بمناسبة اليوم العالمي للتسامح.. دعوة لنبذ التطرف والعنف وإرساء ثقافة المحبة والسلام
* د. "زكي سالم": الحكم الديكتاتوري على مدى عقود طويلة كرَّس لثقافة الاستبداد والقهر والظلم.
* "فريدة النقاش": التيارات الدينية المتشددة تقوم باختراق منظومة القيم بنفي الآخر المختلف.
* "يعقوب الشاروني": أطالب بدمج مواد تحث على التسامح وقبول الآخر في المناهج المدرسية.
* د. "ميشيل حليم": لابد من توظيف الخطاب الديني لنشر روح التسامح وقبول الآخر.
* د. "هاني الجزار": انتشار ثقافة التعصب والكراهية وصمة عار في جبين الإنسانية.
* د. "عصام عبدالله": الديمقراطية تعني الالتزام بالتسامح والعدالة والفصل بين السلطات الثلاثة.
تحقيق: ميرفت عياد
إن ثقافة التسامح تمثل عماد حقوق الإنسان، والضمان الوحيد لاحترام التعددية في جميع أشكالها ومستوياتها السياسية والثقافية والاجتماعية، مما جعل الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1996 أن تدعو جميع أعضائها للاحتفال يوم 16 نوفمبر من كل عام باليوم العالمي للتسامح، وذلك بهدف تشجيع التسامح والاحترام والحوار والتعاون بين مختلف الثقافات والحضارات والشعوب..
وعن أهمية ثقافة التسامح، وكيفية تنميتها، وكيفية إرساء قواعد احترام الآخر وقبول التنوع والاختلاف، ومخاطر عدم التسامح على المجتمع.. كان لنا هذا التحقيق.
الحكم الديكتاتوري وثقافة الاستبداد
في البداية، أكَّد الأديب والكاتب الدكتور "زكي سالم" أن ما حدث في "مصر" فى الشهور الماضية يجعلهم يتسائلون عن مقدار وجود ثقافة التسامح في المجتمع، ويقودهم إلى توضيح الخلط بين كلمتين باللغة الإنجليزية هما "forgive" وتعني التسامح مع المغفرة في حالة حدوث خطأ من شخص تجاه الآخر، والكلمة الأخرى هي "tolerance" والمقصود بها القدرة على قبول الاختلاف مع الآخرين، ففي مدن العالم المتقدم نرى أماكن العبادة المختلفة متجاورة بطريقة لا تثير أي حساسية؛ لأن أي إنسان متحضر يعي تمامًا أن العقيدة من الأمور الشخصية التي تخص الإنسان، ومن هنا يتضح أن ثقافة التسامح تعني ممارسة الإنسان لحريته الشخصية دون أي تدخل سواء من جانب الأفراد أو المجتمع، وهذه الثقافة للأسف تنقصنا في "مصر" لأن الحكم الديكتاتوري على مدى عقود طويلة كرَّس لثقافة الاستبداد والقهر والظلم، ومن هنا باتت أهمية تغيير تلك الثقافة من أجل بناء حياة ديمقراطية سليمة تعتبر التسامح جوهرها الأصيل.
مبدأ سياسي وقانوني
ووافقته الرأي الكاتبة الصحفية "فريدة النقاش"، مشيرةً إلى أن التسامح يتضمن في جوهره الإقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية المعترف بها عالميًا، ومن هنا يعد التسامح فضيلة وقيمة عليا تساعد على نشر ثقافة السلام ونبذ العنف، ولذا يجب على أي مجتمع أن ينمي لدى أفراده القيم العليا المتمثلة في التسامح واحترام الآخر والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة، موضحةً أن المتفحص لشعارات ثورة 25 يناير يجد أنها تحتوي على كل تلك القيم العليا، ولكن للأسف تقوم التيارات الدينية المتعصبة باختراق منظومة القيم العليا في تلك الشعارات، من خلال نشر ثقافة نفي ورفض الآخر المختلف على جميع المستويات. وأضافت: "التيارات الدينية المتشددة يجب أن تقطع شوطًا كبيرًا نحو اقتناء ثقافة التسامح، ليس في ميدان الشعارات ولكن في الممارسات اليومية لحياة الناس؛ لأن التسامح ليس مجرد واجب أخلاقي بل مبدأ سياسي وقانوني، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بسيادة القانون وتحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان".
الشق الإيجابي في التسامح
وحول تنمية ثقافة التسامح الإيجابي مع الذات ومع الآخر، أوضح الدكتور "ميشيل حليم"- أستاذ علم الاجتماع بجامعة "حلوان"- أهمية التنشئة الاجتماعية للمجتمع ككل على ثقافة التسامح، وذلك من خلال نشر القيم الإيجابية والأخلاقية داخل الأسرة، وتوظيف الخطاب الديني في نشر روح التسامح والقبول بين جميع أفراد المجتمع، ونبذ العنف، والحث على السلام، ورفض التشدد والتطرف العقائدي، والاعتماد على ثقافة الحوار، والتعايش وقبول الآخر، والعمل معًا، والمواطنة، مؤكّدًا على أهمية المنظومة التعليمية عبر جميع مراحل التعليم في تنشئة الطلبة على اعتناق ثقافة الحوار، والتعبير بحرية عن الرأي، واحترام رأي الآخر، وكيفية ممارسة فن الحوار والقبول بالاختلاف، معتبرًا أن هذا كله من شأنه أن يعمل على تنمية ثقافة التسامح لدى أفراد المجتمع، فالتربية على ثقافة مدنية قوامها السلام والقبول بالتعددية والتنوع والاختلاف ورفض التعصب والعنف، من شأنه أن يضيف الكثير إلى جهود النهضة والتنمية.
الخطاب الإعلامي المتعصب
وطالب "يعقوب الشاروني"- رائد أدب الأطفال- بدمج العديد من المواد التي تحث على ثقافة التسامح وقبول الآخر في المناهج المدرسية؛ لأن الكتاب المدرسي هو الكتاب الوحيد الذي نضمن وصوله إلى جميع فئات المجتمع، وأن يقوم الإعلام ببث مواد من شأنها العمل على ترسيخ القيم الإيجابية من سلام وتسامح وقبول الآخر خلال برامجها، وتقنين الخطاب الإعلامي المتعصب الذي يبث ثقافة الكراهية بين أبناء الوطن، بالإضافة إلى الدور الكبير الذي يقع على عاتق الأدب والثقافة بشكل عام في نشر روح المحبة والتسامح والاعتدال، مؤكدًا أن الحياة في تسامح وسلام مع الآخرين تستلزم احترامهم والتعامل معهم بشكل إيجابي لا يجرح مشاعرهم، والخضوع لرأي الأغلبية حتى لو اختلف عن رأينا، واحترام رأي الأقلية، وتقبل وجهات النظر الأخرى وجعلها محل تقدير حتى إذا اختلفت عن وجهات نظرنا.
الفتنة والتناحر
وتأسف د. "هاني الجزار"- أستاذ علم النفس السياسي- على أن القدر الأكبر من تاريخ الإنسانية هو سجل للتعصب والعداء بين الجماعات والدول والأفراد، مشيرًا إلى التعصب يُعد وصمة عار في جبين الإنسانية لأنه يقوم على انتشار ثقافة الكراهية وعدم قبول الآخر والتمييز، فهناك العديد من العوامل التي تؤثر على استعداد الإنسان للتعصب، منها: الإحباط غير المحدد الذي يجعل الإنسان يوجِّه عدائه نحو موضوع بديل، ليكون بمثابة كبش الفداء، والإسقاط وهو إلقاء اتجاهاتنا السلبية على الآخر، وانخفاض المستوى التعليمي حيث أن التعليم يمكن أن يجعل الفرد أكثر قدرة على التفكير الناقد وأقل ميلًا للتعميم وتصلب الرأي الذي غالبًا ما يقود إلى التعصب، مضيفًا أن التعصب رغم ذلك لا ينتقل آليًا وبنفس الدرجة إلى كل أفراد الجماعة، فالفروق الفردية النفسية والاجتماعية تحدد أي الأفراد أكثر قابلية لاكتساب تعصب الجماعة بالقياس إلى غيره، ومن هنا تأتي أهمية التصدي لخطاب الكراهية، ومكافحة كل ما من شأنه أن يؤدي للفتنة والتناحر بين أبناء المجتمع الواحد وأبناء البشرية عامة، ليسود بينهم السلام والمحبة والتسامح.
التعايش واحترام الآخر
وكان د. "عصام عبدالله" قد أوضح في إحدى دراساته أن ممارسة التسامح هي مبدأ للتعايش واحترام الآخر، حيث يتم من خلاله مزاولة الاختلاف دون عنف أو قهر من قبل المختلفين، مؤكِّدًا أن الديمقراطية تتغذى من خلال صراع الأفكار، وهذا يتطلب الالتزام بثلاثة مبادئ؛ الأول هو التسامح الذي يضمن حرية ممارسة المعتقدات السياسية والدينية وحرية التعبير عن الرأي، والثاني هو العدالة، وهو أهم مبدأ حتى يتساوى الجميع أمام القانون، أما المبدأ الثالث للديمقراطية فيتمثل في الفصل بين السلطات الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية .
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :