الأقباط متحدون - شمال سوريا الحزين
  • ١٥:٣٠
  • السبت , ٢ مارس ٢٠١٩
English version

شمال سوريا الحزين

مقالات مختارة | لواء دكتور/ سمير فرج

٢٢: ٠٣ م +02:00 EET

السبت ٢ مارس ٢٠١٩

ارشيفية -  شمال سوريا الحزين
ارشيفية - شمال سوريا الحزين
لواء دكتور/ سمير فرج
في تغريدة، مفاجئة، للرئيس ترامب، في 19 ديسمبر الماضي، أعلن سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، وسوريا، في إطار السياسة التي وضعها ترامب، منذ توليه منصبه، وهو عودة القوات الأمريكية من الخارج، في المناطق، التي لم يعد هناك حاجة للبقاء فيها، وأضاف ترامب في تغريدته، أن السبب في سحب القوات الأمريكية، من شمال سوريا، بعد 3 سنوات من تواجدها هناك، هو أن هدفها من هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، قد تحقق.
 
وكانت القوات الأمريكية قد بدأت عملياتها البرية في سوريا، في أواخر عام 2015، حيث تمركز عملها في مناطق شرق وشمال سوريا، لتتحالف مع القوات الكردية هناك، قوات سوريا الديمقراطية للقتال ضد تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، (داعش)، وظلت أعداد القوات الأمريكية تتزايد، حتى وصل عددها إلى 2000 جندي، حيث سيطرت على مطار الرميلان، بمحافظة الحسكة، قرب الحدود مع تركيا والعراق، خاصة أن هذه المنطقة تضم آباراً للبترول، وإلى جانب المطار تواجدت القوات الأمريكية في خمس مناطق رئيسية أخرى منها، "قاعدة الشادي"، القريبة من الحدود السورية العراقية، و"عين العرب" الواقعة على الحدود التركية العراقية، كذلك "قاعدة المبروكة"، و"قاعدة تل البيدر" في محافظة الحسكة، كما ركزت القوات الأمريكية تواجدها في "قاعدة التنف"، ذات الأهمية الاستراتيجية، عند المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن، وفور صدور هذا القرار، أعلن الجنرال "جيمس ماتيس"، وزير الدفاع الأمريكي، تقديم استقالته لعدم موافقته على ذلك القرار، وأصبح منذ ذلك الوقت "جون بولتون" مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي هو المتحكم في القرارات الاستراتيجية، داخل البيت الأبيض.
 
ولقد أغضب هذا القرار، المفاجئ، البعض، بينما أسعد البعض الآخر، وكان أول المتضررين، هم الأكراد السوريين، الذين شعروا بالتخلي المفاجئ للولايات المتحدة عنهم، وجاءهم خطاب الرئيس بشار الأسد، بعدها بأيام، ليذكرهم بأن خيارهم بالانضمام، والتحالف مع الولايات المتحدة، كان قراراً خاطئا، منذ البداية. أما الخاسر الآخر، فكان قوات التحالف الأوروبية هناك، وخاصة فرنسا، التي اعتبرت قرار ترامب لن يفيد عملية السلام في سوريا، كذلك إسرائيل.
 
أما الرابحون من ذلك القرار فكان على رأسهم تركيا، التي وجدت أن الساحة ستخلو أمامها للقضاء على الأكراد السوريين، وبالتالي منعهم من الاتصال بالأكراد الأتراك، وخاصة حزب العمل الكردستاني (BBK)، الذي يعمل ضد تركيا بهدف تكوين الدولة الكردية في المنطقة، بالتعاون مع أكراد سوريا، والعراق، وإيران، لتحقيق الحلم الأكبر، وحلم كردستان. أما الرابح الثاني فكانت روسيا، التي رأت في خروج الولايات المتحدة، من منطقة الصراع بسوريا، سيحقق لها الانفراد، كقوة عسكرية مؤثرة في المنطقة.
 
أما الرابح الثالث، فلقد كانت سوريا نفسها، التي ترى في خروج الولايات المتحدة، كقوة عظمي من التدخل المباشر على الأراضي السورية، ما يضمن لها إعادة السيطرة على أكراد سوريا، في الشمال. كما رحبت إيران، تماماً، بسحب القوات الأمريكية من سوريا.
 
أما إسرائيل، فقد كانت ترى في استمرار تواجد القوات الأمريكية، في شمال سوريا، ما يحقق لها ضمانات في التصدي للقوات الروسية الموجودة بقواتها الجوية في "قاعدة حميم"، وقواتها البحرية في "قاعدة طرطوس". وعلى أثر ذلك، قام "جون بولتون" بزيارة، سريعة، لكل من إسرائيل، وتركيا، للحصول على ضمانات تركية، بأن يكون أكراد شمال سوريا في مأمن، خاصة أن الولايات المتحدة قد ألمحت، فور إعلان سحب قواتها، أنها ستقوم بتسليح قوات سوريا الديمقراطية، لكي تتمكن من استكمال قتالها ضد الأكراد، وهو الأمر الذي أزعج الأتراك بشدة. وخلال الأسبوع الماضي، وعبر تغريدة جديدة للرئيس ترامب، أعلن أن انسحاب قواته، من سوريا، يخضع لشروط، مشيراً إلى أن الانسحاب سيتم تدريجياً، مع الإبقاء على 200 جندي أمريكي، في المنطقة.
 
وقد جاء هذا القرار، بعدما شعرت واشنطن، أن أكراد سوريا لن يصبح أمامهم، بعد انسحاب القوات الأمريكية، إلا أن يعودوا، مرة أخرى، إلى حضن الدولة السورية، بقيادة بشار الأسد، الذي لوح لهم ببعض الامتيازات. ومن ناحية أخرى، شعرت الإدارة الأمريكية، أنه لا يمكنها الوثوق في القيادة التركية، التي بدأت الاستعداد للسيطرة على المنطقة الآمنة الكردية، وهو ما سيحدث توتراً جديداً في المنطقة، إذا نجحت القوات التركية في احتلال أراض جديدة داخل سوريا.
 
ومن هنا جاء القرار الأمريكي، بالإبقاء على قوات أمريكية، في شمال سوريا، لضبط موازين الأمور، حتى وإن كانت تلك القوات محدودة العدد، أو رمزية التكوين، إلا أن الشكل العام يوضح أن العلم الأمريكي مازال موجوداً في شمال سوريا، ليبقي على التوازن العسكري، خاصة أمام القوات التركية، التي تنتظر هذه الفرصة للانقضاض على شمال سوريا، للقضاء على الأكراد، والقضاء على حلم تأسيس الدولة الكردية، التي تستهدف جزءاً من الأراضي التركية، فضلاً عما يمثله احتلال شمال سوريا بقوات تركية، من تأسيس لأزمة سياسية جديدة، تضاف إلى قائمة مشاكل منطقة الشرق الأوسط.
 
ومن هنا اخترت "شمال سوريا الحزين" عنوان لمقالي، ليعبر عما تعانيه تلك المنطقة، التي تتقطع أوصالها بين القوات الأمريكية والقوات التركية، ولا مانع من القوات الروسية والفرنسية وقوات حزب الله ... ووقود هذا الحزن هم أبناء سوريا، من الأكراد، الذين فقدوا كل شيء، الهوية والوطن، وحتى أغانيهم الكردية الجميلة، وأشعارهم وتراثهم، كل ذلك بدأ ينهار أمام الماكينات العسكرية التي تزيد من أحزان شمال سوريا.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع