الصِّرَاعُ بَيْنَ مَا هُوَ وَطَنِيٍّ ومَا هُوَ طَائِفيٍّ
كتب القمص أثناسيوس چورچ.
استبدال المواطنة والوطنية بالطائفية الدينية، وشطب مفهوم المواطنة نتيجة تكفير وتهميش ملايين المواطنين والتحريض عليهم والازدراء بعقيدتهم على كل الأصعدة، جعل الأعمال الطائفية شأنًا يوميًا طال كل شيء: الإعلام والتعليم والاقتصاد والحكم والحياة العامة... فالتلڤيزيون الحكومي يتلون ويحرض، والسلطة تسحل وتدهس بالمدرعات والذخيرة الحية، والاستبعاد والمقاطعة لحقت بالاقتصاد، والبيئة الاجتماعية للمصريين اتّسمت بالتحامل والعلاقات الملتبسة والتي أسفرت عن الهدم في "صول" و"العمرانية" و"المريناب"، وأسفرت عن الحرق في "إمبابة" و"أبو قرقاص" و"الرزيقات" وصولاً إلى مجازر وجرائم "ماسبيرو" و"القديسين" بالأسكندرية وغيرها من الضغوط والتحامل والاستهداف حتى صار الذبح والقتل والسرقة على الهويّة.
فهل يُعقَل أن السلطة المصرية تضطلع بتفجير كنيسة القديسين؟! وهل يُعقل أن السلطة تقتل شباب الأقباط بالرصاص الحي في "العمرانية" و"المقطم"؟! وهل يُعقل أن السلطة المصرية تدهس بشرًا مصريين تحت المدرعات؟! وهل يُعقل أن السلطة تترك التلفيين والرعاع يحرقون وينهبون ويحطمون مقدرات مواطنين مسالمين، لا لسبب إلا لأنهم مسيحيون؟! هل يُعقل أن السلطة في مصر حتى الآن لم تعاقب أي قاتل أو جاني إرهابي في كل هذه الأحداث؟! لقد حدث كل هذا في مصر. ويفتخر الجناة والحكام بأنه (صُنع في مصر).
لقد تزايدت الاعتداءات على كل من لا يشاطر الأغلبية في الدين والرأي والزِّي، وصار ترميز المجتمع والتمييز على الهوية، فتلوَّن المجتمع بطابع الانتماء الديني المتشدد، وبدلاً من الوطنية والمواطنة ورفع الأعلام المصرية، رُفِعت أعلام الجاهلية والبداوة، وارتفعت هلاوس التكفير والازدراء والمغالطات التي تطعن في الصميم حقوق الإنسان والحياة على أرض مصر، بل وصارت تبريراته ساذجة وماكرة ولا تنطلي على أحد. كذلك أصبح اضطهاد الموطنين الأقباط مألوفًا ومُمنهجًا، ولا يُحرك له ساكنًا، بينما العقلاء والمتبصرون يعرفون المشكلة والداء والدواء.
الطائفية تُفصح عن نفسها، عندما يرفض المجتمع مجرد تعيين محافظ قبطي! عندما يخلو مجلس الشعب من وجود أي عضو قبطي! عندما يُمنع توظيف الأقباط في العديد من الأجهزة والمناصب! عندما تُقام حدود الافتراء الكاذبة على الأقباط! عندما يقوم المسئولون بالدولة بالتخطيط والترتيب وإعطاء الأوامر بالتفجير والقتل والدهس!!! عندما تبرر الدولة تحريض ومراوغة آلاتها الإعلامية الرسمية! عندما تعقد السلطة مؤتمرات صحفية تهريجية وسافرة، فيصبح الجاني والقاتل والجلاد هو نفسه قاضيًا! ثم بعد المجازر والمذابح تتم لقاءات العلاقات العامة، وتُذاع الشرائط المُعلَّبة التي تتحدث في كل حادثة عن القلة المندسة والأيادي الخفية وبعض الغرباء وطاقية الإخفاء والمجهولين، وكأننا في زار ودوَّار.
ماذا يفعل الأقباط عندما يُمنعون من إقامة كنيسة لعبادتهم؟ ماذا يفعلون عندما يسد الأشرار الطريق ويمنعوا دخول سيارات الإطفاء لإطفاء الحرائق المندلعة في كنائسهم ومنازلهم، هل يتصلون بالمطافي الدولية؟! ماذا يفعل الأقباط عندما تمتنع الإسعاف عن نقل جرحاهم؟ وماذا يفعلون عندما يُعتدىَ على المستشفيات التي يُعالجون فيها؟ ماذا يفعلون عندما يمنع البلاطجة والإرهابيون دخول متبرعي الدم لإنقاذ المصابين، هل يتصلون بالإسعاف الدولي وهيئات الإغاثة الدولية؟! أم ماذا؟ هذه الجرائم المكدَّسة لن تُفلح معها نغمة النفاق والتنويم ولقاءات الود والشفافية والصراحة الديكورية، لأن قاع الجحيم محجوز للذين يقفون على الحياد وينافقون عندما تتعرض قيَم الحياة والحقيقة للخطر.
حالة الاستقطاب والعدوان الديني الحادثة الآن في مصر ستحُول دون تقدمها ورفعتها وسلامتها، بل وستعرقل كل مشروع تحديثي فيها لأن أي مجتمع متحضرلا يُبنىَ إلا بالمساواة والعدالة والخير والعمل واحترم حقوق الإنسان. أما مظاهر التدين القسرية والقشرية ستنحدر بالبلاد والعباد إلى هُوة تخلف سحيقة، وستُحدث عاهات لا قدر الله في جسم مصر الحضاري.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :