بقلم/عزت بولس
قوانين الطبيعة ونظريات "الإصطفاء الطبيعي والتطور"سارية فى العالم المتحضر، فأمواج البحر التي تتدافع وتتلاحق بإستمرار تأتى لتطفو فوق الموجات السابقة، لكن فى البلاد العربية الإسلامية الحال ليس كذلك، حيث القوانيين المختلفة لما هو مفترض أن يكون طبيعي.
فموجات التحضر الهادئة-بالبلدان العربية والإسلامية- تغمرها موجات التخلف الهائجة التى تجتاح الساحة السياسية والإعلامية بتلك البلدان، فتفرض التخلف فرضًا لصالح القضاء على الفكر التقدمي عبر إغراق كامل في السلفية والتكفير، مما يعوق حدوث تطور فكري حقيقي بالمجتمع الذي يصبح ناكرًا تمامًا للإنتماء الوطني والقومي ومن ثم ينتج فكرًا أحاديًا فاشيًا.
25 يناير 2011 هو اليوم المصري الذي بزغت فيه بشائر الفكر التقدمي الحضاري،ولكن تلك البشائر لم تصمد طويلاً أمام أعاصير التيارات الدينية الوهابية بكافة تشيكلاتها،والتي تضمر كل ماله علاقة بفيروسات التخلف في كينونتها الفكرية،حيث التفاخر بأمجاد الماضي الواهية التي لا تتفق مع روح العصر، ولهذا ووفق كل ذلك لا عجب من القتل المتعمد الذي حدث لثورة الشباب المصرية،بعد أن أنطلقت أعاصير الجماعة "المحظوظة" وتوابعها من المنظمات الجهادية الإسلامية المختلفة بالتعاون مع المؤتمرين ليقيموا مقاعد مجلس شعب على دماء شباب مصري نادى بالتغيير ودفع ثمنه،ليأتي مجلس ينقل مصر من ديكتاتورية الفرد إلى ديكتاتورية الجماعة.
لتبدأ حقبة سياسية مصرية جديدة ليس فيها من" ذلك التغيير الجديد" سوى أتباع الفرع الإسلامى للحزب الوطنى "جماعات الجحور الأرضية سابقًا" من ذوي الأجندات المعلوم مرجعيتها للجميع،والتي أعلنها مؤخرًا بشكل صريح وواضح مرشد المحظوظة البديع حيث أكد مبشرًا بقرب تحقيق حلم المؤسس الشيخ حسن البنا في تكوين "دولة الخلافة".
"يالا الهول" عبارة تقفز إلى ذهن كل مصري محب لبلده عند سماع ما تنبأ وبشر به أمير الجماعة المحظوطة ومرشدها،خاصة وأن تلك البشارة الإخوانية تحوي بداخلها المعنى الكبير والخطير ألا وهو أغتيال هويتنا المصرية.
المغيبون الباكون على أمجاد الماضي يأملون في مرحلتنا التاريخية الراهنة إدارة عجلة الزمن إلى الخلف، مرددين دون إدراك العبارة الشهيرة التي تقول"التاريخ يعيد نفسه" التى تستخدم خطأ للمقارنة بين أحداث وقعت بالماضي وأخري مشابه لها بالحاضر،دون أن يدركوا أو يأخذوا بإعتباراتهم أن لكل حادثة تاريخيًا ظروفها وتفاصيلها وملابستها التي تختلف كلية عن واقعنا الحالي،"التاريخ يعيد نفسه" لو صحت تلك العبارة كما يدعي المرددين لها لتوقف الزمن عند نقطة ثابتة ليعود إليها مرارًا وتكرارًا ومن ثم الدوران في حلقة مفرغة لانهاية لها من إعادة التخلف بصياغات مختلفة،إذا كان الأمر كذلك فلماذا تتشابة بعض الأحداث وربما التكرر؟ الأجابة بأنه ليس لأن التاريخ يعيد نفسه وإنما لعدم قدرة الشعوب على التعلم من الماضي،والإصرار على المضي في طريق ثبت فشله أو حتى ثبت نجاحه في ظروف غير تلك الحاضرة.
أتباع التيارات الدينية بكافة تشيكلاتها داخل مصر يصروا على "اغتصاب الزمن" ليرجعوا بنا الأف السنوات للوراء،لإستنساخ أحداث باتت جزء من الماضي ولا يمكن بأي حال من الأحوال إعادة تطبيقها بالوقت الراهن،تحت تأثير وهم قائل أنه من نقطة الرجوع يبدأ التقدم،متغافلين أن مايطبق في مجتمع بدوى لايمكن أن يطبق في مجتمع أخر حضاري.
وفق تلك العقلية الدينية الغيبية التي تسيطر على الشارع المصري الأن، تتسارع الدول الغربية المتحضرة بزعامة أمريكا وإسرائيل في تقديم كل الدعم، لتشجيع نمو هذا النهج المتخلف وتلك الأفكار الهدامة لمصروهويتها, مستمتعين بحالة الغباء السياسي الكبيرة التي تضمن لهم السيادة على شعوب ُغلبت على آمرها، مبلية بقادتها وهواة السياسة.
لتقفز مجموعات الإنتفاع الزئبقي لتلاحق المد الجديد المتطرف، الساقط بسرعة الشهاب على أرض مصر، ممثلة فى الأعلام الموبوء بمكيروبات سياسات حكومات السنين السابقة المتعاقبة منذ 1952 وحتى وقتنا الحاضر،إعلام تتطبع على خاصية النفاق والتملق والخنوع، ويتصارع على كسب ود كل من فى السلطة سواء المجلس العسكري بقياداته الحالية أو العسكر السابقين واللذين ساهموا في إفقار الشعب المصري وإدخاله لغابات التخلف الكثيفة،وبالطبع هذا الإعلام لا ينسي التودد لأعضاء المجلس الموقر من الأخوان المسلمين والسلفيين وغيرهم، دون مراعاة مبادئ الميثاق الصحفي الذي أقسموا على احترام مبادئه،غير عابئين بمدى التأثير السلبي لما ينقلونه من خلال القنوات التلفزيونية أو يكتبونه فى الصحف أو على المواقع الإلكترونية، فى نشر وعى سياسي فاسد وبلورة مواقف عامة مشخصنة غير صحيحة.
لكن ورغم كل ما حدث وما سيحدث يمكنني القول أن الوقت ليس متأخر لتصحيح مسار ثورة بدأت سليمة وحادت عن طريقها الصحيح، وهذا لا يتأتى الا بإعلام نزيه ورئيس مصري صميم معافي من أمراض القومية العربية ليضع دستور مدنى لا يضع المطلق عقبة أمام الفكر الانسانى التقدمي، مبادئه نابعة من مبادئ حقوق الإنسان العالمية مراعيًا حق المرأة فى المساواة الكاملة بينها وبين الرجل فى جميع المجلات، دستورًا توافقيًا يحفظ حقوق الأقليات الدينية والعرقية، ويكون للقانون بداخله سيادته الحقيقية المطبقة على الجميع دون تفرقة بين غنى وفقير وبين صاحب سلطة ومنصب وأخر لايملكها.
إن مصر تستطيع بما تملك من مواهب بشرية وحضارية متأصلة فى وجدان كل فرد فيها فى تحقيق المعجزات المبنية على إرادة الإنسان، ولننظر الى الألمان واليابانيين والكوريين وغيرهم من البلاد التى كانت منذ عقود ليست ببعيدة، دول تبحث عن الحضارة والتمدن فأصبحت مصدرة للعلم والتكنولوجيا، ولا داع للبحث عن أمثلة من دول أدمنت التنعم بالغيبيات فنلتها آفة الإضمحلال الحضاري