الأقباط متحدون - مقاومة الأنظمة المستبدة بين معارك الشوارع وخشبات المسارح
أخر تحديث ٠٠:٠٢ | الاربعاء ٢٨ سبتمبر ٢٠١١ | ١٧ توت ١٧٢٨ ش | العدد ٢٥٣٠ السنة السابعة
إغلاق تصغير

مقاومة الأنظمة المستبدة بين معارك الشوارع وخشبات المسارح


اقترنت بعض العروض في مهرجان زيورخ للمسرح لهذه الصائفة بسجالات حول مدى تأثير الفن في تنمية وتطوير المجتمعات، خصوصا بعد إقدام الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون على توفير دعم لعدد من الأعمال المسرحية التي تهتم بالإضطرابات والتغيرات الحاصلة في بلدان الجنوب والمشرق.

في بداية العرض، تم تسليط الأضواء أولا على الجمهور في الوقت الذي بقيت فيه خشبة المسرح مظلمة، بينما جلس الممثلون الأحد عشر المرتدون لملابس سوداء والتابعون لشركة "فاميليا" التونسية الخاصة للإنتاج المسرحي والسينمائي لفاضل الجعايبي، في صمت على كراسي بيضاء في مقدمة الخشبة قبل أن يبدأو في التحرك ببطء.

ولا يُسمع سوى وقع دقات خافتة، قبل أن يدوي فجأة صوت يصم الآذان، وصوت طلقات نارية وانفجارات. يبدأ الممثلون في الهرولة في فزع فوق الخشبة بينما يحاول بعض المتفرجين المنزعجين حماية آذانهم من قوة الصوت. وما ان يتم تجاوز ذروة الصوت المؤلم حتى يتحول ضجيج الحرب الى إيقاع موسيقى التيكنو.

يبدأ الرجال والنساء فوق خشبة المسرح في الرقص بطريقة عنيفة، ثم يؤدون بطريقة مسترخية أغنية "عيد ميلاد سعيد"، قبل أن يتوقفوا فجأة. ينطلق بعدها صوت عبر مكبر الصوت ليسأل بالعربية: "كم هي الساعة الآن؟". وبموازاة ذلك، يتم عرض ترجمة الحوارات بالألمانية للجمهور السويسري في زيورخ عبر شاشة عرض سوداء فوق الخشبة.

الإطاحة بطاغية

تبدأ المسرحية التي تحمل عنوان " يحيى.. يعيش" أو "أمنيزيا" (أي فقدان الذاكرة) بعرض قوي وتعمل، بإخراجها الدقيق وحركاتها الراقصة، على الإستحواذ على كل الحواس. ويتعلق الأمر فيها بالإطاحة بديكتاتور، يتم وضعه في بداية الأمر تحت الإقامة الجبرية قبل أن يتم إيداعه في مصحة للأمراض العقلية. هناك يتعرض للاستجواب من قبل أطباء، ومحامين، ورجال شرطة، وصحفيين، ويضطر في هذا الاستجواب المتداخل إلى مواجهة ماضيه.

مسرحية " أمنيزيا" التي كتبت في عام 2010 وقدمت آنذاك في عرض أولي، تبدو اليوم وكأنها كانت بمثابة "النبوءة" المبكرة لما أصبح يُعرف بـ "الربيع العربي"، الذي اندلع في سياق الإطاحة الشعبية بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011.

لكن فاضل الجعايبي الذي كتب المسرحية ويدير الفرقة بصحبة زوجته جليلة بكار، يعارض ذلك بقوله" لم يكن آنذاك ممكنا تصور بأن بن علي سيتنحى في يوم من الأيام. ولما روادتني فكرة كتابة المسرحية، اعتقدت بأنه يجب علي أن أعرض نفسي على طبيب نفسي".

"لست نادما"

وفي نقاش مفتوح مع الجمهور دار حول قضية "الفن والتغيير الاجتماعي"، طالب فاضل الجعايبي بضرورة تبني "هوية اصطناعية" وقال شارحا: "إن القيم التي نطالب بها اليوم، مثل التعددية والديمقراطية، هي قيم غربية. لذلك أنتقي من كل ثقافة ما أنا في حاجة إليه".

ويعتقد فاضل الجعايبي بأن المهمة التي يتوجب على الفن تحمل عبء القيام بها في عملية التغيير الإجتماعي "أساسية"، لذلك التزم دوما في تونس بموقف منتقد للنظام، وقال: "لقد كلفني ذلك ثمنا غاليا، لكنني لست نادما على ذلك".

في المقابل، برزت مواقف متباينة حول تأثير العمل الفني سواء لدى الكاتب المسرحي خالد الشميسي (مؤلف مسرحية طاكسي)، أو المسرحية ليلى سلميان من مصر، اللذان قدما في مهرجان زيورخ مسرحية "دروس من الثورة".

ففي الوقت الذي يدعي فيه الشميسي، مؤلف الكتاب الأكثر رواجا في مصر والبالغ من العمر 49 عاما، بأن العاملين في الميدان الثقافي في بلاده شرعوا في العمل على تغيير العقليات منذ حوالي خمس سنوات، وبذلك أسهموا في الإعداد للثورة، تنظر المخرجة المسرحية ليلى سلمان البالغة من العمر 30 عاما بنوع من التشكيك للمسألة وتقول: "بودي أن أعتقد بأنه كان لنا تأثير في قيام الثورة، ولكن قد يكون ذلك بمثابة اعتقاد ساذج، لأنه لا يمكنني الوصول بعملي الفني إلا إلى أقلية صغيرة. أما من لعب الدور الأكبر في قيام الثورة فهي وسائل الإعلام المستقلة ونشطاء حقوق الإنسان".

دعم سويسري للثقافة

في سياق متصل، تدعم الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون العديد من العروض المسرحية وحلقات النقاش في مهرجان زيورخ الدولي للمسرح. وفي حديث مع swissinfo.ch، قالت آليس تومان من الوكالة: "إن الفن يمثل حاجة حيوية وضرورة بالنسبة لكل المجتمعات. إذ يُسهم في بلورة الهوية ويمكنه الإسهام في تسهيل الحوار بين الثقافات".

كما أن وجود قطاع فني مستقل ومتعدد يشكل في حد ذاته مؤشرا على وجود نظام ديمقراطي. لذلك تبدو السيدة تومان مقتنعة بأن العاملين في القطاع الثقافي يلعبون بوسائل إبداعهم وتعبيرهم الفني المختلفة "دورا مهما في مسار التغيير" الذي تمر به مجتمعاتهم.

وفي معرض توضيح فكرتها تقول آليس تومان: "إنهم باعتمادهم في عملهم الفني على الرموز، فهم لا يخاطبون الفكر فحسب بل أيضا الشعور والأحاسيس. وهم يتمكنون بذلك من التعبير عن أشياء قد لا يمكن التعبير عنها بوسائل أخرى". وهذا بالضبط ما يجعل التعبير الفني "الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الأفكار والآراء" في البلدان التي تفرض قيودا صارمة على حرية الفكر والتعبير.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter