابراهيم

١٣: ٠١ م +02:00 EET

السبت ٢ مارس ٢٠١٩

رامى مالك
رامى مالك

سعد الدين ابراهيم
منذ حوالى مائة عام، لاحظ عالم الاجتماع الأمريكى وليام أوجبرن W.Ogburn، أن معظم المُبدعين فى الأدب والفنون، وكذلك معظم العُلماء والمُبتكرين، هم من الهامشيين أو المُنحدرين من الأقليات فى مجتمعهم!

وسجل وليام أوجبرن، فى النصف الأول من القرن العشرين قوائم بأسمار كبار المُبدعين والمخترعين فى عصره، وخلفيات كل منهم لإثبات نظريته، التى أثارت كثيراً من الجدل فى حينه.

وكان تفسير وليام أوجبرن لتلك العلاقة بين الهامشية والإبداع نابعاً من مقولتين:
■ المقولة الأولى، حول تعريف الإبداع، وفحواها أن الإبداع فى جوهره هو سلوك أو إنتاج يحيد أو يختلف عن الأنماط السائدة فى أحد مجالات الحياة العامة.

■ المقولة الثانية، وهى أن المهمشين اجتماعياً، أو أبناءهم، هم الأكثر قابلية للتفكير أو السلوك المُبدع، أى المُخالف والمُختلف عن النمط أو الأنماط السائدة فى مجال نشاطهم، أو فى مجتمعاتهم. أى أن هناك علاقة سببية بين الهامشية والإبداع. ولأن الأفراد الذين ينتمون إلى أقليات دينية، أو سُلالية، أو عِرقية، هم الأكثر شعوراً بالهامشية، فإنهم قد يُعانون من المعاملة التمييزية السافرة، أو غير المُعلنة، ما يشعرهم بالحاجة إلى الإنجاز، أو التفرد، أو التفوق لتحقيق الذات، وإجبار أو إقناع الأغلبية من حولهم لقبولهم، إن لم للإعجاب بهم أو إبهارهم.

لقد تذكرت نظرية وليام أوجبرن، التى درستها منذ نصف قرن، أثناء مُشاهدتى حفل توزيع جوائز الأوسكار، الواحد والتسعين، للسينما فى هوليوود، ليلة 26/2/2019، وفوز رامى مالك، الأمريكى من أصول مصرية صعيدية، (المنيا)، مسيحية قبطية، هاجرت أسرته إلى الولايات المتحدة، منذ جيل واحد، وأنجبته هناك. ورغم نشأته الأمريكية، إلا أنه وأسرته والمحيطين به فى أمريكا، لا بُد أنهم أشعروه بأنه مختلف، بلون بشرته الأسمر، وبشعره الأسود المجعد!

وقد عجبت وتعجبت من السجال الذى دار على شبكات التواصل الاجتماعى (الإنترنت) حول هوية رامى مالك، أو حقه فى الادعاء بأصوله المصرية، ما دام لم يولد على أرض مصرية، ولم ينشأ فى مصر!

لقد فات معظم مَنْ ينكرون على رامى مالك الحق فى الفخر بهويته المصرية، عِدة أشياء، أهمها: - أن الشعور بهوية ما من الأمور العفوية التلقائية، أو التى يكتسبها من الوالدين والتلقين العائلى.

- وفى كل الأحوال فإن قانون الجنسية المصرى يسمح بذلك، للمُنحدرين من أبوين مصريين، حتى لو كان قد ولد وعاش خارج الأراضى المصرية.

- إن لمصر أن تعتز، وأن تفتخر بأن أحداً ممَنْ ينتمون إلى شعبها، حتى من جيل أو أجيال سابقة، قد حقق إنجازاً محسوساً، تم الاعتراف والإشادة به دولياً.

- وفى هذا السياق فإن رامى مالك يأتى ضمن قائمة قصيرة من المُبدعين المصريين والعرب، الذين اعترف بهم وكافأهم العالم على إنجازاتهم أو ابتكاراتهم.

وتبدأ هذه القائمة عربياً بالشاعر جُبران خليل جُبران، ومجموعة كبيرة من شُعراء المهجر، مثل إيليا أبوماضى، وخليل مُطران، ومصرياً بالمُمثل عُمر الشريف، وعالم الكيمياء المصرى صاحب نوبل د. أحمد زويل، وجرّاح القلب الأشهر الدكتور مجدى يعقوب، وعالم الطبيعة مصطفى السيد، الحائز ميدليات الشرف الأمريكية. هذا فضلاً بالطبع عن أشهرهم جميعاً، وهو أديبنا الكبير نجيب محفوظ، صاحب جائزة نوبل فى الأدب، فى أواخر الثمانينيات. وهناك غيرهم عديدون، مما لا تُسعفنى الذاكرة بأسمائهم جميعاً.

لقد عشت فى شبابى، ولولة كثير من الكُتّاب، حول تجاهل مصر والمصريين فى الحصول على جوائز عالمية. وها نحن، وياللعجب، ينكر بعضنا أحقية المصرى الأمريكى، رامى مالك، لتمسكه أو ادعائه بالانتماء لمصر. فالهوية يُحددها صاحبها قبل أن يُحددها الآخرون. فلكل إنسان مجموعة من الهويات وليس هوية واحدة، مثل النوع (ذكر أو أنثى)، والديانه، والطبقة، والجنسية، والمهنة (عامل، محام، طبيب، مهندس)، والانتماء السياسى (محافظ، أو ليبرالى، أو اشتراكى، أو راديكالى). وبعضها لا دخل للفرد فى تحديده، حيث إنها هويات يولد بها، مثل النوع واللون، واللغة. وبعضها الآخر قد يكون له دور فى اختياره، أو إنجازه، مثل التعليم والمهنة والموطن.

وأخيراً، ينبغى لمَنْ ينخرطون فى تِلك السجالات السوفسطائية أن يُدركوا أن العالم أصبح قرية كونية صغيرة، بفضل وسائل التكنولوجيا الحديثة من ناحية، والانتقال والاستقرار بين بُلدان عديدة من ناحية أخرى. ولم يعد نادراً أو مُستهجناً أن ينتمى البشر، ومنهم الرياضيون والفنانون، والعُلماء، ورجال الأعمال، إلى أكثر من بلد، أو أن يحملوا جوازات سفر وجنسيات بلدين أو ثلاثة، إن لم يكن أكثر.

فهنيئاً لرامى مالك بجائزة أفضل ممثل عن دوره فى فيلم Bohemian Rhapsody. وهنيئاً لأسرته فى أمريكا، ولقريته وأهله فى مصر، وهنيئاً للمصريين بشرف أحد المُنتمين إليها بأول جائزة أوسكار لأحد المُنحدرين من شعبها. ولتعش مصر وتظل ولاّدة للعُظماء والمُبتكرين إلى الأبد.

وعلى الله قصد السبيل
نقلا عن المصرى اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع